هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية مقال رأي لنائب زعيم طالبان، سراج الدين حقاني، بالتزامن مع قرب توقيع واشنطن والحركة الأفغانية اتفاق سلام، تمهيدا لإنهاء أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة في تاريخها.
وقال "حقاني" في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إنه عند بدء المفاوضات مع الولايات المتحدة عام 2018، لم تكن حركة طالبان يحدوها التفاؤل بشأن التوصل إلى نتائج مرضية، لا سيما بعد مرور 18 سنة من الحرب والعديد من المحاولات السابقة الفاشلة.
لقد تسببت هذه الحرب الطويلة في خسائر بشرية ومادية فادحة، ومن غير الحكمة، بحسبه، رفض أي فرصة محتملة للسلام مهما كانت احتمالات نجاحها ضئيلة. لذلك، كان من الضروري وضع حد لجرائم القتل والتشويه التي كانت تحدث خلال سنوات طويلة من الحرب المتواصلة.
وأشار القيادي إلى أن الحرب مع التحالف الأجنبي الذي تقوده الولايات المتحدة لم تكن خيارا مطروحا بل أمرا واقعا فُرض على البلاد، لذلك أُجبرت حركة طالبان على الدفاع عن نفسها وعن البلاد. تبعا لذلك، كان طلب انسحاب القوات الأجنبية من الأراضي الأفغانية ضمن أولويات الحركة التي سعت إلى التمسك به.
وأضاف أن فريق التفاوض، بقيادة الملا عبد الغني برادر وشير محمد عباس ستانيكزاي، عمل بلا كلل طوال الثمانية عشر شهرا الماضية مع المفاوضين الأمريكيين من أجل التوصل إلى اتفاق. وقد تشبثت الحركة بالمحادثات على الرغم من القلق والاستياء في صفوفها بسبب حملة القصف المكثفة التي كانت الولايات المتحدة تشنها ضد القرى الأفغانية، ناهيك عن تغيير القوات الأمريكية لمواقعها باستمرار.
وتابع أنه حين قرّر ترامب إلغاء هذه المحادثات، أبقت حركة طالبان المجال مفتوحا أمام عملية السلام لأن الأفغان كانوا أشد ضحايا هذه الحرب تضررا. ولم يقع التوصل إلى أي اتفاق سلام في أعقاب مثل هذه المحادثات المكثفة دون اللجوء إلى تسويات متبادلة. لقد تمسكت الحركة بهذه المحادثات المضطربة مع العدو الذي قاتلته على مدى عقدين من الزمن، وهو ما يشير إلى التزام طالبان بإنهاء الأعمال العدائية وإحلال السلام في البلاد، بحسبه.
وأكد حقاني أن طالبان تدرك حقيقة المخاوف والأسئلة التي تجوب في أذهان المراقبين داخل البلاد وخارجها حول نوع الحكومة التي سيقع تشكيلها بعد انسحاب القوات الأجنبية. في حقيقة الأمر، سيكون التوافق في الآراء بين الأفغان هو الفيصل، بحسبه. ولكن، لا ينبغي أن تعرقل هذه المخاوف عملية النقاش والمشاورات الحقيقية للتحرر لأول مرة من الهيمنة والتدخل الأجنبي. ومن الأهم، وفق الزعيم "الطالباني"، أنه يجب ألا يحمل أي طرف هذه العملية نتائج وشروط مسبقة محددة سلفا.
اقرأ أيضا: "نيويورك تايمز" تثير جدلا بنشرها مقالا لقيادي في "طالبان"
وشدّد الكاتب على التزام حركة طالبان بالعمل مع الأطراف الأخرى بطريقة تشاورية والاحترام الحقيقي للتوصل إلى اتفاق حول نظام سياسي شامل جديد ينعكس فيه صوت كل أفغاني ولا يجري فيه إقصاء أي أحد، مضيفا أنه حين تنجح البلاد في التحرر من هيمنة القوات الأجنبية، سيتمكن الشعب الأفغاني من إيجاد وسيلة فعالة لبناء نظام إسلامي يتمتع فيه جميع الأفغان بحقوق متساوية بين الرجل والمرأة، بما في ذلك الحق في التعليم والعمل، حيث تكون الجدارة أساس تكافؤ الفرص.
كما اعتبر أنه ليس من مصلحة أي أفغاني أن يسمح لمثل هذه الجماعات بتحويل أفغانستان لساحة معركة، فقد عانت البلاد بما فيه الكفاية من التدخلات الأجنبية. وتبعا لذلك، بحسبه، سيتم اتخاذ التدابير اللازمة بالشراكة مع باقي الأفغان لضمان الأمن والاستقرار في البلاد. في المقابل، يعد ضمان عمل مختلف الجماعات الأفغانية بجد وإخلاص من أجل تحديد المصلحة المشتركة من بين أهم التحديات التي ستواجهها البلاد.
كما عبر حقاني عن إيمانه بحل الخلافات بين الأفغان من خلال المفاوضات. ومن جهة أخرى، يكمن التحدي الآخر في الحفاظ على اهتمام المجتمع الدولي ومشاركته بشكل إيجابي أثناء الانتقال إلى السلام وبعد انسحاب القوات الأجنبية. ومن شأن دعم المجتمع الدولي أن يكون حاسما لتحقيق الاستقرار وتطوير أفغانستان، بحسبه، وبالإضافة إلى ذلك، أبدت أفغانستان استعدادها للعمل على أساس الاحترام المتبادل مع شركائها الدوليين بغية بناء السلام وإعادة الإعمار على المدى الطويل، بعد أن تسحب الولايات المتحدة قواتها.
وأشار الكاتب إلى استعداد البلاد للحفاظ على العلاقات الودية مع جميع البلدان، إذ لا تستطيع أفغانستان أن تعيش في عزلة، ولذلك، بحسبه، فإن "أفغانستان الجديدة" ستصبح عضوا مسؤولا في المجتمع الدولي وستظل ملتزمة بجميع الاتفاقيات الدولية مادامت تتوافق مع المبادئ الإسلامية. نظرا لذلك، من الجدير أن تحترم بقية الدول سيادة أفغانستان واستقرارها وأن تعتبرها أساسًا للتعاون لا التنافس والصراع.
وتجدر الإشارة إلى أن تفعيل الاتفاق مع الولايات المتحدة يعد تحديا في حد ذاته، حيث تم بناء درجة من الثقة من خلال المفاوضات الأمريكية الأفغانية في الدوحة، لكن الأزمة تكمن في انعدام الثقة المتبادلة بين الطرفين.
وفي الختام، أكد حقاني أن "أفغانستان"، في إشارة إلى الحركة، مستعدة للاتفاق مع الولايات المتحدة فقط في حال التزامها بتنفيذ كل بند من بنودها. وعندئذ يمكن أن تبنى الثقة الكاملة وأساس التعاون - أو حتى الشراكة - في المستقبل، بحسبه.
"ومع تحقيق هذا الإنجاز، ستبدأ أفغانستان بالمضي قدما نحو السلام الدائم وإعادة بناء أفغانستان جديدة، التي ستعيد احتضان مواطنيها المغتربين وستضمن حق العيش بكرامة وفي سلام لكل شخص".