هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أثار إعلان محافظ البنك المركزي المصري، طارق عامر، عن محادثات تجريها مصر، مع صندوق النقد الدولي للحصول على مساعدة فنية تتعلق بإصلاحات هيكلية، مخاوف وتحفظات الخبراء الاقتصاديين، حول الغموض الذي تتعامل به الحكومة المصرية في إدارة سياستها المالية.
وكان عامر أكد خلال مؤتمر نظمته وزارة البترول المصرية، عن فرص الاستثمار بقطاع الطاقة المصري، قبل أيام، أن الهدف من طلب مساعدة صندوق النقد، هو تقليل الإجراءات البيروقراطية لتحسين مناخ الاستثمار، خاصة وأن الأولوية لدى الحكومة هي زيادة النمو الاقتصادي لخلق فرص عمل.
الخبراء الذين تحدثوا لـ"عربي21"، حول هذا الموضوع، ربطوا تصريحات محافظ البنك المركزي، بسلسلة إجراءات اتخذها نظام الإنقلاب العسكري برئاسة عبد الفتاح السيسي مؤخرا، منها طرح عدد من شركات جهاز المشروعات الوطنية التابعة للقوات المسلحة بالبورصة، بعد تحفظات أبداها الصندوق عن سيطرة المؤسسة العسكرية، على النشاط الاقتصادي بمصر.
وحسب الخبراء فإن إجراءات بيع البنوك الحكومية المصرية، وتعديلات قانون البنوك، وفشل الحصول على القرض الصيني بقيمة 3 مليارات دولار لاستكمال مشروعات المرحلة الأولى من العاصمة الادارية، وتراجع معدلات النمو عن النسب المتوقعة، واحتلال مصر المركز الأول بين الدول العربية الأكثر اقتراضا، كلها دلالات على أن مصر سوف تخضع لوصاية صندوق النقد الدولي.
غموض مريب
وفقا لرئيس الأكاديمية الأوروبية للتمويل والاقتصاد الإسلامي، أشرف دوابة، فإن تصريحات محافظ البنك المركزي بطلب المعونة الفنية من صندوق النقد الدولي لإعادة الهيكلة، فيها كثير من الغموض، والإبهام، وهو ما يؤدي لكثير من البلبلة عن شكل هذا الدعم الفني، وهل هو تدخل إداري أم استشاري فقط.
ويؤكد دوابة لـ "عربي21"، أن الدعم الفني الذي تحدث عنه طارق عامر، يمكن أن يشمل إعادة هيكلة البنوك والجهاز المصرفي، كما أنه يمكن أن يشمل المالية المصرية ككل، وهو ما يطرح التساؤلات عن السبب الحقيقي لطلب هذا الدعم الفني، وارتباطه بزيادة معدلات الاقتراض لمصر خلال السنوات القليلة الماضية، وعلاقته بإدخال تعديلات طلبها الصندوق قبل الموافقة على أية قروض جديدة تأمل مصر في الحصول عليها خلال الفترة المقبلة.
وحسب دوابة، فإن الهدف النهائي في كل هذه الإجراءات والتنازلات هي رغبة النظام المصري في الحصول على قروض جديدة، إما من الصندوق نفسه، أو بضمانة الصندوق، خاصة وأن نظام السيسي، تحول لـ "مدمن قروض"، ولم يعد يستطيع البقاء بدونها، وأنه على استعداد لتقديم أية تنازلات من أجل الحصول عليها.
وصاية دولية
ويربط الخبير الاقتصادي علاء السيد، بين تصريحات سابقة لمحافظ البنك المركزي المصري، أعلن فيها أن صندوق النقد الدولي، عرض منح قرض جديد لمصر، وأن الاخيرة رفضت الطلب، وبين تصريحات المتحدث باسم صندوق النقد، "جيري رايس"، يوم الثلاثاء 18 شباط/ فبراير الجاري، بأن الصندوق لم يفكر في منح مصر أي قرض جديد، وإنما يتباحث مع الحكومة المصرية في مشاركته الفنية لإعادة هيكلة القطاع المالي والاقتصادي.
ويؤكد السيد لـ "عربي21"، أن تصريحات "جيري رايس"، كشفت أن المباحثات تجري الآن لتحديد وشكل نوعية الدعم الفني، بمعنى أن مشاركة الصندوق في إعادة الهيكلة، أصبح أمرا منتهيا، وإنما المباحثات الآن هي عن شكل هذا التدخل، وهل يكون من خلال مستشارين أجانب، في مراقبة المالية المصرية، أم من خلال وضع ضوابط ومواصفات لرؤساء البنوك، أم هيكلة القطاع المالي والمصرفي بما يشمل وزارة المالية والبنك المركزي.
اقرأ أيضا : ما حقيقة وصول اقتصاد مصر للمركز السادس عالميا في 2030؟
ويوضح السيد، أن الهدف من هذا الإجراء هو تدخل الصندوق لحماية أموال المقرضين، بعد تفاقم الديون المصرية، وتزايد الحديث عن عجز الحكومة في سداد الأقساط المستحقة عليها، خاصة وأن الصندوق عندما منح مصر قرض الـ "12 مليار دولار"، خلال الفترة من 2016 وحتى 2019، منحها أيضا ما يمكن تسميته "شهادة ثقة"، لجهات التمويل الدولية، ومقابل هذه الشهادة هو ضمان تدخل الصندوق لحماية أموال المقرضين.
ويضيف الخبير الاقتصادي قائلا: "مصر لديها كفاءات وخبرات مالية ومصرفية جيدة للغاية، وطلب المعونة الفنية من صندوق النقد، يحمل الكثير من علامات الريبة، لأنه يعتبر احتلالا ماليا واضحا لمصر، تحت مبرر إعادة الهيكلة، وهو نفس ما جرى مع فكرة "صندوق الدين" الذي اخترعته انجلترا وفرنسا، نتيجة ديون الخديوي إسماعيل عام 1866، وكان الباب للاحتلال البريطاني بعد ذلك".
وتوقع "السيد"، فشل أي خطة هيكلة يقوم بها صندوق النقد الدولي، في ظل إصرار النظام المصري على سيطرة المؤسسة العسكرية على القطاع الاقتصادي، وهو ما كان سببا في تفشي الفساد بدءا من رأس السلطة الحاكمة، ولذلك فإن الخطوة الأولى لإنقاذ الاقتصاد المصري من الانهيار، هي دمج الاقتصاد العسكري في قطاع الأعمال العام بشكل حقيقي وكامل، وليس من خلال طرح بعض الشركات بالبورصة.
ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن الحكومة المصرية، ملزمة بسداد 14.5 مليار دولار، قبل منتصف 2020، وفي نفس الوقت تعاني من مشكلة تمويل للمشروعات الفاشلة مثل العاصمة الإدارية، وصفقات التسليح غير المبررة، ما يعني أن النظام سوف يلجأ لأي طريقة من أجل الخروج من المأزق الذي يواجهه، حتى لو كان ذلك من خلال وصاية صندوق النقد على المالية المصرية.