هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قبل نحو عامين مر بعائلة جرار القاطنة بمدينة جنين شمالي
الضفة الغربية المحتلة يوم لا يمكنهم نسيانه، إذ كانت عرضة لاعتداء شرس من كلاب
جنود الاحتلال الإسرائيلي، والذي ما زالت آثاره ماثلة إلى الآن.
ويروي
المواطن مبروك جرار (42 عاما) لـ"عربي21" ما حدث معه فجر الثالث من شباط/فبراير عام 2018، حيث استيقظ وزوجته وأطفاله على صوت انفجارات ضخمة هزت المنزل حوالي
الساعة الثالثة فجرا، وأثناء محاولته تهدئة روع أطفاله تفاجأ بكلب بوليسي يقتحم
المنزل وحيدا بينما جنود الاحتلال على بُعد أمتار منه، وعلى الفور بدأ بمهاجمته.
ويقول:
"أمسك بي الكلب من كتفي بسرعة البرق، حاولت إبعاده عني لكنه كان يغرس أسنانه
في جسدي بقوة، بدأت أصرخ وأطفالي وزوجتي يبكون ولا يعلمون كيف يتصرفون، ثم بدأتْ
قطع من لحمي تتساقط أرضا والدماء تنزف بغزارة والكلب يواصل مهاجمتي بقوة".
استمر
الاعتداء لدقائق عدة لم يفلت خلالها الكلب جسد جرار؛ بل قام بشده وسحبه عبر أنيابه
إلى خارج المنزل حيث الجنود، وبدلا من أن يقوم الجنود بإبعاد الكلب عنه بدأوا
بضربه على وجهه وأنحاء جسده ما تسبب بكسر أنفه، دون أن يعلم كيف يفلت من أيدي
الجنود والكلب المتشبث بكتفه وذراعه.
ويوضح
بأن الاعتداء أفقده القدرة على الإحساس بشيء، وكان على وشك فقدان وعيه وسط أسئلة
مكثفة من الجنود إليه حول مكان الشهيد أحمد جرار الذي كان مطاردا وقتها، وحين
تيقنوا أنه فعلا لا يملك أي معلومات بدأوا بمحاولة إزالة الكلب عنه.
ويضيف: "لم يستطع الجنود إزالة أنياب الكلب عن كتفي إلا بعد محاولات عديدة، ولكنه أمسك
بقميصي ولم يفلته إلا بعد أن قام المدرب بقصّه، وحينها كانت ذراعي على وشك
البتر".
ورغم
إصابته الخطيرة ونزيف الدماء الذي لم يتوقف من كتفه وذراعه إلا أن جنود الاحتلال
اعتقلوا جرار ونقلوه إلى معسكر "سالم"؛ وهناك بقي لأكثر من ست ساعات
مقيدا في البرد الشديد والدماء تنزف منه والألم لا يطاق.
ويبين
بأنه رغم إصابته الواضحة لم يكترث الجنود لذلك، وفي تمام العاشرة صباحا قرروا نقله
إلى مستشفى العفولة في الداخل المحتل بعد صراخه الشديد نتيجة الألم، وهناك تبين
أنه أصيب بالتهاب حاد جراء ترك الجرح دون علاج لساعات.
اقرأ أيضا: أطفال بالقدس يُعتقلون لأسباب صادمة بينها "كلب إسرائيلي"
بقي
جرار في المستشفى مقيدا ويعاني من صعوبة الحركة ومن أوجاع شديدة، وبعد عشرة أيام
قررت محكمة الاحتلال الإفراج عنه فتم إخراجه من المستشفى رغم حاجته لفحوصات وصور
هامة.
ويوضح
بأنه واصل العلاج في مستشفيات الضفة بعد تحرره، ليتبين أنه يعاني من تلف في
العضلات، وبعد فترة خضع لعملية جراحية لتقشير طبقات الجلد التي تعرضت للنهش بسبب
إصابة يده بـ"الغرغرينا".
ويشير
جرار إلى أن تأثير هذا الهجوم الوحشي من الكلاب لم يقتصر على جسده فقط، بل طال
نفسية أطفاله، موضحا "بقي نجلي الأصغر (6 سنوات) تحت العلاج من الآثار النفسية
التي تركها مشهد الكلاب في ذهنه، حيث كان يستيقظ ليلا وهو يصرخ ويبكي بلا سبب، كما
لا يزال يخشى من ذكر اسم الكلاب أمامه".
ويتابع: "قدمت شكوى ضد الجنود بسبب استخدام الكلاب البوليسية ضدي وأنا أعزل ودون أي مبرر،
ولكنها ما زالت تراوح مكانها تحت حجج مختلفة، فتارة يزعمون أنني هاجمت الجنود،
وتارة يقولون إنني أنا من هاجم الكلب في البداية، وكلها حجج واهية تفندها شهادات
كل أفراد العائلة وحتى الجنود أنفسهم".
وما
زال جرار يعاني من إصابته خاصة خلال فصل الشتاء، فلا يستطيع تحريك يديه بحرية
ويضطر لارتداء ملابس ثقيلة كي لا ينخرها البرد، إضافة إلى التشوهات الجلدية التي
حلقت بها.
رتبة
عسكرية
ويستخدم
الاحتلال الكلاب البوليسية في مهام حساسة مثل ملاحقة الفدائيين، والبحث عن مطاردين،
والبحث عن أسلحة، ويكون برفقة جنود عند اقتحام منازل الفلسطينيين، ما يروعهم دون
أن يتمكنوا من فعل شيء ضدها لأنها تحمل رتبا عسكرية.
بدوره
يقول الخبير في تدريب الكلاب علي السالم لـ"عربي21" بأن الكلاب التي يستخدمها
جنود الاحتلال لمهاجمة الفلسطينيين يتم تدريبها على الهجوم، ولا يوجد ما يخيفها
مثل الكلاب الضالة، فالتعامل معها يكون صعبا في معظم الأحيان.
ويوضح
بأن هجوم الكلب البوليسي على الشخص لا يكون نتاج غضبه مثلا أو حاجته لنهش اللحم
وإنما يكون نتيجة تدريبه على ذلك، مبينا بأن الكلاب الضالة تهاجم الشخص خوفا من
تعرضها للأذى ولذلك يسهل التحكم في غضبها وردة فعلها، بينما ذلك يختلف كليا بالنسبة للكلاب المدربة.
ويشير
إلى أن الاحتلال يعتبر أن الكلب المدرب جندي له رتبة، وبالتالي أي إيذاء له سيعرّض
الفلسطيني للمحاكمة أو حتى لإطلاق النار من قبل الجنود، أي أنهم يتعاملون مع الكلب
وكأنه جندي فتتم مهاجمة الفلسطيني إذا حاول إيذاء الكلب في سبيل إبعاده عنه.
ويضيف:
"لا يوجد شيء كثير يتم عمله في هذه الحالات، ولكن من الممكن تخفيف ضرر هجوم
الكلب بإبعاده عن منطقة الوجه عبر حمايته بالذراع وتكوين قبضة يد كي لا يصل إلى
الأصابع أو أي جزء من السهل اقتلاعه".
وعن
آليات تجنب ضرر الكلاب البوليسية، يشير السالم إلى أن الكلب عادة ليست لديه قوة
إلا في أسنانه وأنيابه، وبالتالي من الضروري أن يتم إبعاد فمه عن الشخص كي لا يلحق
به الأذى".
وتابع
بأن "التصرف الطبيعي هو إمساك الكلب من رقبته من الخلف كي لا يقوم بالهجوم
وبالتالي السيطرة عليه ولكن هذه الحركة لدى الاحتلال قد تستوجب إطلاق النار على
الفلسطيني بدعوى محاولة إيذاء الكلب".
ويبين
بأن فترة التدريب لهذه الكلاب تتراوح ما بين عمر شهرين إلى ثلاثة أعوام.
شكل
للتعذيب
من
جانبه، يؤكد مدير مؤسسة شمس لحقوق الإنسان، عمر رحال، على أن استخدام الكلاب بشكل
عام لدى المؤسسات الشرطية في كل أنحاء العالم مقبول ومتاح، بمعنى أن هناك استخداما لها في عمليات البحث عن المخدرات أو تعقب المجرمين وغير ذلك من دوائر متخصصة في
المؤسسات الشرطية.
ومن
جانب استخدام الاحتلال للكلاب، فيرى في حديث لـ"عربي21" بأنه استخدام
مختلف لأنه يأتي في سياق إرهاب وتخويف الفلسطينيين، وبالتالي تقوم كلابه المدربة
بنهش أجساد الفلسطينيين وتخويفهم وترهيبهم.
اقرأ أيضا: الاحتلال يعتقل سيدة ويعتدي على مصلين بالأقصى (شاهد)
ويعتبر
رحال بأن استخدام الكلاب البوليسية من قبل الاحتلال "شكلا من أشكال التعذيب
الذي تمارسه بحق الفلسطينيين، سيما عندما يستخدم فرقة الكلاب المدربة في الاعتقال
أو ملاحقة المتظاهرين السلميين دون أخذ الاحتياطات الخاصة بذلك مثل وضع الكمامات
على أفواه الكلاب، ما يتسبب بإلحاق الضرر الكبير للفلسطينيين".
ويضيف:
"حين يقوم الجنود باستخدام الكلاب المدربة والكبيرة في اقتحام المنازل يؤدي ذلك
إلى رعب لدى المعتقلين خاصة الفتية منهم؛ وهذا له بُعد نفسي وجسدي في إرغام
المعتقل على الاعتراف قسرا حتى بمعلومات غير صحيحة، كي يتخلص من اعتداء الكلاب
عليه من جديد، لأنها تكون تسببت له بالأذى الكبير الجسدي والنفسي".
ويوضح
بأن الاحتلال يستخدم خلال اعتداءاته على الفلسطينيين كلابا مهجنة ما بين كلاب
بوليسية وذئاب من فصيلة خاصة تكون أكثر وحشية ضد الإنسان.
أما
عن التحركات الحقوقية في هذا الملف، فيشير رحال إلى أنه كانت هناك محاولات للتحرك
دوليا سواء للمؤسسات المؤثرة أو المقررين الخاصين بالأمم المتحدة، وخاصة فيما
يتعلق باستخدام الكلاب في التفتيش على الحواجز العسكرية واستخدامها لترويع النساء
والأطفال.
ويتابع: "هذه قضية من المهم أن تصل للعالم كونها كلابا شرسة ومخيفة ومن شأنها أن تسبب أمراضا
على المدى البعيد للفلسطينيين، ولكن للأسف الأمر له علاقة بشيء أكبر يتعلق بحرية
الحركة والتنقل للفلسطينيين، والذي لا توجد مؤسسات رسمية تأخذه بعين الاعتبار على
المستوى الإقليمي رغم وجود تفاصيل هامة أخرى تندرج تحت هذا الإطار مثل استخدام
الكلاب البوليسية والخنازير البرية ضد أشخاص عزل".