هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
"إن ظهور الفلسفة الموجهة للأطفال ليس نمطا عابرا للفكر، ليس موضة أو تقليدا، بل هو توجّه مؤسس، واع وقصدي، وأساسه المتين هو علاج أطفال المجتمعات الحديثة من أمراض هذه المجتمعات..".
ستظهر هذه الكلمات مع أول كتاب منشور لسلسلة "سقراط الصغير"، التي جرى الإعلان عنها الشهر الماضي، وستصدر قريباً كتبها عن "دار كلمة" في تونس.
فلسفة موجّهة للأطفال؛ يبدو الأمر في ظاهره صعباً على التقبّل، مع وجود قناعة (ليس لها أي سند نظري أو تجريبي) مفادها أن المادة المقدّمة إلى الأطفال عادة ما تكون في شكل قصة مرسومة أو إضاءة علمية، فهل أنه من الممكن أن نتوجّه لهم بنصوص لكبار الفلاسفة مثل هيغل وكانط وماركس ونيتشه وبرغسون وديكارت؟ طبعاً ليس من الممكن أن نفرض تلك النصوص المعقدة على عقول ما تزال في طور النمو غير أن الكثير من الأفكار يمكن تمريرها بوسائل مرنة ومرحة.
تتجه سلسلة "سقراط الصغير" إلى الفئة العمرية بين الأربع سنوات والسادسة عشرة، ومن ورائهم إلى منشطي ورشات الإيقاظ الفكري.
اقرأ أيضا : هل تنجح مصر في إنتاج أفلام الكرتون؟
ويشير النص التعريفي للمشروع إلى أن هذه المبادرة تأتي في وقت "أصبحت فيه الفلسفة تستهدف الجمهور العريض دون أي نوع من أنواع التضييق المتعلقة بالسن أو بالاختصاص حيث أصبح التدرب على التفكير المشترك هو الهدف من ممارسة فعل التفلسف ".
تجدر الاشارة إلى أن منشورات سقراط الصغير ستشمل بحوثاً للتعريف بالفلسفة الموجهة للأطفال وهي منشورات تضيء المنهجيات الجديدة للفلسفة وتوضح قيمتها التعليمية والتربوية كما تحاول إبراز قابلية هذه الممارسات الجديدة لأن تنجز في العالم العربي، دون أن يشكل ذلك خطرا على المنظومات التربوية المعمول بها.
كما تشمل السلسلة قصصاً مبسّطة تعيد تركيب النظريات الفكرية الكبرى، لتكون قابلة للتوظيف في أنشطة خاصة بالأطفال. كما تشمل سلسلة "سقراط الصغير" كتيبات إرشادية لتوضيح كيفيات تنشيط ورشات الإيقاظ الفكري.
تشرف على السلسلة الباحثة التونسية هدى الكافي، وسيكون إلى جانبها عدد من الأكاديميين يسهرون على الربط بين المعرفة الفلسفية المتينة ومقتضيات التبسيط للأطفال.
في حديث خصّت به "عربي 21" تقول الكافي:" إن الهدف من السلسلة هو توفير أدوات عمل في مجال الإيقاظ الفكري، ومن هذه الأدوات نذكر القصص والمناويل المنهجية والدراسات في سبيل تسهيل انتشار الفلسفة الموجهة للأطفال وللمنتجين لها".
يبقى تجاوب الأطفال، وأيضاً أولياؤهم محل تساؤل، وهنا تقول محدّثتنا: "الأمر مرتبط بمدى وعي الآباء، وإن أي تجاوب هو رهين وعي الولي بضرورة تنمية القدرات الذهنية للطفل وبالتالي فإن نجاح السلسلة لن يكون مستنداً على اهتمام التلميذ بقدر ما هو مستند على اهتمام الولي" .
وفيما يخص إمكانية ان تكون سلسلة سقراط الصغير مدخلا لوصول الفلسفة إلى برامج التعليم في سنوات مبكرة، أكدت المشرفة على السلسلة بأن "إدراج هكذا مبادرة ضمن المنهاج التعليمي يستوجب قبل كل شيء تكوين المعلمين في كيفية استخدام هذه الأدوات. إذن لا يمكن بالتالي التفكير في إدراجها قبل إعداد المدربين".
تكشف الكافي عن عدد من المؤلفات التي يجري الإعداد لإطلاقها قريباً ضمن السلسلة، ومنها "الفلسفة الموجهة للأطفال واليافعين: آداب واستراتيجيات" وهو كتاب من تأليف محي الدين الكلاعي، وكتاب "لمقاربة الإدماجية من خلال أعمال ماتيو ليبمان"، وهو تأليف جماعي يأتي تحت إشراف هدى الكافي والتي سيصدر لها كتاب بتوقيعها يحمل عنوان "الفلسفة للأطفال: مشروع ممكن في تونس".
تجدر الإشارة إلى أن فكرة السلسلة مستمدة من أطروحات عالم المنطق والبيداغوجي الأمريكي ماتيو ليبمان الذي نشر أول رواية فلسفية موجهة للأطفال في سنة 1974. ويرتكز مشروع "سقراط الصغير" على إجراء يسميه ليبمان بهيئة البحث التي تضبط قواعد النقاش والكيفية التي تتبع لإنجاز ورشة التفكير مع الأطفال.
وإذا كانت مثل هذه التجارب قد نجحت في أوروبا وامريكا الشمالية فهي في حاجة إلى أقلمة في البلاد العربية، وخصوصاً أن ترتهن هذه التجربة بفئة من الأطفال يكون من اليسير على أسرهم توفير هذا النوع من الكتب، فيما تظل فئات أخرى محرومة من "الإيقاظ الفكري" إلى جانب حرمانها من الوصول السهل للتكنولوجيا الحديثة والوسائل البيداغوجية التي تتوفر عليها.