هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للباحثين في جامعة رويال هولواي في لندن، محمد كالانتاري وعلي هاشم، يقولان فيه إنه عندما خرج آية الله السيستاني، الذي يعد من أبرز رجال الدين الشيعة في العراق، من المستشفى في 17 كانون الثاني/ يناير، فإن وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، غرد ثلاث تغريدات باللغات الإنجليزية والعربية والفارسية، متمنيا له شفاء عاجلا، وواصفا إياه بأنه "مصدر إرشاد وإلهام".
ويعلق الكاتبان في مقالهما، الذي ترجمته "عربي21"، قائلين إن "هذه المقاربة اللطيفة تجاه سيستاني اعتبرت بأنها محاولة من بومبيو لتصوير دعم أمريكا للسيستاني، الذي تعتقد الإدارة الأمريكية بأنه يشكل وزنا مقابلا للنفوذ الإيراني في العراق، وهذا بعد مجرد أسابيع من تشجيع بومبيو ترامب على اغتيال قاسم سليماني في غارة جوية خلال زيارته إلى العراق".
ويقول الباحثان: "ليس سرا أن بومبيو يؤيد استراتيجية الضغط الأقصى على ما يسميه (حكومة اللصوص التابعة لخامنئي)، في إشارة إلى المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، لكن إشاراته المختلفة إلى رجل دين بارز هي إساءة حسابات أخرى من جانب الحكومة الأمريكية في الشرق الأوسط المضطرب".
ويشير الكاتبان إلى أنه "بعد يوم من قتل سليماني أرسل السيستاني رسالة تعزية غير مسبوقة لخامنئي، امتدح فيها الدور المتميز الذي أداه الشهيد سليماني في الحرب ضد تنظيم الدولة في العراق، وكانت الرسالة هي الأولى من نوعها التي يرسلها السيستاني إلى خامنئي منذ عقود".
ويرى الباحثان أن "موضوع الرسالة مهم، فقليلا ما تصدر عن السيستاني رسالة تعزية بشخص ليس من رجال الدين، فما الذي كان يميز سليماني ليجعل السيستاني يرسل رسالة تعزية به؟ والجواب يكمن في اعتقادهما المشترك بضرورة تنسيق الجهود العابرة للحدود لمواجهة التهديدات الخارجية، والتهديد كما يراه رجلا الدين يأتي من المجموعات المتطرفة، مثل تنظيم الدولة والتدخل الأجنبي في المنطقة، وفي نظرهما فإن كلا الأمرين فاقما حالة عدم الاستقرار التي سادت على مدى العقد الماضي".
ويلفت الكاتبان إلى أنه "لمعالجة التهديد الأول قام السيستاني في حزيران/ يونيو 2014 بإصدار فتوى بالجهاد تلزم العراقيين القادرين على حمل السلاح بالدفاع عن وطنهم، وجاءت هذه الفتوى بعد حوالي قرن من فتوى آية الله سيد كاظم اليزدي ضد القوات البريطانية التي غزت العراق في 1914، وكانت تلك آخر مرة يصدر فيها زعيم شيعي مثل تلك الفتوى السياسية".
وينوه الباحثان إلى أن فتواه مهدت الطريق لإنشاء قوات الحشد الشعبي، ثم جاء سليماني وفيلق القدس لمساعدة العراقيين لتنظيم وحداتهم للحرب ضد تنظيم الدولة، مشيرين إلى أن السيستاني اعترف بالدور "المتميز" و"الذي لا ينسى" الذي قام به سليماني لتحقيق الهدف في رسالته.
ويفيد الكاتبان بأنه "عندما يتعلق الأمر بالتدخل الأجنبي فإن السيستاني بصفته أحد كبار رجال الدين الشيعة، لا يمكن أن يبقى محايدا عندما يرى الشيعة في بلدان أخرى، مثل لبنان وإيران، في خطر، وحصل ذلك عندما تواصل سرا مع أمريكا لتدعم وقف إطلاق نار عام 2006 خلال الحرب بين حزب الله وإسرائيل".
ويبين الباحثان أن "موقفه من إيران، التي هي دولة دينية شيعية، مختلف، فبالرغم من كونه إيراني الأصل إلا أنه لم يتدخل في الشأن الداخلي الإيراني أبدا، حتى أنه لا يجيب أتباعه الإيرانيين عندما يسألونه عن الشأن المحلي، بل على العكس فإنه ينصح في العادة النخبة من الإيرانيين الذين يلتقون به بأن يتوحدوا تحت قيادة خامنئي".
ويقول الكاتبان: "لا جدل في اختلاف الرؤية السياسية لكل من المرجعية الدينية العراقية والإيرانية، لكن هناك أسبابا كثيرة تجعل من اتحادهما ضرورة عندما تواجه أي منهما بتهديد خارجي، وبغض النظر عن كون السيستاني ينتمي لمدرسة مختلفة عن رجال الدين الذين يحكمون إيران فإنه يرى أن أي تهديد لجمهورية ايران الإسلامية تهديدا للإسلام الشيعي".
ويؤكد الباحثان أن "رسالة السيستاني أثبتت بأنه لم يكن ولن يكون أبدا عدوا لإيران، بالرغم من خلافاته كلها مع زعمائها، وهذه نقطة عمياء بالنسبة لصناع القرار في واشنطن".
ويجد الكاتبان أن "الاستراتيجية الأمريكية تجاه رجال الدين الشيعة أثبتت أكثر من مرة أنها ليست على معرفة بالتحركات الداخلية والأولويات والمصالح لتلك المؤسسة، فالتحركات الداخلية -التي تقوم على دعم رجال الدين غير المشروط للسلطة الدينية الشيعية ومكانتها- مهمة جدا، وجعلت حتى رجل الدين العنيد، مقتدى الصدر، يتراجع عن مواقفه السابقة".
ويشير الباحثان إلى أن "نجم الصدر ارتفع مع الغزو الأمريكي للعراق عام 2003، فكان في أوائل العشرين من العمر، وانتقد المرجعية الدينية في النجف، التي أطلق عليها (المدرسة الصامتة)، وكان يريد من السيستاني أن يقود ثورة كما فعل الخميني، لكن رؤية السيستاني كانت مختلفة، فهو كان حريصا على أن يستلم الشيعة الحكم في العراق من خلال عملية سياسية".
ويقول الكاتبان إن "هذا ما كان يأمله خامنئي أيضا، ولذلك كان عليه أن يوازن في خطابه الأيديولوجي ضد النفوذ الأمريكي في العراق، وخسارة فرصة أن يصل الشيعة إلى سدة الحكم في العراق لأول مرة في التاريخ الحديث، واختار أن يدعم المسارين، مسار السيستاني والعملية السياسية، ومسار المقاومة، حيث دعم المجموعات المقاومة، ومن بينها مجموعة الصدر".
ويلفت الباحثان إلى أن "الخلاف بين الصدر والسيستاني نشب بعد سقوط نظام صدام بأيام، حيث حاصر أنصار الصدر السيستاني، وطالبوه بمغادرة العراق، ويعود الخلاف إلى والد مقتدى الصدر، محمد محمد صادق الصدر، الذي قتله صدام عام 1999، الذي كان ينتقد المرجعية في النجف، بمن فيهم السيستاني، بسبب مقاربتهم المستسلمة للسياسة، ما جعل الشيعة في العراق بلا قيادة تقريبا في وجه تجاوزات صدام حسين، وفي صيف 2004 حاصرت القوات الأمريكية الصدر وعددا من مؤيديه في مزار الإمام علي في النجف".
وينوه الكاتبان إلى أن السيستاني وضع خلافاته مع الصدر جانبا بسبب ما رآه مصلحة للشيعة، واتصل به خامنئي هاتفيا طالبا منه التدخل لمنع رجل دين شيعي، مثل الصدر، في مزار الإمام علي، مشيرين إلى أن رسالة خامنئي كما دونها، محمد رضا، ابن السيستاني، كانت: "ما يحصل سيئ جدا للشيعة، وإن كان رجال الدين في إيران وأنا لا نفعل شيئا، فإن ذلك هو بسبب احترامنا لك، ومع ذلك فإن من الضروري أن ترسل برسالة قوية للحكومة العراقية".
وأضاف خامنئي: "إن قتلت هذه المجموعة وسفك دم السيد مقتدى الصدر، فإن الشعب العراقي والشيعة سيقولون (رجال الدين جلسوا وراقبوا هؤلاء يقتلون. يجب أن يكون هناك حل)".
ويذكر الباحثان أن "السيستاني وخامنئي عملا معا للتوصل إلى وقف إطلاق نار، واكتشف الصدر أن السيستاني، سواء كان صامتا أم لا فإنه كان يمكنه التأثير في أحداث كبيرة، وأن يتمتع بالشرعية، وكان هذا واضحا بالنسبة لإيران منذ ذلك الحين".
ويشير الكاتبان إلى أن "السيستاني أدى دورا مهما في الأزمة السياسية حول تعيين رئيس وزراء للعراق عام 2024، فكانت إيران تريد نوري المالكي، لكن السيستاني رفضه، ولذلك قبلت طهران ما ذهب إليه السيستاني، فهو أكبر مرجعية شيعية في العراق ويجب ألا يقوض زملاؤه الإيرانيون ذلك".
ويفيد الباحثان بأن "آخر مصدر للتوتر هو الاستياء تجاه إيران بسبب تدخلها في الشؤون الداخلية للعراق، وهو ما كان السيستاني قد أشار إليه قبل الاحتجاجات عندما قابل الرئيس الإيراني، حسن روحاني، في آذار/ مارس الماضي، الذي شدد على أن (سيادة العراق يجب أن تحترم)، وطلب أن تكون العلاقات بين إيران والعراق قائمة على مبدأ حسن الجوار، ولا يزال السيستاني يؤكد ذلك في خطب الجمعة، خاصة بعد الهجمات الأمريكية والإيرانية على الأراضي العراقية في شهر كانون الثاني/ يناير".
ويلفت الكاتبان إلى أن "كثيرا من العراقيين يعدون أن إيران بتدخلها في شؤون بلدهم الداخلية مسؤولة بشكل جزئي عن حالة الفقر التي وصلوا لها، بالإضافة إلى أن الصراع الدائر بين إيران وأمريكا على أرض العراق -كما شوهد على مدى الأسبوعين الماضيين- يعد عاملا آخر يفاقم من صورة إيران بالنسبة للمتظاهرين".
ويقول الباحثان إن "الحل لدى السيستاني هو: (عراق قوية وحرة وموحدة) ويجب أن تحترم كل من إيران وأمريكا هذا الرأي، بلد عراقي موحد، تجاوز فيه السكان الطائفية، ويرعون هوية وطنية موحدة يمكنها حل المشكلات الأمنية الداخلية كلها، دون تدخل مباشر من القوات الأجنبية".
ويختم الكاتبان مقالهما بالقول إن "عراقا حرا لا يحتاج إلى جنود تحالف على أرضه، وعراق قوي يمكن أن يؤدي دور الوسيط بين أمريكا وإيران إن كانت هناك رغبة في الدبلوماسية".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)