هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ما بات يعرف بـ"صفقة القرن" والاسم الحقيقي لها "خطة تصفية القضية الفلسطينية"، يجد الفلسطينيون أنفسهم وقد عادوا إلى المربع الأول عندما وجدوا أنفسهم وحدهم بعد نكسة 1967، وأخذوا حينها زمام المبادرة وأعلنوا منظمة التحرير الفلسطينية.
وبعيدا عن الخوض في تفاصيل الجريمة التي شهد عليها النظام العربي الرسمي، لم يعد الصراخ فلسطينيا بـ"يا وحدنا" يفيد، وقد ترجمت التسريبات حيال الصفقة والمشاركة العربية فيها إلى أمر واقع، ولا سيما أمام رغبة حقيقية لدول كبيرة ومحورية بالتخلص من "صداع القضية الفلسطينية".
البحث عن خيارات متعددة للفلسطينيين في ظل هذا الواقع يبدو نوعًا من الترف، فلا هم يملكون القدرة على التنويع في الخيارات بما يناسب لمواجهة مرحلة هي الأصعب في تاريخ القضية، ولا المحيط العربي والدولي ومن خلفه الاحتلال سيسمح بحرية الحركة لهم.
وفي الأصل، الواقع الدولي والإقليمي يضع قضيتهم في أدنى الأولويات؛ فالدول العربية -والفاعلة منها تحديدا- منشغلة كـ"أم العروس" في المواجهة الإيرانية الأمريكية، بعد أن أصبحت إيران -وفق استراتيجية ممنهجة ومدروسة- "العدو الوحيد" في المنطقة، وتحولت "إسرائيل" إلى "مايسترو" يجول قادتها ووزراؤها في عواصم عربية بشكل طبيعي.
أما دوليا، فلا تعويل على تأثير للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي أمام عنجهية الإدارة الأمريكية، والحال مع روسيا والصين ليس بالأفضل أمام انشغالهما بما هو أهم بالنسبة إليهما.
داخليا، ومما يزيد من صعوبة التحرك الفلسطيني، الواقع الكارثي الذي وصلت إليه القضية في ظل استمرار الانقسام وانعدام مساحة وسط يلتقي عندها الجميع، وغياب أي ملامح لبلورة مشروع وطني حقيقي يقدم إجابات واضحة للتعامل مع مختلف الأخطار والتحديات منذ ما بعد أوسلو ووصولا إلى الظرف الذي تمر به القضية حاليا.
السلطة الفلسطينية -وفي داخلها حركة فتح- تقف عاجزة عن الفعل الحقيقي للتعامل مع المرحلة منذ وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وهو ما مثل واقعيا تدشينا لـ"صفقة القرن"، واكتفى الرئيس محمود عباس بإطلاق الوعود والتهديدات -دون أن يملك القدرة على ترجمتها واقعا- فضلا عن امتلاكه الرغبة في ذلك من حيث المبدأ.
وبدلا من النزول عن شجرة العجز وتقديم تنازلات حقيقية من أجل ما تبقى من فلسطين، تتمسك حركة فتح بقشور ما يشبه السلطة والحكم، وتشهر عصا "الشرعية والممثل الوحيد" بوجه خصومها في كل المجالات، رغم إدراكها أن لا شرعية ولا منظمة تحرير بقيت كما كانت لدى العالم، بل لدى النظام الرسمي العربي المستعد لتجاوز كل هذه المسميات في ظل ما يمليه ترامب وصهره المدلل.
في المقابل، تظهر المقاومة الفلسطينية في موقف لا تحسد عليه هي أيضا، وهي المحاصرة في غزة والمقيدة في الضفة الغربية، والملاحقة في العالم من النظام العربي الرسمي قبل الولايات المتحدة وأدواتها.
وإطلاقها الدعوات إلى انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية من دون استراتيجية واضحة تستند إلى مشروع وطني متوافق عليه، سيكون بمثابة دعوة إلى هبّة سرعان ما تنطفئ جذوتها وتدخل أجيالا بأكملها في دورة إحباط جديدة.
إلا أن ما ظهر في كلام الرئيس عباس وحركة حماس حيال توحيد الجهود لمواجهة هذه الكارثة يشكل خطوة أولى ومهمة في طريق طويل مليء بالعقبات والتحديات.
والمواجهة التي سيخوضها الفلسطينيون في هذه المرحلة لا تقتصر على الاحتلال وداعميه، بل تتعداها إلى "أشقاء عرب" تأكد أنهم في معسكر الضغط عليهم للقبول بما يطرحه ترامب ومن خلفه نتنياهو.
وفي المحصلة، فإن رفع سقف الخطاب وإطلاق التهديدات، والحديث عن اجتماعات ومؤتمرات هنا وهناك، من دون خطوات عملية على الأرض، لن يغيّر من الواقع شيئًا وسيزيد من شراسة الاحتلال.
وبلا شك، فإنّ أولى هذه الخطوات طي صفحة الانقسام سريعا، والترفع عن تفاصيل، من المعيب الحديث عنها إزاء ما تواجهه القضية من تحوّل مفصليّ، هو الأخطر في تاريخها.
وبعد طيِّ صفحة الانقسام، يمكن حينها الحديث عن خطوات عملية أخرى تعتمد المواجهة والرفض أساسا للتعامل مع ما تسعى الأطراف الإقليمية والدولية إلى فرضه بالقوّة على الفلسطينيين.