هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
شهدت الرواية الرسمية الإيرانية حول سقوط الطائرة الأوكرانية بعد إقلاعها من مطار الإمام الخميني الأربعاء الماضي، تضاربا بدأ بإنكار طهران المسؤولية عن إسقاطها، وصولا إلى اعتبارها "خطأ بشريا".
وفي آخر رواية قدمتها طهران بهذا الصدد، أعلنت هيئة الأركان الإيرانية في بيان، صباح السبت، أن منظومة دفاع جوي تابعة لها أسقطت طائرة الركاب الأوكرانية، إثر "خطأ بشري"، لحظة مرورها فوق "منطقة عسكرية حساسة".
إجراءات مفقودة
ورأى خبيران أمريكيان أنه كان يتعين على إيران إغلاق مجالها الجوي، قبل إطلاقها صواريخ باليستية على قاعدتين تضمان قوات أمريكية بالعراق، الأسبوع الماضي.
وأفاد الجنرال المتقاعد بالجيش الأمريكي، جيمس ماركس، في تصريحات لشبكة "سي إن إن": "كان المجال الجوي مشتعلا فوق إيران، وكان الجميع في حالة استنفار قصوى، وقلق وكثير من الفوضى".
اقرأ أيضا: روحاني يعتذر باسم بلاده لأوكرانيا عن إسقاط الطائرة
وأضاف: "ورغم ذلك كانت هناك طائرات تجارية ظلت تقلع من مطار طهران.. هذا أمر غير مسؤول بشكل مذهل".
ووافق المفتش السابق بإدارة الطيران الفدرالية الأمريكية ديفيد سوسي، ماركس الرأي، قائلا إن "ركاب الطائرة الأوكرانية المنكوبة لم تكن لديهم فكرة عن أنهم يحلقون في منطقة حرب".
وأضاف سوسي في تصريحات للشبكة نفسها: "هذا أمر غير مسؤول تماما من جانب طهران".
شكوك قائمة
ويلمح الخبير العسكري، العميد أحمد تمساح، إلى أن التدرج في الرواية الإيرانية حول الطائرة، ينم عن رغبة لدى طهران بـ"إخفاء أمر ما".
وقال تمساح في تصريحات لـ"عربي21": "الغموض يلف الرواية الإيرانية، لأنها الطرف الوحيد الذي يدلي بالمعلومات حول الطائرة، ويبدو أنه لا يعطي المعلومات الصحيحة".
وأفاد بأن "ما أكد سقوط الطائرة بصاروخ مضاد للطائرات هو المقطع المصور الذي أظهر سقوطها في الجو، وتم تسريبه من قبل وسائل إعلام عالمية".
وأثار الخبير العسكري عدة تساؤلات حول الحادثة: "كيف يُعطى مجند في محيط مطار مدني صاروخا مضادا للطائرات؟"، وأضاف: "إذا أعطوه لمجند فكل من يستعمل السلاح المضاد للطائرات هو شخص مدرب، وهذه الصواريخ لا تطلق إلا بأوامر مركزية، ولا يمكن أن تكون أطلقت بغير ذلك".
اقرأ أيضا: إيران تعترف بإسقاط الطائرة الأوكرانية بـ"الخطأ".. وتلوم أمريكا
ويضيف "لدى إيران رادارات في المطار تستطيع بسهولة أن تفرق بين الهدف المدني والهدف العسكري، فالطائرة المدنية لها رقم ويُظهر على شاشة الرادار اتجاهها وارتفاعها، ولا مجال للخطأ في ذلك إلا إذا دبت الفوضى والرعب، وأصبح إطلاق النار على عاتق كل من انتشر في هذه البقعة، وكان ذلك من سوء حظ الركاب بتلك الطائرة".
ويعتبر بأن "كل شيء حاليا قابل للتأويل، والسبب في ذلك هو الغموض الذي يكتنف الرواية الإيرانية عن كيفية سقوط هذه الطائرة".
ويقول: "ما حدث باغتيال سليماني لا يتطلب استنفارا عسكريا في مطار طهران"، ويشير إلى أن "هناك شخصا ما في التسلسل الهرمي لدى قوات سلاح الجو الإيرانية يجب أن يتحمل المسؤولية عن الحادثة".
ويعتقد الخبير العسكري أن من أبجديات إطلاق النار في محيط مطار مدني هو "التوجه بسؤال المسؤولين المدنيين في المطار عن هوية الطائرة"، ويؤكد "لا يمكن أن يُطلق النار على أي هدف في محيط مطار مدني إلا بعد سؤال عناصر الرادار في محيط المطار المدني وبرج المراقبة".
ويواصل التعبير عن استغرابه من الرواية الرسمية بالقول: "ربما هناك أمر آخر. لماذا استهدفت هذه الطائرة بالتحديد؟ وهل كانت هذه الطائرة الوحيدة التي أقلعت في ذلك الوقت؟ ربما في هذا الوقت انطلقت عشرات الطائرات غيرها".
ويقول: "إجراء تحقيق شفاف تشترك فيه منظمات دولية تعلم خبايا هذه الأمور، وتستطيع الإجابة عن الكثير من الأسئلة هو الكفيل بمعرفة لماذا استهدفت هذه الطائرة؟ وهل كان في الأجواء طائرات أخرى، ومن كان على متن هذه الطائرة؟".
ويرى بأن "الشك في صدقية المعلومات التي صدرت عن إسقاط الطائرة، والرجوع عن تصريح إلى تصريح آخر يأتي بسبب التلاعب بالمعلومات، وما يوحيه ذلك بأن هناك ما يُخشى الكشف عنه".
أيام شديدة على إيران
ويعتقد المختص بالشأن الإيراني، عدنان زماني، أنه وبسبب سقوط الطائرة فإن "إيران تعيش أسوء أيامها على صعيد العلاقة بين الشعب والحكومة".
وفي حديثه لـ"عربي21" أوضح "بعد ثلاثة أيام جاء الاعتراف بإسقاط الطائرة عن طريق الخطأ، ورغم إيجابية الاعتراف بالخطأ وتحمل المسؤولية، إلا أن ذلك خلق صدمة لدى المواطن الإيراني وبدأت ثقته تنهار بالحكومة وإعلامها وما يصدر من تصريحات وبيانات".
وشبه زماني "الحالة الإيرانية بما وقع قبل أكثر من عام للسعودية في أزمة قتل الصحفي جمال خاشقجي، حيث خسرت السعودية ثقة شعبها أو شريحة واسعة منه في الحد الأدنى".
ويرى أن الحكومة الإيرانية باعترافها السريع مقارنة مع السعودية "أظهرت أنها لا تريد أن تتحمل مزيدا من الضغط الإعلامي والسياسيبإطالة أمد أزمة الطائرة الأوكرانية".
وعند سؤاله حول تأثير العقوبات الأمريكية على القدرات العسكرية الإيرانية والتي يرى عديدون ترهلها ما تسبب بوقوع الحادثة، أجاب المختص الإيراني بأنه "لم يظهر تأثير للعقوبات على القطاع العسكري الإيراني بعد".
وقال إن "ما وقع من استهداف سببه الاستعجال وعدم الانضباط العسكري في بعض الحالات وليس ضعف التجهيزات والقدرات العسكرية".
ويتابع: "لا تفسير مقنع سياسيا لحادثة إسقاط الطائرة إلا تفسير الإسقاط عن طريق الخطأ؛ لأن الفاعل هنا لن يجني أي فائدة من هذه الحادثة، ولا يُعقل أن الاستهداف تم بشكل متعمد ومقصود".
وفي 8 كانون الثاني/يناير الجاري، سقطت طائرة ركاب أوكرانية من طراز "بوينغ 737"، ما أسفر عن مصرع 176 شخصا، هم 82 إيرانيا و63 كنديا و11 أوكرانيا و10 سويديين و4 أفغان و3 ألمان و3 بريطانيين.