هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
التصعيد الخطير الذي انتهى به عام 2019 في العراق بعد جولة مواجهة بين حلفاء إيران والإدارة الأمريكية، انتقل إلى عام 2020 الجديد لتتخذ طابع مواجهة مباشرة مع إيران بعد اغتيال رجلها الأقوى في الخارج، وأبرز جنرالاتها، الفريق قاسم سليماني، قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري، فجر أمس الجمعة في غارة أمريكية أثناء خروجه من مطار بغداد الدولي، ما يجعل هذه السنة حبلى بتطورات دراماتيكية على مختلف الأصعدة في المنطقة بين أطراف الصراع، إيران وحلفائها وأمريكا وحلفائها.
ثمة نقاط مهمة حول ملابسات العملية الأمريكية وتداعياتها الخطيرة، يمكن تناولها كالتالي:
أولا، فيما يتعلق بقائد فيلق القدس، لاشك أن غياب جنرال بحجم سليماني، يمثل خسارة كبيرة لإيران، في توقيت حساس للغاية، لا يمكن تعويضها بسهولة، فسواء اختلف معه البعض أو اتفق، إلا أنه كان مخلصا للمشروع والفكرة التي كان يؤمن بها، ويعمل من أجل ذلك ليل نهار بغير كلل ولا وجل.
ثانيا، ينظر البعض إلى هذه الحادثة في سياق الرد على مهاجمة السفارة الأمريكية في بغداد واقتحامها، احتجاجا على قصف مقرات "كتائب حزب الله" العراقي، والذي وجهت واشنطن اتهاما مباشرا لطهران بتنظيم ذلك، إلا أن هذا الرأي لا يبدو موضوعيا، إذ أن ثمة مؤشرات برزت خلال الشهرين الأخيرين، أظهرت أن الأمريكيين يتجهون نحو تصعيد الموقف مع إيران، ويحضرون لهذا الفعل منذ اشهر، وأن التطورات الأخيرة في العراق أوجدت ظروفا ملائما لتنفيذه. بالتالي فإن ما اقدم عليه الأمريكيون هو جزء من مخطط تصعيدي في مواجهة إيران.
الحادث أنسى الإيرانيين ولو مؤقتا مرارة الغلاء والحالة المعيشية الصعبة، وحقق انسجاما وموقفا موحدا بين كافة القوى السياسية الداخلية في مواجهة الخطوة الأمريكية،
الرد الإيراني
رابعا، السؤال الملح اليوم هو عن طبيعة الرد الإيراني، على ضوء التهديدات المتزايدة من كبار قادة البلاد على المستويين السياسي والعسكري بأن الرد سيكون "مروعا ومزلزلا وصعبا". خلال 24 ساعة الماضية، طرحت احتمالات وسيناريوهات عسكرية متعددة، فلا داعي في التكرار، لذلك يمكن اختصارها في عنوانين، الأول رد إيراني مباشر من الأراضي الإيرانية، والثاني رد غير مباشر في ساحات المواجهة بالمنطقة سواء ضد واشنطن نفسها أو حلفائها أو الإثنين معا. لكل احتمال، مقوماته المنطقية، لكن بما أن حادثة الاغتيال لم تقع داخل الأراضي الإيرانية عبر مهاجمتها، قد لا تقوم إيران برد مباشر من أراضيها، وأن ترد بالطريقة التي اختارتها أميركا، أي في ساحة أخرى. على أي حال، فإن مسارات التوتر بين طهران وواشنطن ما بعد اغتيال الجنرال سليماني، يرسمها شكل الرد الإيراني، إن كان مباشرا أو غير مباشرا، لكن لا شك، أن أيا كان طابع وطريقة هذا الرد، فإنه قادم، ولايمكن أن تتغاضى إيران عن ذلك لما يترتب على عدم الفعل أيضا تداعيات خطيرة.
خامسا، من الخطأ التصور أن الرد الإيراني، سيكون عسكريا فحسب، وإنما هناك أيضا خيارات غير عسكرية، يمكن تتخذها طهران، في مقدمتها فيما يتعلق بالملف النووي، إذ أن الاغتيال جاء قبل أيام من انتهاء مهلة الستين يوما الرابعة، الإثنين المقبل، وهي مهلة إضافية، منحتها طهران قبل نحو شهرين للأطراف الأوروبية لتنفيذ تعهداتها تجاه الاتفاق النووي. على ضوء عدم قيام أوروبا بأي خطوة. في هذا اليوم يفترض أن تنفذ إيران الخطوة الخامسة من خفض التزاماتها النووية، لذلك على الأغلب ستقدم على إجراءات كبيرة خلال هذه المرحلة، وما يشجعها في ذلك، هو موقف الأوروبيين من عملية اغتيال الفريق سليماني، وتأييدهم لها، وخصوصا من قبل شريكي الاتفاق النووي، أي بريطانيا وألمانيا. وهذه الإجراءات قد تشمل حتى الإعلان عن الانسحاب من الاتفاق نفسه.
من الخطأ التصور أن الرد الإيراني، سيكون عسكريا فحسب، وإنما هناك أيضا خيارات غير عسكرية، يمكن تتخذها طهران