هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في ظل استمرار النظام العسكري الحاكم بمصر
اعتماد سياسة الاقتراض الخارجي؛ حذر تقرير دولي من عدم قدرة مصر والدول النامية
على سداد ديونها بعدما وصلت إلى معدلات قياسية بالأعوام السابقة.
وفي مقال بصحيفة "الشروق"، المحلية
تحت عنوان "الديون.. من المستفيد ومن يتحمل العبء؟"، كشف الاقتصادي
المصري بالأمم المتحدة محمود الخفيف، عن خطورة الموقف المصري إزاء سياسة الاقتراض.
الخفيف، نشر جزءا من تقرير "التجارة
والتنمية" الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد)،
مشيرا إلى أن التقرير حذر من أن النسبة المرتفعة للغاية لديون الدول النامية تعكس
ضعف القدرة على السداد بالمستقبل، واحتمال عال للتعسر بالسداد.
وأوضح أن الديون المصرية ارتفعت من 95 إلى
118 بالمئة بين السنتين الماليتين 2017/2018 و2018/2019، مبينا أن "المشكلة
بالحالة المصرية لا تتمثل فقط بأن الزيادة الضخمة لهذه النسبة (أكثر من 23 نقطة
مئوية) حدثت بعام واحد"، حسب التقرير الأممي.
وقال الاقتصادي المصري بالأمم المتحدة، إن
"التحدي الحقيقي الذي قد يؤثر بالسلب في المدى البعيد، هو أن الإنفاق الحكومي
على فوائد الدين فقط (وليس أصل الدين) يمثل أكثر من 36 بالمئة، من الإنفاق الحكومي
بموازنة هذا العام، ويستنزف نصف إيرادات الحكومة، وقيمته تساوى مرة وربع قيمة عجز
الموازنة".
وأكد الخفيف أن "الضرر في هذا أن أكبر
نصيب بإنفاق الحكومة موجه لسداد الدين ولا يتبقى شيء يُذكر لزيادة الإنفاق على
التعليم والصحة والعدالة الاجتماعية والاستثمارات التنموية للمستقبل".
وأوضح أن التقرير دعا الدول لعدم الاقتراض إلا
لتمويل استثمارات إنتاجية وأن يكون للديون دور أساسي بتحقيق العدالة الاجتماعية.
فما خطورة هذا الوضع على مصر؟
وفي إجابته، قال الخبير الاقتصادي الأممي
الدكتور إبراهيم نوار، إن "هذا في الحقيقة هو أخطر نتائج السياسة الاقتصادية
للحكومة الحالية".
نوار، أوضح بحديثه لـ"عربي21"، حجم
خطورة الموقف المصرية، مؤكدا أن "معدل نمو خدمة الدين يفوق معدل نمو الاقتصاد
المحلي".
وبين أنه "ومن ثم يتم استنزاف القدرة على
تكوين فائض قابل للاستثمار من عام إلى آخر، ويتم حرمان الاقتصاد من فرص النمو
الحقيقي".
وقال الخبير الاقتصادي: "إضافة إلى ذلك
فإن تشوهات هيكل الاقتصاد، واتساع حجم الدور الذي يقوم به الشريك الاقتصادي
الأجنبي، خصوصا في قطاعات البترول والغاز والطاقة والعقارات، وغلبة نمو الاستهلاك؛
يؤدي إلى تراجع فرص التنمية الحقيقية".
الأجدر
من جانبها، أعلنت الأكاديمية المصرية زينب
صالح، رفضها سياسة الاقتراض وما يتبعها من أضرار، قائلة: "أرفض من حيث المبدأ
الاستدانة، وسداد الديون بديون أخرى مستجدة".
أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر أكدت لـ"عربي21"، أنه "كان الأجدر أن تحدد الديون بمجموعة من الاستثمارات، وإن لزم بعضها فيجب أن يتمثل في بنية أساسية، وعلى الأقل يجب أن يتمثل الجزء الآخر منها باستثمارات تدر عائدا مستمرا".
إقرأ أيضا: السيسي: لم يطالبني أحد بتخفيف قسوة الإصلاح الاقتصادي
وأضافت: "يمكن الاستعانة بهذا العائد المستمر لأجل السداد
المنتظم للديون المنفقة على الاستثمارات غير الربحية، بل ويمكن من خلالها إدخار
جزء من المال ليعاد تدويره وتوسيع دائرة الاستثمارات الإضافية المدرة للعائد به".
ودعت الأكاديمية المصرية لعدم الاستدانة أبدا من منظمة دولية مثل
صندوق النقد الدولي؛ الذي لا تراه سوى "أداة مخربة لاقتصاديات الدول الضعيفة
لصالح دول كبرى يعمل لأجلها".
أين ذهبت القروض؟
وللخبير الاقتصادي المصري الدكتور أحمد
ذكرالله، أكثر من ملاحظة على تطور الديون المصرية، موضحا أن "السيسي تسلمها
نحو 38 مليار دولار، وبلغت حتى آذار/ مارس 2019، أكثر من 110 مليارات، وبالأشهر
السبعة الماضية صدرت سندات أجنبية بالدولار وتم اقتراض قروض خارجية، ونقدرها الآن
بأكثر من 115 مليار دولار".
الأكاديمي المصري أكد بحديثه لـ"عربي21"، أن "النقطة
الأولى بتطور حجم الدين هي مقارنتها بمعدل النمو، وهنا نجد أن معدل القروض أصبح
ثلاثة أضعاف معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي؛ ما يعني أن القروض لا تذهب للطريق
الإنتاجي".
وفي ملاحظته الثانية، أشار إلى "عدم توجيه
القروض لمشروعات وخطط اقتصادية ممنهجة"، مضيفا: "لا نسمع عن خطة
استراتيجية؛ ونرى مشروعات تظهر فجأة كتفريعة القناة، والعاصمة الجديدة، والصندوق
السيادي، دون دراسات جدوى كفكرة لأحد المسؤولين تتطور ويصدر بها قانون وإجراءات
إدارية".
وخلص رئيس قسم الدراسات الاقتصادية، بأكاديمية
العلاقات الدولية، بتركيا، للقول: "إذا فالديون لم تذهب لتنفيذ خطط استثمارية
انتاجية حقيقية؛ ولو حدث لظهر بانخفاض معدل الواردات وزيادة الصادرات"، مبينا
أن "الواردات زادت من 50 مليار دولار لـ 65 مليارا بـ2018، وبالمقابل زيادة
طفيفة للصادات بأقل من 2 مليار دولار".
وتابع الأكاديمي المصري: "إذا لم تنقص
الواردات ولم تزد الصادرات؛ فأين ذهبت القروض؟ ما يؤكد أنها لم تستخدم بأسلوب
إنتاجي وبخطط استراتيجية".
وقال إن "المشكلة في خدمة الديون من أقساط
وفوائد مستحقة بآجال زمنية معينة"، مشيرا إلى أن "الدولة توجهت الفترة
الماضية لتنظيم محفظة قروضها وتتحول من القروض قصيرة الأجل إلى طويلة الأجل، وفي
هذا إعادة تدوير للقروض وليس الاستغناء عنها؛ ولكن طرح سندات حكومية آجالها 40 و50
سنة لنكتشف أن آخر دين على مصر يسدد عام 2049".
وأوضح الخبير الاقتصادي، أن "القروض
كأقساط وفوائد تلتهم حصة كبيرة بالايرادات العامة للدولة، بل إن90 بالمئة يذهب
للأقساط والفوائد ويتبقى 10 بالمئة مع وجود التزامات دورية واعتيادية مثل الأجور
والدعم وغيرهما".
ويرى ذكرالله، أنه "طالما لم تتوجه القروض
نحو مشروعات انتاجية يتحمل أعباء سدادها وفوائدها الأجيال القادمة"، مشيرا
لمخاطر التوقف والتعثر عن سدادها كتبعية القرار السياسي والاستيلاء على أصول
الدولة، وخاصة من الحكومة الصينية التي أقرضت العاصمة الإدارية 3 مليارات دولار
لإنشاء الحي المركزي، ثم 1.2 مليار دولار لتنفيذ المرحلة الأولى لخط القطار المعلق".