هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تسيطر تكهنات عدة على وضع الشرعية اليمنية في ظل حالة تململ تكبر داخلها ككرة ثلج، جراء "المواقف الرخوة للرئيس عبدربه منصور هادي من التوجهات والمخططات السعودية والإماراتية، ورهن قراراته، وانصياعه وراء إملاءاتهما في أكثر من صعيد"، وفقا لمراقبين.
وضع الشرعية الراهن يثير أسئلة عديدة حول احتمالية تشظيها، سيما مع استمرار مسلسل استبعاد رجالاتها الأقوياء بناء على رغبة سعودية إماراتية، بحسب مراقبين.
"انقسام واضح"
وفي هذا السياق، يرى الكاتب والمحلل السياسي اليمني، ياسين التميمي، أن اتفاق الرياض صمم لتحقيق ما أراد التحالف فرضه على الشرعية عبر لي الذراع، وتجريف النفوذ، وفرض منافسين ميدانيين في المحافظات المحررة، وصولا إلى قصف الجيش الوطني، وهي تحاول إعادة فرض القانون وإنهاء التمرد والانقلاب في العاصمة السياسية المؤقتة عدن.
وقال في حديث خاص لـ"عربي21" : لم يتوقف التحالف (تقوده الرياض) عن تطويع الشرعية وفرض شخصيات تعمل وفقا لأجنداته إلى أن بلغت المواجهة حدها الأقصى، على خلفية محاولات إماراتية للسيطرة على محافظة أرخبيل سقطرى، والمواجهات المسلحة في عدن، انتهت في العاشر من آب/ أغسطس إلى تنفيذ انقلاب كامل على السلطة الشرعية بدعم من الإمارات.
وأضاف التميمي أن اتفاق الرياض أثار غضب شخصيات بارزة في السلطة بدأت تشعر أنه صيغ بطريقة فجة؛ بهدف ضمان إقصائها من واجهة السلطة، والإتيان بتركيبة سلطوية هجينة، لتكون هي الشرعية التي ستحمل طموحات التحالف إلى حيز التحقيق دون كلفة.
وأكد الكاتب اليمني أن حالة الانقسام التي أحدثها هذا الاتفاق سيجعل الشرعية أضعف من أي وقت مضى أمام التحديات المحدقة بمصير الدولة اليمنية.
وأشار إلى أن ذلك لا يوفر ضمانات من انزلاق الشرعية نحو تنازلات خطيرة قد تؤثر على كيان الدولة. مشددا على أنه قد يهدد بانهيار المشروع الوطني في ظل الاستثمار السخي ومتعدد المستويات من جانب السعودية والإمارات؛ لتدمير مقومات الدولة، وإعادة إنتاج نظام، وربما أنظمة شمولية تدير يمنا ممزقا وضعيفا ومتصارعا.
"ممثل فاشل للشرعية"
من جهته، قال أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحديدة (غرب اليمن)، فيصل الحذيفي، إن الشرعية في بعدها الدستوري والقانوني هي تعبير عن الإرادة الشعبية. مضيفا أن ذلك لا يعني بأي حال أنها السلطة الممثلة لهذه الإرادة.
وأوضح الحذيفي في حديث خاص لـ"عربي21" أن هادي حاول مع من وصفهم بـ"لفيف من المنتفعين حوله" على أن يصادروا الإرادة الشعبية باسم الشرعية، مؤكدا أن الرئيس هادي هو ممثل للشرعية وليس هو الشرعية.
وبحسب الأكاديمي اليمني، فإن احتكار هادي للقرار السياسي باسم الشرعية في ظل تعطيل كل المؤسسات الدستورية الأخرى جعل من نفسه جسر عبور لشرعنة التدخل الخارجي بكل تنوعاته.
واتهم هادي الذي قال إنه ممثل فاشل للشرعية -حد وصفه- بتسليم سيادة اليمن وإدارته واستقلاله للسعودية والإمارات.
واستطرد الحذيفي قائلا: بدأ هذا التسليم بدعوة السعودية للتدخل العسكري في مارس 2015، دون اتفاقية دولية ضابطة تمنع التجاوزات، وانتهى به المطاف، بعد صمت عن كل التجاوزات، وتواطؤه على تشكيل مليشيات خارج مؤسسات الدولة ممولة إماراتيا ضد الشرعية نفسها، تكللت بانقلاب جنوبي يؤسس لتمزيق اليمن، والإطاحة به من الخارطة الدولية كدولة مستقلة قادرة على تمثيل نفسها.
ووفق أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحديدة، فإن الرجل قد جعل اليمن نهبا للتدخلات.. فالسعودية تتصرف بالمهرة وحضرموت وشبوة (شرقا) باعتبارها شأنا سعوديا.
فيما الإمارات تتصرف بالموانئ والمطارات والجزر اليمنية والشواطئ باعتبارها شأنا إماراتيا، حسبما ذكره المتحدث ذاته.
وأكد السياسي اليمني أن التفريط بالسيادة من قبل الرئيس هادي تكلل بالتوقيع على اتفاق مع الانقلابيين جنوبا، منحهم شرعية التفاوض، والتمثيل باسم الجنوب، والتأسيس القادم للانفصال كأمر واقع.
وتابع: ذلك الاتفاق منح الرياض وأبوظبي حق التدخل، والتحكم الموافق عليه، وتمزيقه، والعبث بأمنه واستقراره ومقدراته وثرواته.
يقابل ذلك، قبول هادي "إبعاد رجال الدولة يقابله حرصه على المنتفعين والمطبلين له"، وفق تعبيره.
ولفت إلى أن ذلك سيؤدي في نهاية المطاف إلى البحث عن حلول ترقيعية تسقط هادي وشرعيته من أي تسوية سياسية مستقبلية لن يكون له أي دور سوى التوقيع عليها بإهانة وصمت مذل.
واختتم حديثه بأنه لا وجود لأي شرعية مؤسسية حتى تتشظى. موضحا أن هناك شرعية مختزلة بشخص واحد، وما دون ذلك هم فريق حكومي تحت تصرفه بالتعيين والعزل.
"تيار يتشكل"
من جانبه، يؤكد الكاتب والباحث اليمني، عبدالغني الماوري، أن اتفاق الرياض لا يمكن تطبيقه بصرف النظر عن إزاحة الشخصيات التي لعبت دورا مهما في مواجهة الانقلاب.
وتابع في حديث خاص لـ"عربي21" بأن الاتفاق يريد تقسيم السلطة بين طرفين متعارضين في كل شيء.
وأضاف: صحيح أن الاتفاق قد ساوى بين الحكومة والتمرد، وقد يتم إبعاد الميسري (وزير الداخلية) والجبواني (وزير النقل)، وربما محافظ شبوة، وهو يشير ربما إلى وجود محاباة التمرد وداعميه.
وبحسب الماوري، فإنه قد يكون استبعاد تلك الشخصيات من قوام الحكومة المقبلة هو "رغبة سعودية إماراتية في تأديب السياسيين اليمنيين الذين يدلون بآراء علنية". مؤكدا أن السعوديين -وكذا الإماراتيين على حد سواء- يتوقعون من المسؤولين اليمنيين المديح أو الصمت.
وأوضح أنه في حقيقة الأمر، لا يوجد شرعية موحدة، لافتا إلى أن هناك رئيسا واحدا.. لكل الأطراف المتنازعة تحت مظلة الشرعية، فيما اتفاق الرياض يؤسس لبقاء هذه الحالة وحسب.
وتابع بأن "التواجد العسكري السعودي في اليمن لن يستمر طويلا، فهناك دائما أطراف تعبر عن رفضها لهذا التواجد، ومع مرور الوقت، سوف تتأكد السعودية أنها أخطأت في المضي هذا الخيار".
وأضاف أن "هادي وحكومته يرغبون في الحصول على الدعم السعودي، لكنهم يخشون أن تعقد السعودية صفقة مع الحوثي من وراء ظهورهم".
وعبر عن اعتقاده بأن الأوضاع في اليمن لن تستقر، إلا اذا تم دعم سلطة واحدة. مبينا أن هذا الخيار على ما يبدو بعيد عن اهتمام السعوديين.
ولم يستبعد الباحث اليمني أن تحدث انقسامات داخل الشرعية، مؤكدا أن هناك تيارا داخل الشرعية بدأ في التشكل يبدي شكوكا متزايدة تجاه الدورين السعودي والإماراتي.
وتوقع أن يكبر مع مرور الأيام، والأهم أن هناك وعيا شعبيا يتسع بأهمية بناء سلطة وطنية غير خاضعة لأي سلطة أجنبية.
اقرأ أيضا: الأمم المتحدة: مقتل 10 مدنيين بقصف على سوق شمالي اليمن