هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" تقريرا لمديرة مكتبها في غرب أفريقيا دانيالا باكويت من داكار، تقول فيه إن غامبيا، وهي أصغر دولة في أفريقيا، أقدمت على خطوة غير مسبوقة هذا الأسبوع في إطار العدالة الدولية، فرفعت قضية في أعلى محكمة للأمم المتحدة، متهمة ميانمار بارتكاب إبادة جماعية ضد المسلمين الروهينغا.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن القضية في محكمة العدل الدولية، التي تتعامل في العادة مع خلافات بين دول، أثارت استهجانا؛ لأن ميانمار تبعد حوالي 7000 ميل عن غامبيا، التي تفتقر إلى أي علاقة ملموسة إلى الأزمة، التي طال أمدها في جنوب شرق آسيا.
وتستدرك باكويت بأن قصة السبب في أن يختار لاعب صغير معالجة صراع يبعد آلاف الأميال فهو أمر شخصي، فقد قرأ المدعي العام ووزير العدالة في غامبيا، أبو بكر تامبادو، تقرير الأمم المتحدة العام الماضي، الذي فصلت فيه كيف تسببت حملة عسكرية في ميانمار ذات الأكثرية البوذية بقتل آلاف الروهينغا عام 2017، ودفعت بأكثر من 700 ألف منهم للهجرة إلى بنغلاديش المجاورة.
وتلفت الصحيفة إلى أن المحققين وصفوا العنف بأنه "جرائم ضد الإنسانية"، وسمته أمريكا حملة تطهير عرقي، مشيرة إلى أن ميانمار أنكرت التهم كلها، قائلة إنها كانت تستهدف الإرهابيين.
ويذكر التقرير أن تامبادو، الذي عمل لسنوات عديدة محاميا في محكمة الأمم المتحدة، التي ركزت على الإبادة في رواندا عام 1994، قام بزيارة مخيم لاجئين للروهينغا في بنغلاديش في أيار/ مايو 2018، وذكره الحديث مع اللاجئين وآلامهم بتاريخ الجرائم البشعة التي ارتكبتها الحكومة في رواندا، التي أدت إلى قتل حوالي 800 ألف شخص على مدى 100 يوم في ذلك البلد الشرق أفريقي، بالإضافة إلى تعرض حوالي 250 ألف امرأة للاعتداء الجنسي.
وتنقل الكاتبة عن تامبادو، قوله في مقابلة هاتفية: "عندما استمعت إلى القصص المروعة -للقتل والاغتصاب والتعذيب وحرق الناس وهم أحياء في بيوتهم- استعدت ذكريات الإبادة في رواندا.. وقد فشل العالم في المساعدة عام 1994، ويفشل العالم في حماية أناس ضعفاء بعد 25 عاما".
وتورد الصحيفة نقلا عن البعثة الدولية المستقلة لتقصي الحقائق في ميانمار، قولها إن أساليب الجيش كانت "غير متناسبة بشكل كبير" مع أي تهديد أمني، مضيفة أن "الضرورة العسكرية لا تبرر أبدا القتل العشوائي والاغتصاب الجماعي للنساء والاعتداء على الأطفال وحرق قرى بكاملها".
وينوه التقرير إلى أن ميانمار رفضت استنتاجات البعثة، وقالت إنها قامت بالإجراءات اللازمة لمنع هجمات المتمردين، مشيرا إلى أن تقريرا تلو الآخر صدرت لتتحدث عن الاعتداءات المخيفة في ولاية راخين غرب البلاد، حيث كان يعيش حوالي مليون من الروهينغا.
وتفيد باكويت بأنه في يوم من أيام أيلول/ سبتمبر 2017، بحسب تحقيق مروع لـ"رويترز"، قام الجنود بربط عشرة رجال من الروهينغا بحبل معا، في الوقت الذي قام فيه سكان القرية البوذيون بحفر قبر، ثم قاموا بقتل السجناء قبل أن يدفعوهم داخل الحفرة، (وقامت ميانمار بسجن اثنين ممن كتبوا التقرير، ما أثار غضبا دوليا).
وتشير الصحيفة إلى أن مئات الآلاف من الروهينغا الذين فروا من حملة الإبادة لا يزالون في بنغلاديش، حيث تقول منظمات حقوق الإنسان إن معسكرات اللاجئين مكتظة، وتخطط السلطات إلى نقل البعض إلى جزيرة تسمى بهاشان تشار، بالرغم من مخاطر الفيضانات التي تأتي مع الرياح الموسمية هناك، لافتة إلى أنه مع أن بنغلاديش وميانمار وقعتا اتفاق إعادة للاجئين قبل عامين، فإنه لم يعد عمليا أي لاجئين إلى وطنهم الذي واجهوا فيه سنوات من الاضطهاد قبل سفك الدماء.
ويورد التقرير نقلا عن تقرير صادر عن الأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر، قوله بأن الروهينغا في ولاية راخين لا يزالون يواجهون "مخاطر حقيقية" بالإبادة.
وتلفت الكاتبة إلى أن غامبيا رفعت القضية في المحكمة في لاهاي يوم الاثنين؛ أملا بأن تزيد من الضغط القانوني على ميانمار، وطلبت من محكمة العدل الدولية بأن تصدر أمرا لميانمار بالتوقف عن ارتكاب "جرائم وإبادة ضد شعبها من الروهينغا"، بحسب القضية المرفوعة.
وتقول الصحيفة إن غامبيا تدفع بمعاناة الروهينغا مرة أخرى إلى الأضواء بعد عام من قيام المدعين في محكمة الجنايات الدولية، التي تتعامل في العادة مع قضايا جرائم الحرب، ببدء التحقيق.
ويستدرك التقرير بأن ميانمار تقع خارج الاختصاص القضائي لمحكمة الجنايات الدولية؛ لأنها ليست عضوة في المحكمة، ولذلك تعثرت تلك الجهود، (ولم توقع أمريكا والصين والهند وغيرهم على الاتفاقية الخاصة بمحكمة الجنايات الدولية).
وتنوه باكويت إلى أن القضاة الخمسة عشر لمحكمة العدل الدولية يمكنهم أن يحكموا في خلافات تتعلق باتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، التي تطبق على القتل "بشكل كامل أو جزئي لمجموعة قومية أو إثنية او عرقية أو دينية"، مشيرة إلى أن كلا من غامبيا وميانمار موقعتان على هذه الاتفاقية.
وتشير الصحيفة إلى أن مثل هذه المساعي القانونية تميل للاستمرار لسنوات، وتكلف ملايين الدولارات، وهو عبء كبير على دولة لا يزيد إجمالي الناتج المحلي فيها على 1.48 مليار دولار، لكن المؤيدين للقضية، الذين لديهم أموال، يقومون بمساعدة غامبيا، لافتة إلى أن هذه الدولة ذات الغالبية المسلمة، التي يصل عدد سكانها إلى 2 مليون نسمة، تدعمها منظمة التعاون الإسلامي المؤلفة من 57 دولة مسلمة، وتطلق على نفسها بأنها "صوت العالم الإسلامي"، وشركة القانون الأمريكية "فولي هواغ".
وينقل التقرير عن أستاذ القانون في جامعة أتوا، جون باكر، الذي تابع الوضع في ميانمار، قوله إنه مهما كانت نتيجة القضية، فإنها تعيد تسليط الضوء على أزمة الروهينغا، وأضاف باكر: "تعد الإبادة جريمة ضد الجميع -حق عام- ويسمح لأي دولة بأن ترفع القضية.. وغامبيا الصغيرة تقوم بهذا الأمر نيابة عن العالم بأسره".
وتلفت الكاتبة إلى أن دولا أشادت بغامبيا للقيام برفع القضية، في الوقت الذي تفضل فيه الدول التجارة والعلاقات التجارية، ومعالجة قضاياها أولا، على التدخل في شؤون خارجية.
وتورد الصحيفة نقلا عن وزارة الخارجية الكندية، قولها في بيان لها يوم الاثنين: "سيساعد هذا التحرك على تعزيز المساءلة على جرائم الإبادة، التي تتضمن عمليات القتل الجماعي، والتمييز الممنهج، وخطاب الكراهية والعنف المتعلق بالجنس والعنف ضد الروهينغا".
ويبين التقرير أن غامبيا تحاول في الوقت ذاته التعامل مع ماضيها العنيف، وقد بدأت لجنة الحقيقة والمصالحة والتعويض بجلسات الاستماع هذا العام في انتهاكات حقوق الإنسان المزعومة من الديكتاتور يحيى جامع، الذي حكم غامبيا 22 عاما قبل الفرار إلى غينيا الاستوائية عام 2017، وتم ربط جامع بوفاة أكثر من 70 شخصا.
وتختم "واشنطن بوست" تقريرها بالإشارة إلى قول تامبادو: "أحد الأسباب التي حفزتنا على التدخل في هذه القضية هو تجاربنا الخاصة.. فلو قام المجتمع الدولي بتحمل هذه المسؤولية في وقتها، وشجبوا الرئيس السابق، فلا أظن أننا كنا سنقضي عقدين من هذه الجرائم البشعة".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)