هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
استبقت ستة منظمات حقوقية دولية ومصرية مراجعة ملف مصر الحقوقي أمام الأمم المتحدة بعد أسبوعين في جنيف بإصدار تقرير مشترك حول أوضاع الاحتجاز في السجون المدنية والعسكرية وعن جرائم التعذيب التي ترتكب بحق المعتقلين في مصر، مؤكدين أنها أصبحت "سياسة دولة".
وأكد التقرير الذي وصل "عربي21"، نسخة منه أن الاستخدام الواسع والمنهجي للتعذيب، يأتي بتوجيهات من رأس السلطة السياسية وتحت أعين الحكومة المصرية، على نحو يضمن حماية الجناة من المساءلة، خاصة عندما يكون ضحايا التعذيب من المعارضين السياسيين.
وأوصى التقرير، بالضغط على الحكومة المصرية من أجل السماح لخبراء الأمم المتحدة بزيارة مصر، والسماح للجنة الدولية للصليب الأحمر والمنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية المتخصصة بزيارة أماكن الاحتجاز. والضغط على مصر للتصديق على البروتوكول الاختياري لاتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، والانضمام إلى الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، وتشكيل آلية وقائية وطنية من منظمات حقوقية مستقلة، تتولى تنظيم زيارات غير معلنة لأماكن الاحتجاز.
وقالت المنظمات الست في نص تقريرها: "رغم اقتراب موعد الاستعراض الدوري الشامل لملف مصر الحقوقي أمام الأمم المتحدة والمقرر في 13 نوفمبر القادم في جنيف، لم تخفت مزاعم التعذيب المنهجي في مصر ولم تقل وتيرته، بل توافدت شهادات المقبوض عليهم مؤخرا بعد مظاهرات محدودة في بعض المحافظات يومي 20 و27 سبتمبر الماضي (أكثر من 4000 شخص تم القبض عليهم خلال أسبوع واحد)، مؤكدة تمسك السلطات المصرية بمثل هذه الممارسات.
اقرأ أيضا: الولايات المتحدة تثير مع مصر قضية الاعتقال "المشين" لصحافية
وتعتبر المنظمات أن ما كشفت عنه مؤخرا هذه الشهادات بالتعذيب، مثل شهادة المحامي الحقوقي محمد الباقر، والمدون والناشط علاء عبد الفتاح، والصحفية إسراء عبد الفتاح، بمثابة نزر يسير من شهادات أكثر تم توثيقها عن التعذيب والمعاملة القاسية خلال السنوات الخمس الماضية، رفض بعض أصحابها الكشف عن هوياتهم خوفًا من الأعمال الانتقامية التي قد تعرضهم مجددًا للتعذيب، أو ربما تفرض عليهم ظروف احتجاز أكثر سوءا.
وأضافت أنه "بحسب التقرير المشترك الذي أعدته مجموعة من المنظمات المصرية والدولية حول ممارسات التعذيب خلال السنوات الماضية، والمقدم للأمم المتحدة وفق القواعد المنظمة لعملية الاستعراض الدوري آذار/ مارس الماضي، فإنها لم تكتف السلطات المصرية باستخدام التعذيب كوسيلة لنزع الاعترافات الملفقة من المختفين قسريًا في أماكن الاحتجاز غير الرسمية، وإنما توسعت في توظيف التعذيب في أماكن الاحتجاز الرسمية.
وأشار التقرير، إلى أنه في الفترة ما بين 2014 وحتى نهاية 2018، توفي 449 سجينا في أماكن الاحتجاز، من ضمنهم 85 نتيجة التعذيب. هذا بالإضافة إلى الإهمال الطبي المتعمد وحرمان المحتجزين من الرعاية الصحية اللازمة لهم.
اقرأ أيضا: تقرير أوروبي ينصح بالتواصل مع المعارضة تحسبا لسقوط السيسي
وتحدثت المنظمات الستة عن تهدد حياة رئيس حزب مصر القوية عبد المنعم أبو الفتوح، المحتجز منذ شباط/ فبراير 2018، وقد سبق وأودى ذلك بحياة الرئيس الأسبق محمد مرسي في حزيران/ يونيو الماضي.
وتعتقد المنظمات أن هذا الاستخدام الواسع والمنهجي للتعذيب، والذي يوثقه التقرير، لا يمكن أن يتم بمعزل عن توجيهات من رأس السلطة السياسية وتحت أعين الحكومة المصرية، على نحو يضمن حماية الجناة من المساءلة، خاصة عندما يكون ضحايا التعذيب من المعارضين السياسيين.
وقال التقرير: "لقد تخطى التعذيب في مصر حدود المسؤولية الفردية لمرتكبيه، وتحول إلى سياسة دولة تسعى إلى إحكام قبضتها على المجال العام، فتحنث بوعودها بشأن إعادة تعريف جريمة التعذيب في القانون وفقا للدستور المصري والاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب، بل وتلاحق النشطاء الحقوقيين ممن سعوا لذلك.
وأكد أن السلطات المصرية "تسعى لتوظيف تغيرات تشريعية وقوانين جديدة لتقنين هذه الممارسة، مثل قانون مكافحة الإرهاب، الذي قنن احتجاز المشتبه به لمدة تصل إلى 14 يوما -ثم تم تعديلها لـ28 يوما- دون عرضه على جهات التحقيق".
اقرأ أيضا: أوروبا تدين الواقع الحقوقي بمصر..هل توقف جرائم السيسي؟
وتحدث التقرير المشترك أيضا وبشكل واضح عما أسماه "تواطؤ النيابة العامة وخصوصا نيابة أمن الدولة العليا، وكذلك القضاء في التستر على جريمة التعذيب وحماية مرتكبيها، على النحو الذي سبق وأشار له تقرير لجنة مناهضة التعذيب بالأمم المتحدة".
وأوضح أن "مسؤولي الشرطة والمسؤولين العسكريين ومسؤولي الأمن الوطني وحراس السجون، يمارسون التعذيب، إلا أن المدعين العامين والقضاة ومسؤولي السجون يسهلون أيضا التعذيب بتقاعسهم عن كبح ممارسات التعذيب والاحتجاز التعسفي وسوء المعاملة، أو عن اتخاذ إجراء بشأن الشكاوى".
ووثق تقرير المنظمات حالات عدة اشتكت تعرضها للتعذيب أمام وكلاء النيابة، فتجاهلوا شكواهم، وتقاعسوا عن التحقيق فيها، وفي أفضل الأحوال أحالوا صاحب الشكوى للطب الشرعي بعد مدة طويلة من تاريخ تعذيبه لضمان اختفاء أثار التعذيب في جسمه.
وأشار أيضا إلى "تعمد القضاء تجاهل شكاوى وادعاءات بعض المتهمين بالتعذيب لانتزاع الاعترافات منهم، وأصدر أحكامه -التي وصلت حد الإعدام- مستندًا لهذه الاعترافات المنتزعة بقوة التعذيب".
وقال التقرير إن "تفشي ممارسات التعذيب وتحولها لسياسة حكم، خلق حالة من (التطبيع) مع هذه الجريمة، وبدّل تصورات الضحايا عنها وعن شدتها"، موضحا أن "الركل والصفع والتهديد والإيذاء النفسي لم يعد في تصور بعض الضحايا تعذيبا، طالما أن الأمر لم يصل للصعق بالكهرباء أو الجلد أو الضرب الشديد الذي يؤدي لإيذاء عنيف أو عاهة كبرى".
وتناول التقرير "أنماط متعددة من التعذيب، تعرض لها بعض الضحايا خاصة المتهمين منهم في قضايا سياسية، ومن بينها الاختفاء القسري، أو الحبس بمعزل عن العالم الخارجي، وإجبار المتهمين على تصوير اعترافاتهم- تحت التعذيب والإعياء- ضمن أفلام دعائية من إعداد الجيش أو وزارة الداخلية. الأمر الذي وقع مؤخرا – على سبيل المثال- مع مجموعة من الطلاب والسائحين الأجانب ألقي القبض عليهم في محيط وسط القاهرة، وأذاعت وسائل إعلام مصرية فيديوهات مصورة يعترفون فيها -تحت الإكراه- بالاشتراك في مؤامرة دولية لنشر الفوضى في مصر، وقد ثبت بعد أيام كذب هذه الادعاءات وتم إخلاء سبيلهم والسماح بسفرهم لبلادهم".
وتضمن الجزء الأخير من التقرير عددا من التوصيات، على رأسها الضغط على الحكومة المصرية من أجل السماح لخبراء الأمم المتحدة وخاصة المقرر الخاص المعني بمناهضة التعذيب، والمقررة الخاصة المعنية بحماية حقوق الإنسان أثناء مكافحة الإرهاب بزيارة مصر، فضلا عن السماح للجنة الدولية للصليب الأحمر والمنظمات غير الحكومية الوطنية والدولية المتخصصة بزيارة أماكن الاحتجاز.
وأوصى التقرير المجتمع الدولي بالضغط على مصر للتصديق على البروتوكول الاختياري لاتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، والانضمام إلى الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، بالإضافة إلى تشكيل آلية وقائية وطنية من منظمات حقوقية مستقلة، تتولى تنظيم زيارات غير معلنة لأماكن الاحتجاز لبيان أوضاعها.
والمنظمات المشاركة هي: ديجنتي-المعهد الدنماركي لمناهضة التعذيب، وكوميتي فور جستس، ومركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان، ومركز النديم، والمفوضية المصرية للحقوق والحريات (أوروبا)، ومنظمة أخرى فضلت عدم ذكر أسمها خوفا من الملاحقة الأمنية.