فوز رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بجائزة نوبل للسلام
للعام الحالي 2019 فتح بابا واسعا من الجدل في بلدان عدة، أبرزها
مصر التي زادت فيها
مخاوف نقص مياه النيل بشكل يضر بحياة شعبها ومقدراته لتقصير واضح وأدوار منقوصة قام
بها الجنرال السيسي، ولتعنت أكثر وضوحا من الفائز بنوبل للسلام آبي أحمد ظهر جليا في
رفضه هو ونظامه مد أمد فترة ملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي.
لست في مكان أحدد منه أحقية الرجل من عدمها في حصوله
على الجائزة، لكن بالنظر إلى جوانب عدة من مسيرته السياسية فهو فعلا حقق الكثير لبلاده
ولدول مجاورة في فترة وجيزة، وطبعا ليست مصر من بينها.
آبي أحمد حاكم أفريقي لم تلوث يده بدماء شعبه أبدا، ويجب
أن يوضع تحتها ملايين الخطوط، ولا ارتكب مذابح ضد معارضيه أو زج بهم في سجونه أو طاردهم
بالخارج، ولا وصل لسلطة الحكم بانقلاب عسكري، بل بالطريقة الوحيدة المشروعة المتعارف
عليها عالميا. أما ما فعله فيبرز داخليا في إفراغه سجون بلاده من آلاف السياسيين المعتقلين
وإطلاق سراحهم، وإلغائه كل صور الرقابة الإعلامية، وقيادته مصالحة وطنية داخل بلاده
حسنت من وضع إثيوبيا سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.
بصراحة ما قام به الرجل وما قدمه من مساعي ناجحة لبلاده
كنت ولا زلت كغيري من ملايين المصريين أتمنى أن يحدث في مصر، وعسى أن يكون قريبا.
بعيون مصرية يملؤها الأسى والحزن لوضع مصر الإقليمي الذي
أصبحت هشاشته واضحة للجميع، والتي أصبحت دبلوماسيتها لا تعتمد على منطق سياسي يمكن
أن نفتخر به بتلك العيون إذا نظرنا إلى مساعي آبي أحمد الخارجية، التي أتمنى أن تستيقظ
مصر لتقوم بدورها المنوط بها على الأقل داخل القارة. وبالنظر إلى أقرب الجيران السودان،
فماذا عن دور مصر فيه؟
قاد آبي أحمد رعاية وساطة بلاده بجانب وساطة أفريقية
لوصول طرفي الأزمة في السودان لحل سياسي يرضي أكبر قدر ممكن من أطياف الشارع هناك،
على أن تلحق به فيما بعد بقية الاطياف التي كانت ولا زال لديها بعض التحفظات أو المطالب
المشروعة. ونجحت رعاية الرجل بشكل كبير، فيما فشلت مساعي الجنرال السيسي هناك من بداية
الثورة في السودان وحتى تحقيقها لأول أهدافها بإنجاز وثيقة الاتفاق السياسي وتشكيل
المجلس السيادي والحكومة. ولا تغرنك زيارة رئيس الوزراء السوداني عبد الله حمدوك للقاهرة
والابتسامات الخجولة فهذه دبلوماسية الضرورة، نظرا لأنه برضا الجنرال المصري قد تفتح
السعودية والإمارات بعض الأبواب الموصدة من المساعدات للسودان، وهو ما بدأت الدولتان
بالفعل في تنفيذه عبر إرسال شحنات من القمح وغيره وربما بعض السلف والقروض التي ستحكمها
بالطبع السياسية.
معاهدة سلام تاريخية أنهى بها آبي أحمد صراعا طال أمده،
وكان بمثابة انقسام إقليمي رئيس يزعزع استقرار القرن الأفريقي بتوقيعه مع رئيس إريتريا
الوحيد منذ استقلالها عن إثيوبيا أسياس أفورقي.
ما فعله آبي احمد في هذه النقطة رغم أنه لم يكن من الممكن
تصوره في السابق، إلا أنه جاء تتويجا لشهر من دوامة دبلوماسية قادها بنفسه في المنطقة
مهدت المسرح السياسي لإعادة ترتيب مزلزلة، يمكن أن تجلب البلدان المنقسمة في المنطقة
إلى المواءمة الاستراتيجية والاقتصادية.
قطاع كبير من المصريين رأى أن فوز رئيس الوزراء الإثيوبي
بجائزة نوبل للسلام سيمنحه مصداقية ويقوي موقفه بشأن مفاوضات سد النهضة، ويمنحه حضورا
دوليا أقوى مما كان عليه، وفي مقابل ذلك، يضع الجنرال المصري السيسي في وضع حرج أكثر
مما هو فيه ويصعّب خياراته المتاحة في التعامل مع أزمة السد، والتي لا يملك فيها سوى
الارتماء في احضان أي دولة تمارس ضغوطا مقبولة على آبي أحمد لمد فترة ملء خزان السد.
يشكك غالبية المصريين في دوافع الجائزة وأسباب منحها
لرئيس الوزراء الإثيوبي رغم ما قدمه لبلاده ولدول مجاوره، كما أشرت، إلا أن الضرر الكبير
الذي سيلحق بمصر، إذا اعتبر مؤامرة، فيمكن أن تكون الجائزة تتويجا لقيامه بذاك الدور
على أكمل وجه.
السيسي ورموز دبلوماسيته ليس عليهم من وجهة نظري أن يبحثوا
عن دولة رابعة تدخل طرفا في المفاوضات، بعد اتفاقية وقعها الأول بمنتهى الرضا على اتفاقية
الأصل فيها أنها للسد وليست للمياه، والفرق بينهما كبير جدا، بل إن لجنة نوبل النرويجية
للسلام يمكنها أن تمارس دورا أكبر وأهم من أي دولة في هذا السياق باعتبار أن الدبلوماسية
مضى وقتها.
ولأن مصر الآن للأسف في موضع الغريق، فلا يمكنها إلا
أن تتعلق بأي قشاية، وقشايتها هنا هي الحرج، أي تدفع اللجنة التي منحت آبي أحمد الجائزة
للسلام من بين عشرات الشخصيات المؤثرة في العالم في مجالات السلام؛ إلى أن يطيل فترة
ملء وتشغيل السد وخزاناته حتى يعم السلام لفترة أطول في المنطقة، بدلا من تعطيش المصريين
وتبوير أراضيهم وتعطيل ملايين العاملين فيها بمجالات الزراعة، وما يترتب عليها في مجالات
التصنيع.
هذه رسالتي فهل من جهة تسعى؟ أليس الأولى أن تدرك إثيوبيا
أن السلام ربما يغادر مصر للأبد حال صممت إثيوبيا على نفس موقفها من السد متجاهلة آثاره
المدمرة على آثاره المدمرة على شعب مصر؟ يبقى سؤال وجب على لجنة نوبل أن تجيب عليه:
أين لجنة السلام من سلام أوشك على الرحيل في مصر؟