هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الاحتجاجات الشعبية التي يشهدها لبنان، ما هو مداها؟ وهل يمكن أن
تتحول إلى ثورة شعبية تحدث تغييرا سياسيا جذريا طال انتظاره ؟
من
المؤكد أن الاحتجاجات حالة فريدة غير مسبوقة في تاريخ لبنان حيث كسر المتظاهرون
القوالب الطائفية والحزبية التي حكمت لبنان منذ نصف قرن وتحرروا من مشهد القطيع
المألوف لجهة نزول الآلاف إلى الشارع ولكن في إطار طائفي وحزبي ليهتفوا بشعارات
الولاء والفداء للزعيم الحزبي والطائفي.
ولطالما
تعودنا في لبنان على أن الشارع يقابله شارع سواء كان شارع التكتلات السياسية 8 و14
آذار أو شارع الطوائف والمذاهب. وكان الاعتقاد السائد استحالة تحرر اللبنانيين من
مشهد القطيع. لكن ما فعله المتظاهرون في توحدهم من مختلف الطوائف والمناطق فاق كل
التوقعات. مشهد سقطت معه كل المحرمات وتوحدت معه المطالب بمطلب أساس وهو إسقاط
الطبقة السياسية الحاكمة بدون استثناء لأي زعيم.
لقد
نجحت الاحتجاجات في إحداث علامة فارقة في تاريخ لبنان ووضعت حجر أساس يبنى عليه
الكثير في المستقبل لكنها محكومة بعوامل كثيرة يستحيل معها أن تتحول إلى ثورة
عارمة شاملة تقلب المشهد السياسي رأسا على عقب للأسباب التالية:
أولا:
إن لبنان ليس شأنا داخليا بل هو ملعب إقليمي وساحة مكشوفة للصراع بين القوى
الدولية والإقليمية المعنية في الشرق الأوسط. وبالتالي فان القوى الإقليمية
المتجذرة في لبنان تعتبر بمثابة الدولة العميقة التي يصعب اجتثاثها باحتجاجات
مطلبية بحتة. وبالتالي لا يمكن عزل الاحتجاجات على نقاوتها واستقلاليتها عن البعد
الإقليمي.
ثانيا:
إن الاحتجاجات ربما فاجأتنا نحن كمراقبين لكن يستحيل أن تبقى بمنأى عن الأجهزة
الأمنية خصوصا وأن لبنان اشتهر عبر التاريخ بأنه أنشط ساحة لأجهزة المخابرات
المحلية والعربية والعالمية. وبالتالي فان مسار الاحتجاجات يصبح لاحقا ضمن حسابات
الأجهزة العربية والإقليمية التي تستطيع أن تحرف المسار وتصوبه وفقا لأجندتها.
ثالثا:
استحالة المطلب الذي يجمع عليه المتظاهرون وهو إسقاط الطقم السياسي دفعة واحدة حيث
بالإمكان إسقاط الحكومة وهذا أمر سهل إذ يكفي إعلان رئيس الحكومة استقالته لتسقط
الحكومة بأكملها. وفي هذه الحالة فان النظام سيعيد تشكيل حكومة جديدة ويبقى الحال
على ما هو عليه لجهة المحاصصة الطائفية.
أما إسقاط رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ومعه أعضاء البرلمان
فهذا من سابع المستحيلات لان ذلك يعني فراغا دستوريا في السلطات الثلاث وهذا لم
يحصل في لبنان حتى خلال الحرب الأهلية.
رابعا:
عدم وجود قيادة واضحة للحراك الشعبي مع غياب البرنامج السياسي الموحد للتغيير
المنشود. حيث يطرح المحتجون مروحة واسعة من المطالب المشروعة لكنها متباينة وقد
تتحول سببا لخلافات سياسية واسعة بين المحتجين أنفسهم.
خامسا:
إن مطالبة بعض المحتجين قائد الجيش بالقيام بانقلاب عسكري فهو وإن دل على ثقة
الشعب اللبناني بالجيش إلا أن هذا المطلب دونه الكثير من العقبات أقله انه يعيد
الأزمة إلى المربع الأول عندما انقسم الجيش على نفسه خلال الحرب اللبنانية فضلا عن
قيام الطوائف والأحزاب بالضغط على ألوية الجيش والدفع بها نحو الانشقاق كما حصل في
كثير التجارب وأبرزها انشقاق اللواء السادس بقيادة العميد هشام جابر في انتفاضة 6
شباط 1983
سادسا:
غياب الراعي الإقليمي خصوصا وأن العقود الأخيرة جعلت من الراعي الإقليمي عنصرا
أساسيا في كل المحطات الدستورية المهمة والمفصلية. حيث إن الراعي السوري حضر لمدة
30 عاما وحضرت أيضا الرعاية السورية السعودية في اتفاق الطائف عام 1989والتي صنعت
دستورا لايزال قائما ثم حضرت الرعاية القطرية بعد أحداث 7 أيار 2008 وانتهت باتفاق
الدوحة الذي انقذ لبنان من حرب أهلية والوقوع بفراغ دستوري.
سابعا:
إن لبنان يمر بأزمة مالية خطيرة ومصيرية غير مسبوقة وتتطلب حلولا سريعة لإنقاذ
لبنان من الإفلاس وبالتالي فان أي فراغ دستوري في السلطات لن يحقق مطالب المحتجين
بل سيضع البلد أمام احتمالات قاتمة تضع مصير لبنان أمام المجهول.
ثامنا:
إن لبنان محكوم بالتسويات وبمعادلة لا غالب ولا مغلوب وهذا يعني أن أقصى ما يمكن
أن نتوقعه من الاحتجاجات بلورة تسوية تبلسم الجروح وتجمل الوضع لكنها لا تنتج حلا
جذريا بانتظار فرصة إقليمية تسمح بإنتاج حل نهائي للازمة اللبنانية وهذه الفرصة
مازالت غير منظورة.
عن صحيفة الشرق القطرية