هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أنا ربما من القلائل الذين أتاح لهم القدر وولعهم بالتاريخ أن أقابل زوجتي الزعيم التونسي الراحل الحبيب بورقيبة، السيدتين وسيلة ومفيدة بعد طلاقهما، وسيأتي يوم أنشر حديثي معهما لأنه يلقي أضواء عجيبة عن علاقة الزعيم بورقيبة رحمه الله بالمرأة عموما وبكل منهما خاصة، ويعدل من الصورة الوردية الرسمية التي تداولناها عن مكسب (تحرير المرأة)، لأن المؤرخ النزيه يجب أن يحلل هذا المكسب من منظور ارتباطه الوثيق بنفسية بورقيبة وتشكيل عقله الباطن ونوع المسيرة العاطفية التي عاشها وطبيعة تكوينه السياسي والأيديولوجي، الذي أهله للقيام بما حققه للمجتمع التونسي، وهذا لا ينقص من إنجازات الرجل شيئا لكنه ينير طريق المستقبل على ضوء التاريخ الحقيقي لا المكتوب بأقلام رسمية أو عمياء منحازة مع أو ضد الزعيم.
أسباب شخصية
أول خطب الزعيم بورقيبة بعد الاستقلال كشفت عن تأثره بعذاب المرأة، لأنه كما قال نشأ هو الأصغر في أسرته وكان دائما في رعاية النساء: أمه وأخواته البنات وعماته، واكتشف أنهن مقهورات، وقص علينا الزعيم في محاضراته عن حياته في معهد الصحافة وعلوم الأخبار (1973) كيف تأثر وصدم بالYهانات التي تعرضت لها والدته فاطمة من (سلايفها) حين كن يضعن لها الملح في طنجرتها حتى يؤنبها زوجها والده علي بورقيبة... إلى أخر هذه المعطيات التي جعلته يعتبر المرأة مضطهدة في المطلق وليس في حالات استثنائية، ثم باعتراف نجله الحبيب الإبن فإن الزعيم تأثر حين تعرف على السيدة (ماتيلد لوران أرملة العقيد لوفراس) واجتمع لسنوات بأفراد عائلتها ومن بينهم كثير من رجال الكنيسة فاعتقد أن الجنس دنس وربما اعتنق دون عقيدة أن الطهرانية PURITANISME مذهب أخلاقي عالمي بينما هو مسيحي متطرف جعلت القساوسة والبابا لا يتزوجون خشية الدنس.
والإسلام مختلف تماما عن هذه العقيدة الكاثوليكية (رجال الكنيسة مثلا البروتستانت يتزوجون)، حيث أن ديننا الإسلامي يعتبر الجنس والزواج فطرة فطر الله الناس عليها.
أثر النموذج التركي
أضف إلى هذه الخلفية النفسية، تأثر الزعيم التونسي الراحل الحبيب بورقيبة رحمه الله بمصطفى كمال أتاتورك وباللائكية (العلمانية) الغربية وتحييد الدين تماما، وهو تاريخيا ممارسة زعيم تركي خاص بإنهاء عصر الخلافة العثمانية بعد إعادة تشكيل العالم حسب معاهدة (سايكس بيكو) 1916 لا غير. كما أن أصل العلمانية هو مذهب سنه المسيحيون ضد طغيان المؤسسة الكنسية لتحرير المجتمع من هيمنتها، ولا صلة للعلمانية بالإسلام لأن الإسلام لا كهنوت فيه ولا طغيان على المجتمع المدني!
ثم إن السلطات الاستعمارية كانت ترتاح أكثر لمن هو أقرب للنموذج الفرنسي بطبيعة الأمر. إلى آخر هذه المعطيات التي جعلته يعتبر المرأة مضطهدة في المطلق وليس في حالات استثنائية. ولا ننسى العقدة التي تملكته منذ صباه الأول حين اكتشف أنه ولد بخصية واحدة وخشي أن يكون عنينا أو عقيما بهذه العاهة الفيزيولوجية. والبقية لعلماء الاجتماع والنفس والتاريخ وهم نخبة متميزة في بلادنا.