هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
رافقت المظاهرات الشعبية في العراق، إجراءات حكومية عدة حاولت من خلالها احتواء الاحتجاجات التي اندلعت في مطلع تشرين الأول/ أكتوبر الجاري، بالعاصمة بغداد وامتدت إلى محافظات في وسط وجنوب البلاد.
وانقسمت الإجراءات إلى شقين: الأول، إعلان حظر التجوال وقطع الطرق الرئيسة، وكذلك حجب مواقع التواصل، ثم قطع الإنترنت بشكل كامل، إضافة إلى استخدام العنف المفرط لإنهاء الاحتجاجات. أما الثاني، فكان بإعلان الحكومة والبرلمان حزمة إصلاحات وتعديلات وزارية، وإحالة مسؤولين كبار إلى القضاء بتهم الفساد.
بالتزامن مع هذا كله، شهدت الاحتجاجات الشعبية تراجعا ملحوظا في زخمها، بل ربما وصلت إلى حد التوقف، ولاسيما في بغداد، مع عودة الإنترنت ورفع حظر التجوال، الأمر الذي يثير تساؤلات ملحة حول مدى نجاح الإجراءات الحكومية في احتواء المظاهرات؟
لكنّ سياسيين ونوابا في البرلمان أكدوا في حديث لـ"عربي21" أن الحكومة والبرلمان فشلتا في احتواء المظاهرات، مؤكدين أن زمام المبادرة بيد الشعب، وتوقف الاحتجاجات كان بإرادة المحتجين أنفسهم، وستعود في وقت معلوم.
عودة أكبر
وفي حديث لـ"عربي21" قال السياسي العراقي القاضي وائل عبد اللطيف، إن "الحكومة فشلت فشلا ذريعا في احتواء الأزمة ولم تتفهم مطالب الشعب، لأن هناك فهم خاطئا من الحكومة لرسائل الشعب والمرجعية الدينية".
وأوضح عبد اللطيف، أن "هذه المرة الأولى التي تستخدم فيها القوة المفرطة لتفريق المتظاهرين، التي أدت إلى سقوط أعداد هائلة من القتلى والمصابين"، مؤكدا أن "سفك الدماء لم يكن مبررا، وأن رشّ الماء الحار على أصحاب الشهادات العليا، واستقالة وزير الصحة بعد كشفه عن أكبر عملية فساد بالوزارة منذ عام 2003 وحتى الآن، كلها رسائل كبيرة لم يفهمها عبد المهدي، ومن الأفضل له تقديم الاستقالة".
اقرأ أيضا: إيكونوميست: هل تخرج الأوضاع في العراق عن السيطرة؟
وأكد محافظ البصرة السابق، أن "زمام المبادرة بيد الشعب، وأن المتظاهرين جنحوا إلى تهدئة الاحتجاجات بمناسبة أربعينية الإمام الحسين، وسيعودون على حد علمي إما يوم 25 من الشهر الجاري، أو بعد الأربعينية"، متوقعا أن "تزداد المظاهرات بشكل أوسع وأكثر من الوقت الحاضر، ولاسيما أن البصرة ستنضم إليها هذه المرة".
وبخصوص التعديلات الوزارة والإصلاحات الحكومية، قال عبد اللطيف، إنها "لا تداوي جرح الشعب، ولا سيما بعد استخدام العنف المفرط في المظاهرات الأخيرة".
قرارات صورية
من جهته، قال عضو اللجنة المالية في البرلمان النائب أحمد الحاج رشيد، إن "القرارات التي اتخذت في البرلمان كانت على عجالة ولا تستطيع الحكومة تلبية هذه الاحتياجات، ولاسيما أن الحكومة تعاني من شح الموارد".
الحاج رشيد، أوضح في حديث لـ"عربي21" أن "الموارد المالية لا تكفي الدولة العراقية ومطالب المواطنين بشكل عام، وأن هذه القرارات ستوقعنا في أزمة ثقة بين المواطنين والبرلمان العراقي".
وأكد النائب أن "الخطوة التي أقدم عليها البرلمان، كانت لامتصاص غضب المتظاهرين ليس أكثر، أما من الجانب القانوني فإنها تعتبر توصيات وليست قرارات، خصوصا إذا كانت تحمل تبعة مالية، أي أنها غير ملزمة للحكومة".
ولفت إلى أن "من ضمن الفقرات كانت هناك إشارة إلى إدراج الحكومة هذه الفقرات ضمن الموازنة، وبهذا يكون البرلمان قد رمى الكرة في ملعب الحكومة"، مؤكدا أن "الحكومة إذا رفضت هذه التوصيات، فستفقد ثقة الشارع العراقي تماما بإصلاحاتها وقراراتها وقوانينها".
قاسم المناصب
أما على صعيد التعديلات الوزارية الأخيرة، فقد علمت "عربي21" من مصادر برلمانية عراقية، أن الكتل السياسية اتقفت على تقاسم الوزارات في التعديل الذي طلبه عبد المهدي الخميس، وجرى التصويت على وزيرين فقط: التربية والصحة.
وكشفت المصادر الخاصة من داخل البرلمان، أن الكتل السياسية اتفقت على إجراء تعديل وزاري في خمس وزارات ضمن كابينة عبدالمهدي الحكومية، حيث وزّعت الكتل النافذة هذه الوزارات فيما بينها.
اقرأ أيضا: محلل عراقي: لهذه الأسباب تختلف الاحتجاجات الراهنة عن السابق
وأوضحت، أن "وزارة الصحة التي كانت من حصة شخصية مستقلة، ذهبت إلى كتلة سائرون المدعومة من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، إضافة إلى وزارة التربية فأصبحت مناصفة بين سائرون مع كتلة تحالف القوى بزعامة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي".
وبحسب المصادر ذاتها، فإن وزارة الاتصالات، ذهبت إلى تحالف "النصر" بزعامة رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي، فيما أصبحت وزارة الصناعة من حصة حزب "الجماهير" برئاسة النائب أحمد عبد الله الجبوري (أبي مازن)، أما وزارة الهجرة والمهجرين فكانت للمكوّن المسيحي.
وأكدت أن "الحلبوسي، كعادته التف على باقي الكتل السياسية، وأمضى وزارتي التربية والصحة في البرلمان، وأبقى ثلاث وزارات إلى ما بعد الأربعينية، ربما لإخضاعها لمساومات سياسية مرة أخرى".
وبيّنت المصادر أن "التعديلات الوزارية الأخيرة طرحت على أنها استجابة لمطالب المتظاهرين، إلا أنها بالحقيقة كانت ترضية لكتل سياسية تعاطفت مع الاحتجاجات الشعبية، ولا سيما سائرون والنصر".
وفي الأول من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، انطلقت من العاصمة بغداد، احتجاجات للمطالبة بتحسين الخدمات العامة وتوفير فرص عمل ومحاربة الفساد، قبل أن تمتد إلى محافظات جنوبية ذات أكثرية شيعية.
ورفع المتظاهرون سقف مطالبهم، وباتوا يدعون إلى استقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، إثر لجوء قوات الأمن إلى العنف لاحتواء الاحتجاجات، وسقوط عشرات القتلى ومئات الجرحى.