هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا للصحافيين بيتر بيكر ولارا جاكس، يقولان فيه إن ترامب ألقى بالسياسة الشرق أوسطية في أتون الفوضى يوم الاثنين، من خلال سلسلة من الإشارات، بعد أن تعهد بسحب القوات الأمريكية من المنطقة، متسببا بثورة من الجمهوريين في الكونغرس واحتجاجات من حلفاء أمريكا.
وينقل التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، عن ترامب، قوله دفاعا عن قراره بتمهيد الطريق لعملية عسكرية تركية ضد حلفاء أمريكا الأكراد في شمال سوريا، التي أعلن عنها في بيان للبيت الأبيض مساء الأحد، إنه "حان الوقت لنا للخروج.. ونترك للآخرين معالجة الموقف".
ويلفت الكاتبان إلى أن تحرك ترامب هذا تسبب بتوبيخه على نطاق واسع من الجمهوريين، بينهم بعض أقرب حلفائه، بلغة هي الأكثر حدة ضد سياسة ترامب الخارجية، وقال ترامب ردا على ذلك إنه سيكبح جماح تركيا، وكتب الرئيس على "تويتر": "كما ذكرت بقوة من قبل، وللتأكيد عليه، إن فعلت تركيا أي شيء اعتبره أنا، بحكمتي العظيمة التي لا تضاهيها حكمة، بأنه خارج عن الحدود سأقوم بتدمير الاقتصاد التركي تماما (لقد فعلتها من قبل!)"، إلا أنه لم يوضح ما هو الخارج عن الحدود، لكن مستشاريه أكدوا أنه لم يعط ضوءا أخضر لغزو "تركي".
وتورد الصحيفة نقلا عن مسؤول في وزارة الدفاع، قوله بأن تهديد الرئيس بتدمير الاقتصاد التركي يجعل من الواضح أن ترامب لم يصادق على هجوم تركي ضد الأكراد.
وينقل التقرير عن المتحدث باسم البنتاغون جوناثون هوفمان، قوله في بيان: "لقد أوضحت وزارة الدفاع لتركيا -كما فعل الرئيس- بأننا لا نصادق على العملية التركية في شمال سوريا.. ولن تدعم القوات الأمريكية أي عملية أو تتدخل فيها".
ويستدرك الكاتبان بأن الجمهوريين ليسوا متأكدين من ذلك، وحتى بعد أن صحح ترامب بوصلة رسالته، وحذر السيناتور ميتش ماكونيل، (جمهوري عن كينتاكي) وزعيم الأكثرية، من "انسحاب متهور" يفيد روسيا وإيران والرئيس بشار الأسد وتنظيم الدولة، وحث ماكونيل الرئيس على "ممارسة القيادة الأمريكية".
وتنوه الصحيفة إلى أن تصريحات الرئيس أثارت جدلا لدى المؤيدين والزعماء الأجانب والقيادات العسكرية ومستشاريه، الذين حاولوا تفسير ما يقصده ترامب ويتوقعون التداعيات، مشيرة إلى أن الرئيس لطالما دعا لانسحاب أمريكا من الحروب الخارجية، لكن ما كان يجره للخلف هو مؤسسة الأمن القومي وحلفاؤه في الكونغرس.
ويبين التقرير أنه في هذه الحالة، كان ترامب يستجيب بحسه الغريزي لتعليق غير متوقع من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد انتهاء مكالمة هاتفية يوم الأحد بين الرئيسين، وكان قد تم التركيز خلالها على التجارة والمساعدات الدفاعية، وأخبر أردوغان، الذي كان يهدد دائما بعبور الحدود لمحاربة المقاتلين الأكراد المتحالفين مع أمريكا، ترامب أنه أخيرا سيمضي قدما في خطته.
ويورد الكاتبان نقلا عن المستشارين، قولهم إن ترامب قال لأردوغان بأنه لا يدعم الاجتياح، مستدركين بأنه بدلا من منع أردوغان، فإن ترامب انتهى من المكالمة وأصدر بيانا متأخرا ليلة الأحد، قال فيه إنه سيسحب 50 جنديا أمريكيا من القوات الخاصة بالقرب من الحدود كان وجودهم يمنع دخول تركيا إلى سوريا.
وتذكر الصحيفة أن ترامب تلقى مع حلول صباح الاثنين العديد من الانتقادات من كل من الجمهوريين والديمقراطيين، الذين قالوا إن هذا التحرك يعني التخلي عن الأكراد، وهم بعض أخلص الحلفاء لأمريكا، وهم حلفاء فاعلون في المنطقة، وفي الوقت ذاته يشجع أشد الأعداء تهديدا لأمريكا.
وينقل التقرير عن السيناتور ليندزي غراهام، (جمهوري عن جنوب كارولاينا)، ويعد من أكثر المؤيدين للرئيس، قوله على "فوكس نيوز": "إن هذا انتصار كبير لإيران والأسد، وانتصار كبير لتنظيم الدولة.. سأعمل ما بوسعي لفرض عقوبات على تركيا إن هي دخلت شمال سوريا، وذلك سيقطع علاقتي مع تركيا، وأعتقد أن معظم الكونغرس لديه الشعور ذاته".
وأضاف غراهام بأنه سيقترح قرارا يطالب فيه ترامب بمراجعة تحركه، الذي وصفه بأنه "قصير الرؤية وغير مسؤول"، مشيرا إلى أن ادعاء الرئيس حول هزيمة تنظيم الدولة هو "أكبر كذبة تروجها الإدارة".
ويفيد الكاتبان بأن النائبة ليز تشيني، وهي من قيادات الجمهوريين في مجلس النواب، وصفت سحب القوات بأنه "خطأ كارثي"، فيما وصفه السيناتور الجمهوري ماركو روبيو بأنه "خطأ فاحش ستكون له تداعيات أبعد من سوريا"، وقال السيناتور الجمهوري، ميت رومني، بأن "قرار الرئيس التخلي عن حلفائنا الأكراد في وجه هجوم تركي هو خيانة".
وبحسب الصحيفة، فإن سفيرة ترامب السابقة للأمم المتحدة، نيكي هيلي، انضمت الى هذه الجوقة، فغردت قائلة: "يجب أن نحمي دائما ظهور حلفائنا إن كنا نتوقع منهم حماية ظهورنا.. لقد كان الأكراد فاعلين في حربنا الناجحة ضد تنظيم الدولة في سوريا، وتركهم للموت الآن هو خطأ كبير، # تركيا ليست صديقتنا".
ويشير التقرير إلى أنه في الوقت الذي بدا فيه الرئيس وحيدا، فإنه وجد الدعم من السيناتور الجمهوري راند بول، الذي غرد قائلا إن الرئيس "مرة أخرى يفي بوعوده بإيقاف حروبنا التي لا تنتهي، ويحقق سياسة أمريكا أولا حقيقية".
ويلفت الكاتبان إلى أن ترامب كان قد وعد خلال حملته للانتخابات الرئاسية بأن يخرج أمريكا من الحروب الخارجية، محتجا بأن التورط العسكري في أفغانستان والعراق وغيرهما منذ هجمات أيلول/ سبتمبر 2001، كان فيه بشكل عام خسارة للأرواح والأموال، وحقق القليل من النتائج الإيجابية.
وتنوه الصحيفة إلى أن قرارا شبيها بهذا القرار في الشتاء الماضي، يقضي بسحب القوات الأمريكية من سوريا، تسبب باستقالة جيم ماتيس والمبعوث الرئاسي الخاص للتحالف ضد تنظيم الدولة، بريت ماكغيرك، مشيرة إلى أن مجلس الشيوخ بقيادة ماكونيل أعرب في كانون الثاني/ يناير عن استيائه، من خلال التصويت بأغلبية ساحقة ضد قرار سحب القوات من سوريا وأفغانساتان.
ويشير التقرير إلى أن ترامب قام بعد ذلك بالتراجع عن قراره في سوريا إلى حد ما، لكنه شعر بالإحباط من عدم تمكنه من إخراج أمريكا من تشابكات المنطقة، لافتا إلى قول مؤيديه إنه لذلك يجب عدم اعتبار تحركه الأخير مفاجئا، وبأنه كانت لدى الأكراد فترة تحذير كافية.
ويلفت الكاتبان إلى أن القوات الكردية، التي تشكل جزءا من قوات سوريا الديمقراطية، كانت من أكثر حلفاء أمريكا جدارة بالثقة، وشكلت عنصرا اساسيا في استعادة الأرض من تنظيم الدولة، لكن تركيا كانت دائما تعد المقاتلين الأكراد إرهابيين، وحاولت الضغط على أمريكا للتخلي عن دعمهم.
وتفيد الصحيفة بان رسالة ترامب الأولية صباح الاثنين لم تركز على منع إعاقة تركيا، لكن على الانسحاب من المنطقة، وكتب ترامب: "لقد أوقفت هذا القتال لمدة ثلاث سنوات، لكن حان الوقت للخروج من هذه الحروب الغبية التي لا نهاية لها، وكثير منها قبلية، وإعادة جنودنا إلى الوطن"، وأضاف: "سنقاتل حيث لنا مصلحة ونقاتل فقط لننتصر، وعلى تركيا وأوروبا وسوريا وإيران والعراق وروسيا والأكراد أن يقدروا الوضع".
وقال بالنسبة للأكراد: "لقد حارب الأكراد معنا.. لكننا دفعنا أموالا طائلة، وقدمنا المعدات لفعل ذلك".
وينوه التقرير إلى أن ترامب ذكر وعوده بالخروج من حروب الشرق الأوسط، لدى اجتماعه بالمراسلين في وقت لاحق يوم الاثنين، وقال: "لقد وعدت خلال حملتي أنني سأعيد جنودنا إلى الوطن، وأن أعيدهم في أسرع وقت ممكن".
ويستدرك الكاتبان بأن المسؤولين في إدارة ترامب ركزوا على أن القوات الخاصة فقط سيتم نقلهم في الأيام القادمة من مواقعهم الحدودية، لكن لن يتم جلب حوالي 1000 جندي في سوريا مباشرة إلى الوطن.
وتكشف الصحيفة عن أن ترامب كان منزعجا بالذات من أن أمريكا تدفع لسجن الآلاف من مقاتلي تنظيم الدولة في السنوات الأخيرة، فعلى مدى أشهر حاول الضغط على الدول الأوروبية وغيرها لقبول المقاتلين القادمين من تلك البلدان، لكنه وجد مقاومة شديدة، وقال ترامب للمراسلين: "قلنا لهم (أعيدوهم)، لكنهم للأسف مثل حلف الناتو، إنهم يستغلون".
ويجد التقرير أنه في حال تحركت تركيا ضد الأكراد، فإن قوات سوريا الديمقراطية قد تترك المخيمات لقتال الأتراك، ما سيسمح لحوالي 10 آلاف مقاتل من تنظيم الدولة، بينهم 2000 أجنبي، بالفرار، مشيرا إلى قول مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية، متحدثا للإعلام بشرط عدم ذكر اسمه، بأنه بحسب المبادئ الأساسية للإدارة فإن ترامب أخبر أردوغان بأنه إن أرسل قوات تركية فستكون مسؤولة عن تأمين السجناء.
ويقول الكاتبان إن أمريكا توقفت عن بذل جهودها لإقامة منطقة آمنة في سوريا، بالقرب من الحدود التركية، التي كانت ستبقي القوات التركية بعيدة عن المقاتلين السوريين، لكن مسؤولا آخر في الإدارة قال إن أمريكا تسيطر على الأجواء فوق شمال شرق سوريا جزئيا لمنع وقوع اعتداء تركي.
وتشير الصحيفة إلى أن احتمال أن يؤدي انسحاب أمريكي إلى اجتياح تركي أخاف الحلفاء الأوروبيين، وأصدرت كل من فرنسا وألمانيا بيانين، تعربان فيهما عن قلق عميق، وقال مسؤول في الخارجية الأمريكية، بأن رد الفعل الدولي لعملية تركية محتملة كان "مدمرا"، واعترف بأنها ستؤدي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة.
ويورد التقرير نقلا عن قيادة قوات سوريا الديمقراطية، قولها بأنها ستستمر في احتجاز مقاتلي تنظيم الدولة وعائلاتهم في مخيمات مؤقتة في شمال سوريا، لكن المسؤولين من وزارة الخارجية يعترفون بأنه حتى أفضل الحراس تدريبا قد يتم سحبهم إن وقع صراع مع تركيا.
وينقل الكاتبان عن متخصص أمريكي في مكافحة الإرهاب، قوله بأن نقل مهمات مكافحة الإرهاب للجيش التركي، الذي أثبت أنه غير مدرب ولا معد للقيام بعمليات مكافحة الإرهاب في بلدهم، سيكون كارثيا، وقد يعكس الانتصارات المهمة للقوات الأمريكية وشركائها على الأرض.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول المدير السابق لمكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي في إدارة أوباما، جوشوا غيلتزر: "من الصعب تخيل أن لدى تركيا الإمكانيات للتعامل بشكل آمن وصحيح مع المعتقلين الذين بقوا في عهدة الأكراد السوريين، حتى لو كانت تركيا فعلا تنوي المحاولة"، وأضاف أن "إطلاق سراح أولئك المعتقلين أو هروبهم من شأنه أن يقوي بشكل مباشر جهود تنظيم الدولة لإعادة التجمع والاندماج ثانية".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)