هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للمراسلة الخاصة في هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" نوال المغافي، التي أنتجت فيلما عن تجارة الجنس السرية في العراق، تحت عنوان "في العراق زواج المتعة الديني هو واجهة لدعارة الأطفال"، تتحدث فيه عن زواج المتعة في العراق.
وتشير المغافي في مقالها، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن الفيلم الذي عرض على "بي بي سي" يكشف كيف يقدم رجال الدين في بغداد النصيحة للرجال من أجل انتهاك البنات.
وتقول الكاتبة: "كنت أسير وسط الحواجز الأمنية المؤدية للكاظمية، المقام الأكثر قداسة عند الشيعة، وكنت أقف في الطابور مع عشرات الحجاج الذين جاءوا من أنحاء العالم كله لزيارة ضريح الإمام الكاظم، وعند البوابة، فتشتني حارسة من الأمن، ونظرت في حقيبة يدي بشكل ذكرني أن القصة التي نقوم بملاحقتها هنا لن تكون سهلة".
وتضيف المغافي: "كما سرت بين المحلات التجارية التي تحيط بالمسجد، ولاحظت وجودا كبيرا لـ(مكاتب الزواج) منتشرة حول المسجد، وتقوم هذه بترتيب الزواج الديني، وقد حصلت على معلومات تفيد بأن بعض رجال الدين هنا يقومون بترتيب زواج المتعة، وهي ممارسة غير قانونية في العراق يقوم فيها الرجل بالزواج من امرأة لمدة قصيرة بعدما يقوم شيخ بعقده مقابل مبلغ من المال".
وتتابع الكاتبة قائلة: "قيل لي إن هناك عددا من رجال الدين يقومون خلف الأبواب باستخدام عقد الزواج الشرعي وإساءة استخدامه لاستغلال المرأة والحصول على الربح، ويقوم هؤلاء الرجال بتهيئة النساء الضعيفات والشابات وتوريطهن في الدعارة، ويتم استخدامهن وبحصانة واضحة".
وتفيد المغافي بأنه "من أجل التأكد من هذه المزاعم احتجنا إلى كاميرا، وجندنا مراسلا صحافيا سريا، الذي قام على مدار عام بالتحقيق، وقابل وصور بالسر عددا من رجال الدين الذين يديرون مكاتب للزواج في محيط المقام، وفي الوقت ذاته قابلت والتقيت بضحايا رجال الدين، وكذلك بعض الزبائن من الرجال الذين يستخدمون زواج المتعة".
وتلفت الكاتبة إلى أن المراسل الصحافي السري قابل في البداية عددا من رجال الدين من أصحاب المكاتب؛ لمعرفة استعدادهم لعقد زواج المتعة، مشيرة إلى أنه من بين عشرة رجال دين عبر ثمانية منهم عن موافقته لعقد زواج المتعة للمراسل.
وتورد الصحيفة نقلا عن شيخ الدين سيد رعد، قوله: "يمكنك الزواج من فتاة لساعة وبعد نهايتها يمكنك الزواج مرة ثانية"، وأضاف: "يمكنك الزواج لنصف ساعة، ثم بعد ذلك تستطيع الزواج مرة أخرى".
وتقول المغافي: "لقد سجلنا على الكاميرا أدلة تدعم مزاعم الضحايا، وهي أن رجال الدين يتآمرون عادة مع الرجال لخداع المرأة، وفي مكتب زواج في الكاظمية، حصل مراسلنا، الذي قدم نفسه على أنه رجل أعمال، على نصيحة من رجل الدين للخداع وهو يخطط لزواج المتعة، وقال له: (خذ نصيحتي لا تخبرها عن مكتبي في الكاظمية حتى لا تأتي بعد ذلك مطالبة بحقوقها، وهذا أفضل)".
وتعلق الكاتبة قائلة إنها وفريقها وجدوا أن الفتيات الصغيرات عادة ما يقعن فريسة للرجال الذين يحظون بمساعدة رجال الدين، ويدفعن الثمن الباهظ لحظهن العاثر، مشيرة إلى أن فقدان الفتاة لعذريتها قبل الزواج يعد فضيحة في العراق تجلب العار عليها وعائلتها وتلطخ شرفها، وعادة ما يتم التبرؤ من هؤلاء الفتيات، وفي بعض الحالات يتم قتلهن.
وتذكر الصحيفة أنه في الكاظمية عرض سيد رعد أن يقوم بعقد الزواج لمراسل "بي بي سي" السري مع فتاة صغيرة عذراء، ونصحه بعدم فض بكارتها أثناء الزواج، وممارسة الجنس معها من الخلف، الذي قال إنه "مباح"، وتساءل الصحافي قائلا: "لو قمت بفض بكارتها، لا سمح الله، فماذا أفعل؟"، فرد الشيخ قائلا: "هل تعرف عائلتها أين تقيم؟" فأجاب الصحافي: "لا"، فقال له رعد يمكنك المغادرة بعد قيامك بذلك.
وتعلق المغافي قائلة إن "مشاهدة اللقطات السرية كانت صعبة، خاصة عندما كنت أقابل الضحايا اللواتي يعشن تداعيات أفعال رجال الدين، وواحدة منهن، تدعى منى، وكان عمرها 14 عاما عندما بدأ رجل بملاحقتها من البيت إلى المدرسة، وقالت: (أخبرني أنه غني، وأنه معجب بشخصيتي، وبأنني جميلة) وبعد أسابيع قدمها إلى رجل دين، وضغط عليها للموافقة على زواج المتعة".
وتنوه الكاتبة إلى أن منى قالت لها: "أخبرت رجل الدين أنني عذراء" لكنه لم يطلب موافقة العائلة، كما هو معهود في العراق، قائلا إنه ليس مطلوبا لأنها والرجل بالغان، وهي في سن الـ17 عاما وتضغط عليها عائلتها للزواج، لكنها خائفة من اكتشاف زوجها من أنها لم تعد عذراء، مشيرة إلى أن عمها قتل ابنته بعدما اكتشف أن لها صديقا، وهي تفكر اليوم في الانتحار، قائلة: "لا مخرج أمامي، ولو ضغط علي فليس أمامي إلا الموافقة".
وتقول المغافي إن تحقيقها قادها إلى مدينة كربلاء، التي تعد من أهم المزارات لدى الشيعة، و"كجزء من التحقيق هو البحث عن دور المؤسسة الدينية في هذا كله، وإن كانت توافق على زواج المتعة، وتحدثت في مكتب زواج مع الشيخ عماد الأسدي، الذي قال إن هذا الزواج غير قانوني، وفي زاوية عثر الفريق على مكتب، عبر مسؤوله عن استعداده لعقد زواج متعة على طفلة، مع نصائح حول انتهاكها دون أن يتم القبض على الرجل، ولم يكن رجل الدين هو الوحيد الذي يؤدي دورا في هذه الانتهاكات".
وتنقل الكاتبة عن "ريم"، التي تحدثت إليها المغافي، قولها إن رجال دين بارزين لهم علاقة بزواج المتعة، مشيرة إلى أنه بعد مقتل زوجها في تفجير لتنظيم الدولة أصبحت وولداها بدون مأوى، وقالت ريم إنها عندما ذهبت إلى رجل دين تطلب منه الصدقة، فإنه مارس معها الجنس، ثم عرضها على أصدقائه، ولم تكشف عن هوية رجل الدين، لكنها قالت إنه مؤثر ومحترم في المجتمع.
وتورد الصحيفة نقلا عن ريم، قائلة: "عرض علي زواج المتعة، وكان علي النجاة.. كانوا يمارسون الجنس معي مرة أو مرتين في مكتبه، ثم بدأ يحضر أصدقاءه"، بينهم رجل تقول ريم إنه "معروف في المنطقة، وأجبرني على دخول غرفة مع صديق".
وتشير المغافي إلى أن ريم اكتشفت أن رجل الدين يحصل على مئات الدولارات من أصدقائه مقابل الجنس (300- 400 دولار)، فيما لم تحصل هي إلا على مصروف الجيب، وأخبرت الصحافية، قائلة: "كانوا مثل الحيوانات.. يمارسون الجنس مع المرأة ثم يرمونها".
وتتساءل الكاتبة عن سبب إفلات رجال الدين بطريقة صارخة من العقاب، وتجيب قائلة إن هذا يعود إلى المليشيات التي منحتهم الحصانة، مشيرة إلى أن عددا من رجال الدين لديهم علاقات سياسية جيدة، وأحدهم سيد سلاوي، الذي تباهى للمراسل السري بأنه مرتبط بمليشيا شيعية، وثبت هذا من خلال صورة له على منابر التواصل الاجتماعي.
وتذكر الصحيفة أن المراسل اتصل بعد ذلك برجال الدين، طالبا ردهم على هذه الاتهامات، فنفى سيد رعد هذا الاتهامات، قائلا إنه لم يقم بعقد زواج المتعة، وبأنه من أتباع المرجعية الشيعية آية الله علي السيستاني، فيما لم يرد رجل دين آخر.
وتلفت المغافي إلى أنه في اتصال مع مكتب السيستاني في النجف؛ من أجل معرفة موقفه من هذه الممارسات والأدلة التي جمعها الصحافي، فإنه قال: "لو كانت هذه الممارسات تحدث بالطريقة التي تصفها فنحن نشجبها دون تحفظ.. لا يسمح بممارسة زواج المتعة وسيلة للجنس بطريقة تحط من كرامة وإنسانية المرأة.. يجب ألا يسمح ولي أمر الفتاة بزواجها دون موافقتها، وليس من المفترض زواجها إن كان هذا ضد القانون، وهو ما يجلب المشكلات عليها".
وتشير الكاتبة إلى كتاب أعده السيستاني قبل 25 عاما، أباح فيه زواج المتعة، إلا أن مكتبه أخبر "بي بي سي" أنه غير موقفه، وحذفه من كتبه الحالية.
وتقول المغافي إن "التحقيق يكشف عن أن المصاعب التي حدثت في مرحلة ما بعد الحرب في العراق، وصعود المحافظة الدينية الشيعية، أعادا عقارب الساعة إلى الخلف فيما يتعلق بحقوق المرأة في العراق، وظلت القوانين العلمانية حامية للمرأة والأطفال لعقود، لكنها لم تعد مهمة في وجه التلاعب الذي يقوم به الرجال المؤثرون في المؤسستين السياسية والدينية".
وتختم الكاتبة مقالها بالقول إنه في الوقت ذاته فإن جيلا من النساء والأطفال يدفع الثمن الباهظ، وكما قالت ريم: "يأكلون اللحم ثم يرمون العظم".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)