عقد رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان، مساء الاثنين، مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الإيراني حسن روحاني، قمة ثلاثية في القصر الرئاسي بأنقرة، لتناول الملف السوري، هي الخامسة منذ توقيع اتقافية أستانا. وفي المؤتمر الصحفي المشترك الذي تم عقده في نهاية القمة، أكد الرؤساء الثلاثة ضرورة الحفاظ على وحدة تراب سوريا، كما شدد البيان الختامي على أن الأمن والاستقرار في شمال شرق سوريا لا يمكن أن يتحققا إلا على أساس احترام سيادة الأراضي السورية وسلامتها.
القمة الثلاثية التي استضافتها العاصمة التركية؛ انعقدت في ظل التطورات الساخنة التي تشهدها منطقة الخليج العربي، واحتلال مليشيات الحزام الأمني الانفصالية المدعومة من دولة الإمارات للعاصمة اليمنية المؤقتة، عدن، واستهداف المنشآت النفطية التابعة لشركة أرامكو السعودية بمحافظة بقيق وهجرة خريص شرق المملكة، وعلامات الاستفهام الكبيرة التي تثار حول كيفية الهجوم والجهة التي تقف وراءه. وبالتالي، كانت الأسئلة المتعلقة بأوضاع اليمن واستهداف المنشآت النفطية السعودية حاضرة في المؤتمر الصحفي.
الرئيس الإيراني ادَّعى أن اليمنيين، في إشارة إلى الحوثيين، هم الذين استهدفوا المنشآت النفطية التابعة لشركة أرامكو، ردا على هجمات التحالف الذي تقوده السعودية، فيما استغل الرئيس الروسي الفرصة ليعرض على السعودية شراء منظومة "إس-300" أو "إس-400" من بلاده لحماية منشآتها الحيوية. وأما الرئيس التركي فدعا إلى "التمعن في كيفية بدء الصراع في اليمن"، و"التفكير في كيفية إعادة إعمار اليمن وإحيائه".
لا يمكن وضع تصريحات رئيس الجمهورية التركي في خانة تبرئة الحوثيين من مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في اليمن
تصريحات أردوغان هذه قد يقرؤها بعض المحللين في إطار النكاية بالرياض، نتيجة تدهور العلاقات التركية السعودية بشكل غير مسبوق، والرد على تصريحات وزير الخارجية السعودية خلال زيارته لقبرص، إلا أن المتابع لأحداث اليمن عن كثب يعرف أن انقلاب الحوثي على الحكومة المنتخبة واحتلاله للعاصمة صنعاء؛ جاء بدعم دول التحالف، دول الثورة المضادة التي كانت تهدف إلى خلط الأوراق، والنكاية بثورة الشعب اليمني ووأدها، ومحاولة ضرب حزب الإصلاح بالحوثيين لفتح المجال أمام عودة نظام علي عبد الله صالح. وبالتالي، لا يمكن وضع تصريحات رئيس الجمهورية التركي في خانة تبرئة الحوثيين من مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في اليمن.
قوات التحالف التي تقودها السعودية دخلت اليمن بحجة دعم الشرعية وطرد الحوثيين من صنعاء، إلا أن النتيجة بعد كل هذه السنوات لم تكن غير تدمير البلاد وتجويع أهلها وقتل أطفالها. ولم يتم تحرير العاصمة، بل احتلت مليشيات الحزام الأمني العاصمة المؤقتة بدعم تلك القوات، واتضح أن إحدى دول التحالف لديها أجندات أخرى، وأصبح اليمن أمام خطر التقسيم، في ظل رهان الشرعية على السعودية العاجزة عن مواجهة الإمارات ورفض أطماعها في اليمن، إن لم تكن متواطئة معها منذ البداية. ولذلك، حان الوقت للبحث عن استراتيجيات بديلة لإنقاذ اليمن، والحفاظ على وحدة ترابه، وإفشال مشاريع التقسيم.
هل يمكن أن توسع هذه الدول الثلاث دائرة اهتمامها، لتتجاوز حدود سوريا، وتشمل ملفات أخرى كملف اليمن؟
القمة الثلاثية التي عقدت خامستها في العاصمة التركية، نجحت حتى الآن في تحقيق توازن في الملف السوري، على الرغم من تباين مواقف الدول الثلاث وتضارب مصالحها. وهي تجمع قوتين إقليميتين كبيرتين مع إحدى الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، فهل يمكن أن توسع هذه الدول الثلاث دائرة اهتمامها، لتتجاوز حدود سوريا، وتشمل ملفات أخرى كملف اليمن؟
الرئيس الروسي في معرض حديثه عن أزمة اليمن استشهد بآيات قرآنية تدعو إلى الوحدة والتآلف، ودعا أطراف النزاع إلى الحوار واتخاذ
اتفاقية أستانا نموذجا للجلوس حول طاولة واحدة. كما ذكر الرئيس التركي أن "اليمن لم يعد يمتلك البنية التحتية التي تمكّنه من الوقوف على قدميه مجددا بمفرده"، مضيفا أن الدول المتقدمة والناشئة يجب أن تفكر فيما يمكن فعله من أجل إنقاذ اليمن.
تجربة أستانا والقمم الثلاثية قد يستفاد منها في اليمن، حتى وإن كان تكرارها كما هي غير ممكن، نظرا لاختلاف الأوضاع في البلدين والبعد الجغرافي. ومما لا شك فيه أن إيران تعتبر من الأطراف المتنازعة في اليمن لوقوفها وراء الحوثيين. وأما روسيا وتركيا فقد ترفعان مستوى اهتمامهما بالملف اليمني، كقوتين ذواتي ثقل في المنطقة، لتلعبا دورا في الحفاظ على وحدة اليمن، ودعم الشرعية، ولجم المليشيات الانفصالية والدول الطامعة في احتلال جزره وموانئه، ووقف القتال لتبدأ إعادة إعمار البلاد.