هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في خطوة مثيرة، سارع وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إلى اتهام إيران بالتورط بشكل مباشر، لا عبر "وكيلها" اليمني، باستهداف منشآت "أرامكو" السعودية، أكبر شركة نفطية بالعالم.
جاء ذلك الخطاب "التصعيدي" بعد أيام قليلة على خروج جون بولتون من البيت الأبيض، حيث شغل منصب مستشار الرئيس دونالد ترامب للأمن القومي، لاستيائه، بحسب تقارير، إزاء رفض الأخير توجيه ضربة لإيران، بل وسعيه لقاء نظيره حسن روحاني.
لم تمض ساعات على هجمات "أرامكو" وتصريحات بومبيو التصعيدية حتى أعاد البيت الأبيض التنبيه إلى أن ذلك لا يعني العودة إلى "نهج بولتون"، إذ أعاد التأكيد أن ترامب ما يزال "يفكر بلقاء روحاني"، وهو ما يثير تساؤلات بشأن طبيعة السياسة التي تنتهجها واشنطن بالمنطقة، لا سيما وأن "حليفتها" الرياض قد تعرضت للتو لضربة موجعة، تعكس خطورة التهديدات التي تواجهها.
ورغم حديث ترامب بعد ذلك عن "الجاهزية" لتوجيه ضربة لإيران، ردا على الهجمات، إلا أنه ألقى الكرة في ملعب السعودية، قائلا إن إدارته "تنتظر من المملكة أن تخبرنا من تعتقد أنه سبب هذا الهجوم، وبأي شكل سنمضي قدما".
اقرأ أيضا: هذه أبرز مواقع هجمات جماعة الحوثي في السعودية (خريطة)
كما جدد التأكيد، في تغريدة منفصلة، أن بلاده لم تعد بحاجة لنفط الخليج، حيث تدور تلك الأحداث الملتهبة، "ولكن سنساعد حلفاءنا".
وفي حديث لـ"عربي21"، قال أستاذ العلوم السياسية، سيف الدين عبد الفتاح، إن النهج الأمريكي في التعاطي مع الأزمة يعكس "خطة ممنهجة لابتزاز السعودية"، مؤكدا أن "التورط الإيراني المباشر وغير المباشر يؤديان إلى طريق واحد، وطهران متورطة سواء بالأصالة أو بالوكالة"، فيما يغيب رد الفعل الأمريكي على كل حال، باستثناء تأجيج مخاوف المملكة.
وأضاف أن الإدارة الأمريكية تتوزع فيها الأدوار بما يضمن "صب الزيت على نيران المنطقة ومواصلة ابتزاز السعودية"، معتمدة على "غياب سياسة خارجية واضحة لدى الرياض، واعتمادها على قاعدة أن كل شيء يمكن شراؤه بالمال، ما يعكس قابلية للتعرض للابتزاز".
وتابع "عبد الفتاح" أن السعودية باتت في موقف لم تعد فيه تعرف من يوجه لها الضربات، موضحا أن ذلك نتيجة "لعدم تصورها عواقب مآلات التدخل في اليمن"، وفتحها جبهات جديدة من شأنها إحكام خناق إيران ووكلائها.
حصار استراتيجي "وتسلل استخباراتي" محتمل
وبشأن تقييم إعلان الحوثيين المسؤولية عن الهجمات، وحديث بومبيو عن هجوم إيراني مباشر، قال الخبير الاستراتيجي الفريق قاصد محمود إن تحليق طائرات مسيرة من الأراضي اليمنية إلى منشأتي أرامكو في منطقتي "بقيق" وخريص" مستبعد إلى حد كبير.
كما استبعد "محمود" أيضا أن تكون الضربة من إيران بشكل مباشر، ورجح أنها انطلقت "من جغرافيا عربية، سواء العراق أو الكويت أو البحرين، بل وربما من داخل السعودية عبر تسلل استخباراتي دقيق اعتمادا على وكلاء لطهران"، ما يعكس حصارا استراتيجيا محكما تعاني منه البلاد، موضحا أن سلاح الحوثيين وتقنياتهم هي في يد إيرانية أيضا على أية حال.
اقرأ أيضا: هذه أهمية ضربة الحوثي الأخيرة لأرامكو وخطورتها الاستراتيجية
وأضاف أن الضربة "تطور نوعي في المواجهة يجب أن يدفع القيادة العسكرية السعودية إلى إعادة حساباتها على كافة المستويات، وإعادة تقييم المقاربة السياسية برمتها".
وتابع أن الرياض هي الخاسر الأكبر، وباتت تتحول إلى مادة للتجاذب بين طهران وواشنطن، فيما الدفاع عن جغرافيا المملكة الشاسعة مكلف جدا بحسبه.
وأكد الخبير الاستراتيجي أن ذلك التجاذب بين الولايات المتحدة وإيران لن ينزلق إلى مواجهة عسكرية، "فمصالح ترامب تتقدم على كل شيء"، مستبعدا أن تشن واشنطن ضربة من شأنها إشعال مواجهة كبيرة.
وقال: "على الأرجح أن التفاهم بين الجانبين على قاعدة المصالح المشتركة قائم بالفعل، وأخشى أن يكون على حساب العرب وتعرض السعودية بالتحديد للمزيد من الابتزاز".
أفق السياسية الخارجية السعودية
أشار الخبير السياسي سيف الدين عبد الفتاح إلى حاجة الرياض لصياغة رؤية جديدة أكثر متانة تضمن مصالح المملكة واستقرارها، تتضمن "إنشاء قاعدة تفاوضية مع إيران لحل الإشكال بين البلدين وفي عموم المنطقة".
وقال إن السياسة الخارجية السعودية تعاني منذ عقود من "الافتقار إلى منهاج أو محددات واضحة".
وأضاف أن تلك السياسة "ليست مؤسسية وإنما مرتبطة برؤية القيادة، ومن جهة ثانية فإنها أدمنت تأجيج الخلافات والتبعية، رغم السعة في الخيارات".
وختم بالتأكيد أن "اليقظة" ستأتي عندما تدرك قيادة البلاد "أن للسياسة أصولا، وأن للعلاقات الإقليمية والدولية قواعد، أما النهج الارتجالي فسيجعل البلاد تمضي في هذا المنحدر الكارثي".