ما أن صعد نجم رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، حتى شبهوه
بالرئيس ترامب، لا لشيء سوى لمظهره الخارجي، ونزعته المحافظة، وخفة دمه المصنفة
بالغرائب، وذهب رأي واسع إلى أن سيد البيت الأبيض وجد حليفا مطابقا. لكن الحال في
واشنطن مختلفة، فالرئيس الأميركي يتحالف بالكيمياء وليس بالأيديولوجيا، ولا
بالمظاهر، ولا بالألوان.
وفعلا،
يبدو أننا أمام حلف أميركي - بريطاني تعاد صياغته مجددا، على رغم الفوارق بين
الشخصيتين. السيد بوريس جونسون، كما الرئيس ترامب، هدية قيمة للصحافيين المشاغبين
والمتندرين، والباحثين عن الإثارة، يقدم لهم مادة خصبة؛ كلمة وصورة، وأمامه لا
يحتاج رسام كاريكاتير إلى أي جهد كبير للخروج برسم يجذب القراء. كل ذلك للتسلية،
أما عند الجدّ، فالظن أنه بشراسة الرئيس ترامب، مع جرعة سياسية أعمق وذات بعد
استراتيجي، لم تثبت لدى مستعجل النتائج في واشنطن، حتى الآن. ولعلنا نتفق أن
جونسون ليس تشرتشل، وترامب ليس روزفلت، لكن هناك نقاط التقاء قد تذهب أبعد قليلا
من ثنائية بوش/ بلير، أو تقدم مفهوما جديدا بين العاصمتين.
رئيس
الوزراء التاريخي ونستون تشرشل يجمع الرئيسين؛ جونسون مغروم به، وألف كتابا عنه،
وترامب مغروم أيضا، أعاد تمثاله الصغير إلى مكتب الرئيس، بعد أن أزاحه سلفه
أوباما. أما الكيمياء الشخصية، فتبدو في أفضل تفاعلاتها، وهي معيار رئيس الولايات
المتحدة مع القادة. وتاريخيا صنعت الكيمياء الشخصية ثنائية القائدين في واشنطن
ولندن، تجلت بين تشرتشل وروزفلت في مواجهة هتلر، ولاحقا تدهورت بين أنتوني إيدن
ودوايت آيزنهاور، وعادت بعد عقود قليلة مع تاتشر وريغان.
المسار الفكري لا يحكم الثنائية، لم يقتصر التحالف على جمهوري أميركي
ومحافظ بريطاني، مثل حالة تاتشر وريغان، فتشرتشل محافظ، وروزفلت ديموقراطي، وتاليا
وجدنا بوش الابن الجمهوري مع توني بلير العمالي. السيدة تيريزا ماي لم تصنع علاقة
شخصية مع الرئيس ترامب، وبعد دخوله البيت الأبيض، أظهرت في أول لقاء ندية مصطنعة،
على رغم تدهور وضعها السياسي، وورطة وراثة حكومة منقسمة أمام معضلة مغادرة الاتحاد
الأوروبي، ووقتها لم تتضح ملامح الرئيس الجديد، والوقت لم يكف للتمييز بين خطابه
الانتخابي وعمله اليومي في المكتب البيضوي. لقد بدأت عهدها القصير قبل أشهر قليلة
من فوز ترامب، وفي ذاكرتها القريبة صورة توني بلير تابعا لبوش الابن. ذلك إرث بعثر
أول لقاء في كانون الثاني (يناير) 2017، ولم يخرج القائدان بما يشيء بحسن الطالع.
وقبلها عاشت العاصمتان مع الرئيس أوباما طقسا باردا، وربما كانت الأبرد منذ
الخمسينات، على رغم اختلاف العهدين من العمالي غوردون براون إلى المحافظ ديفيد
كاميرون.
والآن،
كيف سيكون حال السيد جونسون مع الرئيس ترامب؟
الكيمياء
الشخصية تفاعلت مبكرا، والمصالح متقاربة، وربما بريطانيا تعوض الولايات المتحدة
بالاتحاد الأوروبي، وذلك يبنى على مسار الرجلين مستقبلا؛ إن بولاية ثانية في
واشنطن، أو بانتخابات مبكرة في لندن ينتصر فيها آخر الشُقر.