هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت مجلة "فورين بوليسي" مقالا للباحث نك دانفورث، يقول فيه إن الاقتصاد واقع تحت ضغط شديد، وتواجه تركيا عقوبات أمريكية؛ بسبب شرائها لنظام الدفاع الجوي الروسي، وعقوبات من الاتحاد الأوروبي؛ بسبب الاستمرار في التنقيب عن الغاز قرب السواحل القبرصية.
ويشير دانفورث في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أنه "بالنسبة لبلد كان يعتقد بأن طريقه للقوة والازدهار تمر عبر الناتو والاتحاد الأوروبي، فإن هذا يمثل انتقالا كبيرا، فيبدو أن قيادة البلد تعتقد اليوم أن مواجهة أمريكا وأوروبا مباشرة هي الطريق الأفضل لخدمة مصالحها".
ويرى الباحث أن "السبب في هذا التحول هو التقاء توجهات طويلة الأمد مع تغيرات حديثة في العالم وفي الشرق الأوسط وفي تركيا. مشكلات اليوم كانت تتراكم على مدى عقود، لكن دون سلسلة من التطورات السيئة التي فاقمتها، وربما لم تكن هذه المشكلات لتصل إلى الذروة في مثل هذا الخلاف الدرامي".
ويقول دانفورث إنه "بالنظر إلى الوراء في كيفية إصابة التحالف الأمريكي التركي بالخراب، فإن ذلك يجب أن يكون مذكرا للجانبين بأن مواجهة بينهما هي أبعد من أن تكون حتمية، وللأسف فإنها نذير أيضا لمدى سهولة تدهور الأوضاع".
ويلفت الكاتب إلى أن "تركيا بقيت خلال الحرب الباردة غاضبة لكونها الشريك الصغير لواشنطن، لكنها تحملت ذلك لحمايتها من الاتحاد السوفييتي، ونتيجة لذلك كانت المشاعر ضد أمريكا واسعة الانتشار عندما صعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه، العدالة والتنمية، للسلطة في نهاية عام 2002، فالحزب الإسلامي بنمطه الخاص لديه تشكك تجاه الغرب".
ويجد دانفورث أنه "مع ذلك فإن حزب العدالة والتنمية حاول أن يحسن وضع تركيا في عالم مستقر يقوده الغرب باستخدام القوة الناعمة لتركيا لدمج الشرق الأوسط، وكانت لدى خبير الحزب في السياسة الخارجية أحمد داود أوغلو نظرة مبالغ بها لما تستطيع تركيا أن تفعله من خلال تأثيرها الدبلوماسي والاقتصادي والثقافي، فمن جهوده محاولة التوصل إلى سلام بين إسرائيل وسوريا، لكن ذلك لم ينجح، بالإضافة إلى أنه حاول التوسط للتوصل إلى صفقة نووية بين أمريكا وإيران، لكن ذلك لم ينجح أيضا، ومع ذلك فاعتمد الحزب على رؤية منطقية أكثر سلاما واتساقا على خلاف مع واشنطن".
ويفيد الباحث بأنه "مع بداية الربيع العربي في أواخر عام 2010 تزايدت طموحات تركيا، ففجأة ووسط الفوضى رأى داود أوغلو وأردوغان فرصة في ما قد يمكن تسميته سياسة خارجية (إسلامية)، بمساعدة القوى المتحالفة مع الإخوان المسلمين للوصول إلى السلطة في الشرق الأوسط، حتى لو عنى ذلك صداما مع نظام بشار الأسد في سوريا ومع إيران، لكن هنا أيضا بقيت أهداف تركيا الأيديولوجية متماشية بما فيه الكفاية مع توقعات واشنطن الليبرالية، حيث يمكن للإسلاميين المعتدلين الوصول للسلطة عن طريق الانتخابات، مع أن بعض المحللين كانوا متفائلين بخصوص (النموذج التركي)، ويبدو أنه من الواضح بالنظر للوراء أن بلدانا مثل مصر وليبيا وسوريا، كانت ستكون محظوظة لو صارت مثل تركيا".
ويستدرك دانفورث بأنه "بدلا من ذلك، فإن فشل الربيع العربي أدى في المحصلة إلى توسيع الفروق الاستراتيجية بين واشنطن وأنقرة، في الوقت الذي أكدت فيه لأردوغان بعض أسوأ ظنونه في الغرب، ومن هذه النقطة بدأت تواجه حكومة أردوغان معارضة داخلية أشد، فالانتقادات الغربية والمقاومة الإقليمية اجتمعتا لخلق شعور بالحصار".
وينوه الكاتب إلى أنه "في صيف 2013 مثلا، أدت الاحتجاجات إلى انقلاب عسكري ضد الرئيس محمد مرسي والإخوان المسلمين في مصر، وتزامن ذلك مع اندلاع الاحتجاجات في منتزه غيزي ضد تنامي استبداد أردوغان في تركيا، وبدأ الإعلام الغربي، الذي كان متعاطفا، بالتشكيك في ديمقراطية أردوغان، وشكل تأييد الاحتجاجات في منتزه غيزي من الإعلام الغربي تغيرا متميزا في النغمة، وانتقد الكثير من المعلقين الغربيين الانقلاب في مصر، لكن من وجهة نظر أنقرة فإن تأييد الغرب لمظاهرة منتزه غيزي، ورفض واشنطن شجب انقلاب عبد الفتاح السيسي، اختزلا النفاق الغربي في موضوع الديمقراطية".
ويقول دانفورث إن "الوضع في سوريا أدى على مدى العام الذي اتبع ذلك دوره المدمر الخاص، ففي الوقت الذي زاد فيه قلق واشنطن من الدعم التركي لمجموعات متطرفة مرتبطة بتنظيم القاعدة، قلقت تركيا بشأن قوة الأكراد السوريين المرتبطين بحزب العمال الكردستاني، ورأت في المجموعات الإسلامية ثقلا موازنا، وما زاد من الطين بلة أن احتجاجات منتزه غيزي تبعها خلاف علني بين أردوغان وفتح الله غولن، فعندما كانت حليفة لأردوغان ساعدت حركة غولن على تلميع سمعته في واشنطن، لكن عندما انقلبت الحركة ضده في الوقت ذاته الذي تغير فيه الرأي الغربي سارع الكثير في تركيا إلى اعتبار أن هناك مؤامرة".
ويرى الباحث أن "الأحداث التي تبعت في السنوات اللاحقة عمقت هذه الشروخ كلها، وجعلت ثمنها يبدو أكبر لأردوغان، ففي الوقت الذي كانت فيه حكومات تركية أخرى ستغير من موقفها لتجنب الخلاف مع شركائهم، كان أردوغان ميالا إلى زيادة الضغط حتى لو عنى ذلك العزلة".
ويشير دانفورث إلى أنه "بعد الانقلاب في مصر بقيت أنقرة معارضة بشدة للسيسي، حتى عندما قررت السعودية والإمارات وإسرائيل دعمه، هذا الموقف تحول إلى شرخ إقليمي، ووجدت تركيا نفسها مصطفة ضد تلك البلدان في عدة قضايا، تمتد من ليبيا إلى القرن الأفريقي، وعندما قامت السعودية والإمارات بدعم من واشنطن على ما يبدو بفرض حصار على قطر عام 2017، سارع أردوغان إلى دعم قطر، مقتنعا بأنه أيضا سيكون يوما مستهدفا منهم، والآن في شرق البحر الأبيض المتوسط يتسبب التعاون اليوناني القبرصي المصري الإسرائيلي بشعور أنقرة بالحصار محليا".
ويلفت الكاتب إلى أنه "في سوريا في الوقت الذي كانت فيه أنقرة تقف وتراقب على أمل أن يهزم تنظيم الدولة الأكراد السوريين، أدت إلى تحول ما كانت تراه تركيا نظرية مؤامرة إلى حقيقة، فخلال الحرب الباردة دعمت أمريكا تركيا ضد حزب العمال الكردستاني الشيوعي، لكن في الحرب الأولى والثانية مع العراق، وجدت أمريكا نفسها تدعم أكراد العراق للحصول على حكم ذاتي، وهذا غذى قناعة بين الأتراك بأن واشنطن تدعم مباشرة المتمردين الأكراد في تركيا كطريقة لتقسيم البلد، ولذلك عندما بدأت واشنطن بتسليح المنظمة الشريكة لحزب العمال الكردستاني، وهي وحدات حماية الشعب في سوريا، بدا ذلك تأكيدا لأشد مخاوف الأتراك على مستوى الطيف السياسي، وفي الواقع ساعد ذلك في تقوية تحالف أردوغان مع فصيل مهم من القوميين".
ويؤكد دانفورث أنه "لم يكن هناك شيء يجعل السياسة الخارجية تبدو وجودية مثل محاولة الانقلاب الفاشلة عام 2016، فقد استنتج أردوغان أن أعضاء حركة غولن يقفون خلف الانقلاب الفاشل، وهذا يعني أيضا أن واشنطن كان تقف خلف محاولة الانقلاب. وفشل واشنطن في تسليم غولن زاد من شكوك تركيا".
وينوه الباحث إلى أنه "بعد محاولة الانقلاب أصبحت نغمة الحوار الثنائي الأمريكي التركي عاطفية، حيث أصبح من الصعب على المحاورين الأمريكيين توضيح السياسات الأمريكية للجمهور التركي المعادي، حتى كان من الصعب أحيانا الدعم الكامل لقرار واشنطن دعم وحدات حماية الشعب الكردية ضد تنظيم الدولة، في الوقت الذي تطلب فيه أدلة لتسليم غولن، حيث إن تلك السياسات معا تبدو شريرة من وجهة نظر الجانب الآخر".
ويجد دانفورث أنه "في المنطق ذاته، فإن شعورا بضرورة شجب القرارات السياسة الخارجية التركية مباشرة جعل الأمر أصعب لواشنطن أن تفهمها بشكل صحيح أو تتوقع تصرفاتها، كما هو واضح من الاعتقاد الشائع بأن أردوغان في النهاية لن يمضي في صفقة نظام S-400، حيث فسر الأمريكيون بعض تصرفات أردوغان المثيرة على أنها محاولة منه للحصول على تنازلات أمريكية أكثر، ومن وجهة النظر هذه كان نظام S-400 الروسي ورقة مفاوضات للحصول على صفقة أفضل لنظام الدفاع الجوي الأمريكي، واعتقال المواطنين الأمريكيين وموظفي القنصلية محاولة لتسلمه أمريكا غولن، ونشر تفاصيل مقتل الصحافي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول هو محاولة لابتزاز الرياض حتى للحصول على أموال منها".
ويفيد الكاتب بأنه "مع ذلك فإن أنقرة قدمت تلك التحركات على أنها دفاعية وطامحة، وعليه فيبدو أن المواجهة يحركها اعتقاد بأن تلك هي الطريقة الوحيدة التي تستطيع أنقرة من خلالها أن تعيد ترتيب علاقاتها مع الغرب، تضطر واشنطن لإعادة التفكير في سياساتها العدوانية، وللقناعة بأن تركيا أهم بالنسبة للغرب من أن يخسرها، سعت أنقرة لرفع ثمن إهمال المصالح التركية، متوقعة أن أمريكا ستتراجع في المحصلة".
ويقول دانفورث: "في عالم فوضوي وخطير تضع أنقرة ثقتها في القوة، ففي بدايات عام 2018 مثلا عندما تحركت واشنطن لتقوية وحدات حماية الشعب الكردية في شمال شرق سوريا، شنت تركيا اجتياحا لعفرين، التي كانت تسيطر عليها تلك القوات، وأعلن المعلقون الأتراك أن استعراض القوة ذاك يثبت أنه لا يمكن إهمال تركيا، وأعلنوا أن ذلك ثبت عندما أعلن ترامب عن نيته الانسحاب من سوريا لاحقا، والآن تقوم تركيا باتخاذ الخطوات ذاتها للحصول على نصيب من مصادر الطاقة في شرق البحر الأبيض المتوسط، حيث أرسلت سفنا حربية لإعاقة أعمال التنقيب القبرصية عن الغاز الطبيعي، بينما تقوم هي بالتنقيب، وكما قال أردوغان: (كما أننا علمنا الإرهابيين درسا في سوريا فلن نتنازل للصوص في البحر)".
ويختم الباحث مقاله بالقول إن "المشكلة لصناع القرار الغربيين، بما فيهم صناع القرار في واشنطن، هي تقرير مدى حدة العقوبات التي يجب فرضها على تركيا بسبب شرائها لنظام S-400، فإن رد فعل قاسيا سيؤكد اعتقاد تركيا بأن أمريكا معادية، في حين أن رد فعل ضعيفا سيعزز اعتقادها بأن ما تقوم به يحقق نتائج، بالإضافة إلى أن تركيا تواجه مشكلة أكبر، فقد تؤدي التحركات المستفزة إلى إيقاف بعض السياسات المزعجة على المدى القصير، لكنها ستعمق العدوانية والحصار الذي تخشاه أنقرة، وباختصار فإن لكل من الطرفين أسبابه لإيجاد فرصة تقارب، والخشية من أنه مع غياب ذلك ستصبح العلاقات أكثر مواجهة".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)