ثمة دلائل قوية على أن الإمارات انسحبت من المعركة الحقيقية التي جاءت إلى اليمن بناء على أسبابها الظاهرية، ومنها تعضيد السعودية في المقام الأول، ودعم مزعوم للسلطة الشرعية.
فالأنباء التي ترددت مؤخراً ولم تتبنها الإمارات بعد، ومفادها أن أبو ظبي بدأت انسحاباً عسكرياً من اليمن، وتُرجم بشكل حرفي في محافظة مأرب، حيث النفوذ القوي للسلطة الشرعية، ليست إلا تأكيداً لخيار الامارات المبكر بالنأي بالنفس عن معركة السعودية في اليمن.
وفي سياق تصور واضح كهذا، يمكن اعتبار المعارك التي دارت في الحديدة في منتصف 2018 آخر المعارك التي أشرفت عليها الإمارات، وجرى اعتبارها حينها بأنها تلبي جانباً من المخاوف الأمنية السعودية، لكن هذه المعارك سرعان ما انتهت إلى وضع بالغ التعقيد؛ تحولت معه مدينة الحديدة، كبرى مدن اليمن على الساحل الغربي، إلى خط هدنة محفوف بالمخاطر، وإلى ساحة متخمة بالألغام والتحصينات والخدمات المتردية، وإلى بيئة طاردة لسكانها المتعبين.
المعارك سرعان ما انتهت إلى وضع بالغ التعقيد؛ تحولت معه مدينة الحديدة، كبرى مدن اليمن على الساحل الغربي، إلى خط هدنة محفوف بالمخاطر، وإلى ساحة متخمة بالألغام والتحصينات والخدمات المتردية
أراد المجتمع الدولي أن يجعل ترتيبات إنهاء الحرب في الحديدة أنموذجاً للحل السياسي الذي يمكن أن ينهي الصراع في اليمن، لكن الإمارات، وبنيّة مسبقة، تعمدت أن تصل الأمور في الحديدة هذه النهاية؛ التي تكاد أن تكون هي السائدة في اليمن برمته في هذه المرحلة من تاريخ البلاد، حيث المراوحة في حالة اللاحرب واللاسلم واللاحسم.
يجب أن لا يذهب الجميع وراء ما تروجه الإمارات بشأن انسحابها من اليمن، فالانسحاب بالمعنى الكلاسيكي الذي تسربه أبو ظبي غير صحيح بالمطلق، والحقيقة أنها انسحبت من المعركة المواجهة المفترضة ضد الانقلابيين
الحوثيين، والتي تخدم في جانب منها الاستراتيجية السعودية لدفع الخطر عن حدها الجنوبي.
فلم يسجل حتى الآن انسحاباً عسكريا للإمارات من عدن أو الساحل الغربي، سوى أنها عملت إلى
إعادة تموضع آلياتها وقواتها محدودة العدد في أماكن محصنة وقريبة من مواقع الإخلاء المحتمل.
كما أن الوجود العسكري الإماراتي
لا يزال على ما هو عليه في جنوب البلاد وغربها، ووجود كهذا مهمته الأساسية هي حراسة مشروعها الطموح للهيمنة على الموانئ والممرات الاستراتيجية، والحيلولة دون نجاح القوى الوطنية في الدفع بمعركة الخلاص من الانقلابيين قدماً، لكنها انسحبت من صرواح شمال مدينة مأرب، وهذا يفيدنا في إثبات أن الإمارات تخلت عن دعم معركة استعادة صنعاء.
الوجود العسكري الإماراتي لا يزال على ما هو عليه في جنوب البلاد وغربها، ووجود كهذا مهمته الأساسية هي حراسة مشروعها الطموح للهيمنة على الموانئ والممرات الاستراتيجية
لكن هل القوات الإماراتية كانت عاملاً إيجابياً في التقدم عبر مسار صرواح؟ الإجابة لا.. لقد عمدت إلى تحويل تلك الجبهة إلى ساحة استنزاف للجيش الوطني، ولما لم يتمكن الحوثيون من إنجازه، تكفلت به هي عبر الضربات الخاطئة وشبه الخاطئة، والمتعمدة أحياناً.
وفي غرب البلاد، ثمة معلومات تفيد بأن الإمارات تمارس ضغوطاً هائلة على قادة ألوية العمالقة لتسليم أسلحتها الثقيلة إلى المجلس الانتقالي، وهي ضغوط تقابل بالرفض حتى الآن. ولهذه المعلومات أهمية خاصة في إثبات أن الإمارات لم تعد جزءا من المعركة ضد الانقلابيين، وهي المعركة التي لا تزال الرياض مضطرة لخوضها ذوداً عن حدها الجنوبي.
الإمارات تغطي بادعاءات الانسحاب على مخططها التخريبي الخطير جداً، وتدفع بالمواجهة إلى حدودها القصوى مع الشرعية وقواتها في المحافظات الجنوبية، على نحو ما حدث مؤخراً في
محافظتي أرخبيل سقطرى وشبوة. والتركيز ينصب على المرافق والمنشآت، وعلى فرض واقع جديد عنوانه السيطرة المطلقة للمجلس الانتقالي على مقدرات الدولة الاقتصادية، وخصوصاً المنشآت النفطية والخطوط والموانئ المرتبطة بها.
هذا التوجه يكشف عن نية حقيقية لتوجيه مقدرات الدولة في خدمة المخطط التخريبي للإمارات،
والذي تنوي تنفيذه بالكامل خلال المرحلة المقبلة، خصوصا إذا بقيت السلطة الشرعية بهذا المستوى المحبط من الأداء، وبهذا القدر من الضعف، وإذا لم تتوفر خيارات فعالة لمواجهة هذا المخطط الذي لن يكون أقوى من إرادة اليمنيين.
وطبقاً لتقارير رصينة فإن دافع أبوظبي هو التحلل من أهداف الحرب التي تبدو غير شعبية في الغرب، وإبقاء نفسها معنية أكثر من أي طرف آخر بمحاربة ما تسميه الإرهاب والجماعات الإسلامية المتطرفة وهو التوصيف الذي تستخدمه ابوظبي للإشارة إلى حزب التجمع اليمني للإصلاح الموالي للحكومة الشرعية، على وجه التحديد.
الامارات باتت طرفاً سيئاً في معادلة الصراع الدائر في اليمن، بالنظر إلى توفر مؤشرات على أنها باتت جزءا من مخطط تمكين الحوثيين، بعد أن فشلت في تحويل المعركة إلى هدف أساسي، وهو القضاء على الحوامل السياسية للثورة
وما يمكن قوله بيقين هو إن الامارات باتت طرفاً سيئاً في معادلة الصراع الدائر في اليمن، بالنظر إلى توفر مؤشرات على أنها باتت جزءا من مخطط تمكين الحوثيين، بعد أن فشلت في تحويل المعركة إلى هدف أساسي، وهو القضاء على الحوامل السياسية لثورة الحادي عشر من شباط/ فبراير، وفي مقدمتها الإصلاح.
لذا، فإنها مصممة على ما يبدو على إعادة تموضعها الشرير في الساحة اليمنية، والمضي في معركتها الخاصة للخلاص من القوى الوطنية، وتنصيب دمى خاصة بها تحت مسميات مختلفة ومشاريع متناقضة، وأجندات معادية للمشروع الوطني لليمن، وهدفها النهائي هو تشطير اليمن، والدفع بمطالب الاستفتاء على الانفصال إلى واجهة الخطاب السياسي والإعلامي المتشنج للقوى الانفصالية المدعومة من أبو ظبي، تمهيداً للخطوة التالية والأهم، وهي سلخ أرخبيل سقطرى عن التراب اليمني.