هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
انخفضت وتيرة المعارك في الشمال السوري خلال الشهر الماضي، لتشهد جبهات القتال ثباتا نسبيا في مناطق النفوذ والسيطرة، وعدم تمكن النظام من التقدم ميدانيا على حساب المعارضة في حملته العسكرية التي بدأها منذ نيسان/ أبريل الماضي في ريف حماة الشمالي.
وترصد "عربي21" في هذا التقرير من خلال خبراء وعسكريين أسباب عدم قدرة النظام على إحراز أي تقدم ميداني جديد على حساب المعارضة.
امتصاص الصدمة وضباط منشقون
من جانبه، أرجع ناجي مصطفى، الناطق الرسمي باسم "الجبهة الوطنية للتحرير" التي تعد أبرز الفصائل المسلحة التي تتصدى للنظام، سبب تراجع وتيرة المعارك إلى "تمكن الثوار من امتصاص صدمة التقدم الميداني للنظام وحملته العسكرية التي شنها في أرياف حماة".
وقال لـ"عربي21" إن "الفصائل استطاعت تثبيت المنطقة، وصد تقدم قوات العدو، وعدم السماح لها بالتقدم على كافة المحاور، من خلال تكتيكات عسكرية وخطط وضعها الضباط المنشقون داخل غرف العمليات".
وأكد أن "هذه الخطط أجبرت النظام على الثبات في مكانه، ولقي انهيارات كبيرة في صفوفه، ووجد أن المعركة ذهبت إلى الاستنزاف بشكل كبير في قواته، لذلك لم يتمكن من التقدم".
ثبات المعارضة وأسلحة نوعية
وأرجع كذلك سبب عدم تمكن النظام من إحراز أي تقدم جديد في مناطق المعارضة، إلى "ثبات الثوار على الجبهات، ما أدى إلى توقف تقدم النظام وإفشال الخطط التي وضعها العدو".
وشدد مصطفى على أن "الأسباب عسكرية بحتة، من خلال ثبات الفصائل، وامتلاكها لقوى عسكرية نوعية وأسلحة نوعية تملكها الفصائل، واستنزاف العدو من خلال تكبيده خسائر كبيرة في الأرواح".
اقرأ أيضا: هكذا قلبت معركة "الفتح المبين" معادلة حماة وحققت 3 أهداف
وكان سلاح المعارضة الأكثر فاعلية في معاركها، هو الصواريخ الموجهة المضادة للدروع:
- "التاو"
- "الكورنيت"
- "الكونكورس"
معارك استنزاف
من جانبه، قال المحلل العسكري العميد الركن المنشق عن النظام السوري أحمد رحال، لـ"عربي21"، إن المعارك في الشمال السوري باتت معارك استنزاف أكثر من كونها سيطرة على مواقع جديدة.
وأعاد ذلك لسببين رئيسين:
الأول: النظام لم تعد لديه القدرة على التقدم، ذلك أن الفصائل عملت خطا دفاعيا قويا، وانكشفت نقاط القوة لدى النظام وتم القضاء عليها.
وثانيا: سيطرت الفصائل على مناطق الجبين وتل الملح وكفرهود التابعة للنظام، وقطعت الإمدادات عنه، ما أثر عليه، إلى جانب أن المناطق التي كان يمثل فيها النظام خطورة قامت المعارضة بإخلائها، وتمترست في مناطق أفضل مكنتها من صد هجوم النظام".
إرادة القتال
وأشار الرحال إلى سبب آخر، هو أن "روسيا وصلت إلى قناعة بأن جيش الأسد لا يملك إرادة القتال، وأن الفيلق الخامس لم يستطيع أن يعوض الغياب الإيراني وحزب الله، لذلك أصبح المشهد الآن معارك استنزاف".
وعن وجود أسباب سياسية، تؤثر على وتيرة المعارك، لفت الرحال إلى أن "الفصائل المسلحة لم تدخل بزخمها الكبير، من خلال السعي إلى أن تستعيد أراضي سيطر النظام عليها، فهي لا تقدر أن تتجاوز العامل التركي الذي هو عامل ضبط في المعركة".
العامل السياسي موجود
وقال: "قد يكون هناك تفاهمات روسية تركية على شيء ما، في ظل ضغوط أوروبية وأمريكية على روسيا مؤخرا، فقد سمعنا كلام الفرنسيين عن أن ما يقوم به الروس ليس عملية ضد الإرهاب بل ضد المدنيين".
وأوضح أن "قوات التحالف الدولي قامت أول أمس بقتل قيادات من حرس الدين، كنوع من تعرية الموقف الروسي بأن من يريد أن يضرب الإرهاب فها هو موجود، وقامت بضربة ضده". و"حراس الدين" فصيل جهادي يصنفه التحالف "إرهابيا" ويتشارك في الأيديولوجيا مع تنظيم الدولة.
وعن العوامل السياسية أيضا، قال الرحال إن "الغاية من العملية العسكرية الأخيرة بالنسبة لروسيا، أنها فشلت بإنتاج أي حل سياسي، لذلك تحاول فرض حل عسكري بالقوة، وهذا الأمر ترفضه أمريكا، لأنها لا تقبل أن تسيطر موسكو على شمال سوريا لأن ذلك يضعف أوراقها".
وأكد كذلك أن تركيا تعتبر هذه المناطق ضمن نفوذها، وأي سيطرة للنظام على هذه المنقطة، يضعف دورها على طاولة الحل السياسي، لذلك فهي تحاول تقوية وجودها العسكري هناك، لا سيما نقاط مراقبتها، الأمر الذي له أثر على سير المعارك.
وشدد على أن تركيا ليست لها مصلحة في أن يخسر الجيش الحر في هذه المناطق، في حين أن روسيا تطمح لفرض حل عسكري ولكن ليس لديها قدرة لتحمل خسائر كبيرة.
اشتعال مناطق أخرى
ومن الأسباب كذلك، ما أشار إليها الرحال، أن المناطق التي تحت سيطرة الروس والنظام تحركت من جديد في الجنوب السوري ودير الزور، وكذلك مناطق تواجد تنظيم الدولة، وبالتالي فإن الأمر يستدعي رصد قوة عسكرية لها، بمعنى أن النظام غير قادر على زج كل قواته في معركة الشمال.
وأكد أن تنظيم الدولة أصبح نشطا جدا ما بين المحطة الثانية والثالثة ومنطقة السخنة والبادية السورية، وكبد النظام خسائر بأرقام مذهلة.
وقال إن اتفاق تهدئة بين النظام والتنظيم فشل.
ولفت كذلك إلى أن الجنوب السوري شهد ظهورا للمعارضة من جديد، وهناك تحركات عسكرية للثوار متجددة.
الهجوم والدفاع
من جانبه، قال المحلل السوري عماد زريق، إن من الأسباب لعدم تمكن النظام من التقدم ميدانيا، تحوله من الهجوم إلى الدفاع بفعل فتح المعارضة لجبهات جديدة في مناطق النظام السوري، آخرها في جبل الأكراد شمال اللاذقية.
اقرأ أيضا: هجوم للمعارضة على مواقع قوات النظام بجبل الأكراد باللاذقية
ولفت في حديثه لـ"عربي21"، إلى أن المعارضة تمكنت بعد صد هجوم النظام، وتلقيه صدمة جراء ذلك، من أن تهاجم محاور مهمة داخل المناطق تحت سيطرة النظام، واستهدفت نقاط إمداداته، ما أربك خططه وجعله يتحول إلى الدفاع عوضا عن الهجوم والتقدم أكثر في مناطق المعارضة.
الجغرافيا العسكرية
وأشار زريق إلى أن غالبية المناطق التي سبق أن تقدم فيها النظام السوري منذ بداية حملته العسكرية الميدانية في ريف حماة الشمالي، هي ساقطة عسكرية، وجعل انسحاب المعارضة منها إلى مناطق استراتيجية ومرتفعة مهيئا لرد الهجوم بهجوم مماثل، ووضع خطط عسكرية للسيطرة على مناطق تابعة للنظام مثل الجبين وتل الملح.
وقال إن النظام السوري وجد صدّا دفاعيا لم يكن يتصوره، لا سيما في مناطق عدة في ريف حماة الشمالي وكذلك في اللاذقية وتحديدا في تل الكبانة، إذ حاول مرارا السيطرة عليها ولكنه فشل حتى الآن من السيطرة على المناطق المرتفعة هناك.
اقرأ أيضا: النظام يستميت بتل الكبانة باللاذقية.. هذه أهميتها الاستراتيجية
وأوضح أن خصائص منطقة العمليات ومعارك المعارضة، جعلت النظام ثابتا غير قادر على التقدم، إذ إن الجغرافيا الجبلية تلعب لصالح المعارضة التي تمترست جيدا فيها.
العمل العسكري المشترك
ولفت زريق إلى أن من الأسباب أيضا، التنسيق العسكري بين كامل الفصائل المسلحة في الشمال السوري، الأمر الذي لم يكن موجودا سابقا في المناطق التي سيطر عليها النظام جنوب البلاد ووسطها.
وسبق أن أعلنت فصائل المعارضة السورية شمال سوريا، غرفة عمليات مشتركة للتصدي لهجمات النظام السوري وحلفائه على منطقة خفض التصعيد.
اقرأ أيضا: "كفرنبودة" توحد فصائل بشمال سوريا باجتماع لأول مرة لقادتها
وأكد أن التنسيق العسكري المشترك، مكن المعارضة من الثبات، والتقدم الميداني، وإرباك النظام وروسيا في ريف حماة الشمالي.
وقال إن غرفة العمليات أمنت تنسيقا أكبر بين الفصائل، ونظمت عمليات الهجوم والدفاع.