هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بعيدا عن الاختيار غير الموفق للمعبود أنوبيس، وعرضه بمجسم كبير بإستاد القاهرة قبل إخراجه منه على إثر التهكم والسخرية التي طالت منظمي البطولة، وبعيدا أيضا عن أن أنوبيس (وكما عرفنا في عقيدة المصريين القدماء) هو فاتح الطريق وقائد الأرواح إلى الدار الأخرة، وهو حامي وحارس الجبانة، وهو محنط الأموات، وقد مثلّه المصريون القدماء على هيئة حيوان ابن آوى أسود اللون، أو على هيئة إنسان برأس كلب يربض على قاعدة تمثل واجهة المقبرة. وابن آوى معروف بطبعه الحاد وشراسته المستأسدة، كما أنه ينجذب نحو رائحة الجيف، ولذا فقد وصف بنباش القبور.. بعيدا عن كل ذلك، ففي هذه الأثناء التي تتطلع فيها الشعوب الأفريقية والعربية نحو مصر؛ لاستضافتها كأس الأمم الأفريقية (التي نأمل لها النجاح)، يجدر بنا أن نربط بين الماضي والحاضر في هذا المجال الذي الذى لاقى اهتماما كبيرا من قبل المصريين قديما وحديثا.
فالمصري القديم، اهتم بالألعاب الرياضية ومارسها بوضوح؛ إلا أنه لم يكن مهووسا بها كما نحن عليه الآن، هذا بالرغم من أنه قد سبق اليونان أنفسهم (الذين كانوا أول من أقام المسابقات الرياضية) في الاهتمام بها. فالمتفحص للأمر يتضح له بجلاء أن المصريين القدماء سبقوا غيرهم في ممارسة الرياضة بأنواعها المختلفة.
والمصريون القدماء لم يمارسوا الرياضة لارتباط بعض أنواعها بالشعائر الدينية وفقط؛ بل مارسوها أيضا من أجل الاستمتاع والترفيه عن النفس، هذا فضلا عن أنهم اعتبروها ذات دور كبير في تربية النفس وتهذيبها.
ولم تكن الرياضة حكرا على أفراد الشعب فقط؛ بل كان يمارسها الملوك والأمراء أيضا. فها هو الملك "سنوسرت الثالث" (1878-1839 ق.م) كان يتدرب برفقة بعض كبار رجال القصر، ولم يكن يتناول إفطاره ورفقاؤه إلا بعد الـ"الجري" لمسافة معينة، كما أن الأمير "جحوتي حتب" الذي يعود لعصر الملك سنوسرت الثالث أيضا؛ يصف نفسه داخل مقبرته الشهيرة بالمنيا، بأنه الرجل الرياضي.
كما لم تكن الرياضة حكرا على الرجال فقط، بل إن هناك مناظر عديدة أظهرت أن النساء في مصر القديمة مارسنها، وإن كانت رياضات تتناسب معهن؛ كالوثب واللعب بالكرة وغيرها.
ومورست الرياضة في مصر القديمة بصورة فردية كما مورست بشكل جماعي، وأقيمت في الشوارع، والحقول، والميادين العامة، والساحات المُعدة لها، كما أقيمت في المدارس بشكل منتظم؛ حتى أن المعلمين كانوا يُحذرون التلاميذ من الانشغال بها أكثر من الدراسة، فها هو معلم ينصح تلميذه قائلا: "لا تصرف ذهنك لساحة اللعب، ودع الرمي والقذف، واقض يومك وأنت تكتب بأصابعك، واقرأ في السماء"، في حين نرى معلما آخر لاحظ انشغال أحد التلاميذ باللعب أكثر من انشغاله بالدرس فحذره قائلا: "إن ما أقوله لك ليس في ذهنك، إنما أنت في ساحة الملعب دائما؛ كالفرخ الذي يسير من خلف أمه"!
ولعبة "الكرة" بشكل خاص مُورست بوضوح من قبل المصري القديم، كما ظهر ذلك من خلال المناظر والنقوش الموجودة على العديد من المعابد والمقابر، وإن كانت المناظر توحي بأن لعبة الكرة التي مورست هي لعبة "الكرة اليد"، فكثيرا ما نشاهد على الجدران الأثرية شخصين أو فريقين يتبادلان قذف الكرة باليد. ولم تكن لعبة الكرة هي الرياضة الوحيدة التي مارسها المصري القديم، بل تعددت تلك الرياضات وتنوعت؛ ومنها:
المصارعة والملاكمة: فالمصارعة كانت محببة لدى المصري القديم، وأقدم منظر يدل عليها (مما تم اكتشافه حتى الآن) ما يوجد بمقبرة المسؤول المصري "بتاح حتب" بسقارة، من الأسرة الخامسة، ولكن أهم مناظرها على الإطلاق ما يوجد بمقابر "بني حسن" بالمنيا، أما الملاكمة؛ فمناظرها موجودة أيضا وإن كانت نادرة.
رفع الأثقال: حيث وجد منظر من عصر الدولة الوسطى عبارة عن ثلاثة رجال، يحاول أحدهم رفع كيس مملوء بالرمال إلى أعلى والاستمرار في حمله.
المبارزة بالعصى: أو التحطيب ولا تزال من الألعاب الشيقة لدى الشباب والرجال بقرى مصر وريفها، ومناظرها تُشاهد بكثرة على جدران الآثار المصرية القديمة، وفيها نرى شخصين يمسك كل منهما عصى بيده اليمنى للمبارزة، وعصى أخرى بيده اليسرى؛ لحمايته من الضربات المباغتة من منافسه.
هكذا يتضح لنا أن المصري القديم كان مهتما بالرياضة منذ القدم، لكنه لم يكن مهووسا بها كما نحن عليه الآن!