هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا للكاتب المصري علاء الأسواني، يتحدث فيه عن كيفية استخدام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مكافحة الإرهاب لتعزيز سلطته.
ويقول الأسواني في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إن علاء عبد الفتاح كان مبرمج حاسوب محترفا، ومثل ملايين الشباب المصري كان يحلم بالديمقراطية في بلده، وقام عام 2005 بإنشاء مدونة أطلق عليها "منال علاء"، جمع في عنوانه اسم زوجته منال واسمه، وكان يدعو في مدونته لإنهاء حكم مبارك الديكتاتوري، وكان يعمل في جنوب أفريقيا عندما اندلعت الثورة في مصر عام 2011، فعاد مباشرة إلى مصر للمشاركة في الثورة الشعبية.
ويشير الكاتب إلى أنه عندما أصدر الرئيس محمد مرسي مرسوما بمنح نفسه صلاحيات فوق القانون، فإن عبد الفتاح قام بالانضمام لملايين المتظاهرين المصريين في حزيران/ يونيو 2013 يدعون لانتخابات رئاسية مبكرة، ثم شجب المذبحة التي ارتكبها نظام عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع الذي انقلب على الرئيس وأصبح رئيسا، في آب/ أغسطس 2013 بحق الإسلاميين، وأخيرا انضم في تشرين الثاني/ نوفمبر من ذلك العام إلى المظاهرات السلمية ضد محاكمة المدنيين في محاكم عسكرية.
ويلفت الأسواني إلى أن "تلك كانت هي نهاية نشاطه السياسي، حيث اعتقله المسؤولون وحكمت عليه المحكمة بالسجن 5 سنوات، و5 سنوات تحت الرقابة بعد الخروج من السجن، وهذا يعني أنه بالرغم من إطلاق سراحه في آذار/ مارس، إلا أنه يقضي كل ليلة من الساعة 6 مساء وحتى الساعة 6 صباحا في زنزانة مغلقة في محطة شرطة في القاهرة، فتم تبديد 10 سنوات من حياة شاب مصري لأنه وقف لدقائق للتعبير عن رأيه بشكل سلمي".
ويقول الكاتب: "أما قانون منع التظاهر الزائف الذي سنه السيسي، الذي سجن عبد الفتاح بموجبه، يجعله سجينا سياسيا -واحد من 60 ألفا في مصر بحسب (هيومان رايتس ووتش)- فالسلطات في مصر تعتقل كل من ينتقد السيسي، سواء كان ذلك في مقال أو في عمل فني أو في اجتماع أو في وسائل الإعلام الاجتماعي، فاعتقل الشاب محمود محمد حسين البالغ من العمر 18 عاما، وقضى في السجن عامين دون محاكمة لأنه ارتدى قميصا يحمل عبارة (دولة دون تعذيب)، وأنا مهدد لكتابتي هذا المقال، لكني أعتقد أن من واجب الكاتب أن يدافع عن الحرية".
وينوه الأسواني إلى أن "المعارضين في مصر يشكلون أمة خاصة بهم؛ وقد حاولت تصوير هذا العالم من خلال روايتي (عمارة يعقوبيان)، ففيها إحدى الشخصيات الرئيسية لشاب اسمه طه الشاذلي، الذي كان يحلم أن يصبح ضابط شرطة، ويعمل باجتهاد، ويحصل على معدلات جيدة، لكن لا يقبل في أكاديمية الشرطة بسبب خلفيته الاجتماعية الفقيرة، لكونه ابن بواب، وبسبب إحباطه فإنه يلجأ إلى مسجد يقع داخله تحت تأثير داعية إسلامي متطرف، وتعتقل الشرطة طه للاشتباه بتورطه في الإرهاب، ويقومون بتعذيبه واغتصابه، وبعد خروجه يتم تجنيده من المتطرفين، مقنعين إياه بالسعي للانتقام من النظام الذي عامله بوحشية، والمجتمع الذي غض الطرف عن هذا الإيذاء، إن هذه الشخصية مبنية على شخصية شاب كنت أعرفه، وكانت تلك طريقه للتطرف، وهي تعكس تطرف الآلاف من الشباب المصري".
ويبين الكاتب أن "نظام السيسي لا يحاول حتى التظاهر باحترام حقوق الإنسان، وقال تقرير عن مصر لمنظمة العفو الدولية عام 2017 – 2018: (استخدمت السلطات التعذيب وسوء المعاملة والاختفاء القسري ضد المئات من الناس، وتم إعدام العشرات خارج القانون، وبحصانة من العقاب)".
ويفيد الأسواني بأن "وزارة الداخلية تقوم بالإعلان عن الإصابات بين (الأعداء) في الاشتباكات المسلحة بين قوات الأمن والإرهابيين مع نشر صورهم بجانب البيانات الرسمية، وأكد تحقيق حديث لـ(رويترز) بأن الكثير من القتلى لا يمكن أن يكونوا قد قتلوا في اشتباكات، لكن تم إعدامهم خارج القانون، وبحسب عائلة خالد إمام (37 عاما)، الذي كان مدربا على رفع الأثقال، فإنه تم اعتقاله في حزيران/ يونيو 2017، وبعد ذلك بأربعة أشهر، أعلنت وزارة الداخلية أن ثلاثة أشخاص قتلوا في اشتباك مع الشرطة، وذكرت اسمي رجلين كانا صديقين لإمام، واعترفت مصادر أمنية بأنه كان الضحية الثالثة، وقام أقاربه بالتعرف على جثمانه الذي كان يحمل علامات التعذيب في المشرحة".
ويذكر الكاتب أن محمد ابو عامر (37 عاما)، الذي يعمل بستانيا، تم اعتقاله في شباط/ فبراير 2017 بحسب عائلته، وظهرت صورة لجثمانه بعد خمسة أشهر مع بيان من وزارة الداخلية تقول فيه إنه قتل في اشتباك بالأسلحة النارية.
ويشير الأسواني إلى أن "المجموعات الحقوقية قامت بتوثيق مئات الحالات من الاختفاء القسري، ويختفي المعارضون السياسيون، ربما ليظهروا بعد أيام أو أسابيع أمام المحكمة ليحاكموا باعترافات أدلوا بها تحت التعذيب، وأحيانا يختفون، كما هو الأمر في حالة البرلماني مصطفى النجار، الذي وصلت زوجته مكالمة من مجهول في الخريف الماضي، يخبرها بأنه تم اعتقال زوجها، ولم تسمع شيئا عن زوجها منذ ذلك الحين".
ويقول الكاتب: "لقد ماتت حرية التعبير في عهد السيسي، فيسيطر النظام على الصحف وقنوات التلفزيون والأفلام وشركات الإنتاج التلفزيوني، وكلها تحولت إلى أبواق تطبيل للسيسي، وانظر إلى ما حصل معي، فمنذ أن أصبح السيسي رئيسا، منعت من الظهور على التلفزيون، أو الكتابة في الصحف المصرية، (وأخبرني مقدم برامج تلفزيون كان المفروض أن أظهر على برنامجه بأنه من غير المسموح لي بالظهور على التلفزيون)، وبعدها تم منع صالون ثقافي كنت أقيمه كل أسبوع لعقدين من الزمان، واضطررت لنشر روايتي الأخيرة (جمهورية كأن) في لبنان؛ لأن الناشرين في مصر كانوا خائفين من نشرها، وفي آذار/ مارس قام محامو الادعاء العسكري بتقديم قضية ضدي في محكمة عسكرية، بناء على روايتي ومقالاتي التي أنشرها في الموقع العربي التابع للتلفزيون الألماني".
ويلفت الأسواني إلى أن "السيسي يقول إن حملات القمع هذه هي (حرب على الإرهاب)، وحقيقي أن إبعاد الاخوان المسلمين من الحكم عام 2013 كان ضربة قوية للتيارات الاسلامية في أنحاء العالم، وأدى إلى هجمات ارهابية من المتطرفين الإسلاميين في مصر تسببت بمقتل المئات، من أفراد الجيش والشرطة والمدنيين".
ويستدرك الكاتب قائلا: "يبدو أن السيسي يفكر بأن الاستيلاء على السلطة مبرر بسبب هذه الهجمات، ويستخدمها حجة لماكنة القمع التي تستهدف معارضيه السياسيين أكثر من الإرهابيين، وأجرى من فترة قريبة استفتاء لتعديل الدستور لتمديد فترة حكمه حتى عام 2030، ما يمنحه سلطة التحكم في القضاء، ويضع الجيش فوق العملية السياسية، وبحسب النتائج الرسمية وافق 89% من الناخبين على التعديلات، (وتقوم السلطات في مصر بتزوير الانتخابات منذ عام 1952 عندما سيطر الجيش على السلطة)".
ويؤكد الأسواني أن "آلة القمع قامت بسحق الأصوات المعارضة، لكنها لم تقض على الضغوط السياسية التي تخيف الرئيس، ويعلمنا التاريخ بأن القمع لا يقضي على الإرهاب لكنه يزيد من حدته، فماذا يمكن أن نتوقع أن يحصل لشخص بعد أن يتم تعذيبه وإهانته ويتم التعامل معه بلا إنسانية؟ كل ضحية للقمع في بلده مرشح لأن يصبح إرهابيا محليا، وعندما يتم تعذيب المعارضين وسجنهم لسنوات طويلة ويرسل بهم إلى الجلاد، فإن آلافا من الشباب اليائسين سيقتنعون بأن العنف هو الطريق الوحيد لإحداث التغيير".
ويختم الكاتب مقاله بالقول: "لن ينتهي الإرهاب دون تحقيق العدالة، ولا يمكن تحقيق العدالة إلا من خلال حكم القانون، وحكم القانون لا يسود إلا في دولة ديمقراطية، ومصر ليست دولة ديمقراطية".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)