هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أجمع نقاد ومختصون مصريون أن فيلم "الممر" الذي دخل السباق السينمائي في موسم عيد الفطر الماضي، يمثل نقلة نوعية في صناعة الأفلام الحربية التي غابت عن مصر منذ قرابة الـ30 عاما، إلا أنهم أكدوا أيضا أن اختيار قصة هذا الفيلم على وجه التحديد، له أهداف سياسية مرتبطة بما يثار عن مشاركة رئيس نظام الانقلاب العسكري عبد الفتاح السيسي بصفقة القرن.
المختصون الذين تحدثوا لـ"عربي21"، أشاروا إلى أن الفيلم رغم أنه ليس من إنتاج وزارة الدفاع المصرية، إلا أن كل خطوات تنفيذه كانت تحت الإشراف الكامل لإدارة الشؤون المعنوية، كما أن هيئة البحوث العسكرية هي التي منحت الموافقة على قصة الفيلم، وشاركت في السيناريو والحوار.
وحسب المختصين فإن الفيلم يجسد واحدة من بطولات الصاعقة المصرية، بعد حرب حزيران/ يونيو 1967، والتي كان لها دور في مواجهة الجيش الإسرائيلي بسيناء، ولذلك فإن استدعاءها من الذاكرة العسكرية، يهدف لإعادة الصورة الجميلة والقيمة للجيش المصري في نفوس المصريين، بعد سنوات من الأزمات المتبادلة بسبب الانقلاب العسكري ضد أول رئيس مدني منتخب لمصر محمد مرسي.
من جانبه أعلن مخرج الفيلم شريف عرفة في تصريحات صحفية، أن القوات المسلحة وإدارة الشؤون المعنوية، كان لهما دور كبير في إنجاز الفيلم، بعد المساعدات الفنية التي قدموها، والإشراف على كل التجهيزات المتعلقة بالفيلم، وهو ما أشار إليه أيضا المنتج هشام عبد الخالق، الذي أكد أن هدف الفيلم، تعريف الأجيال الجديدة بدور الجيش المصري في الدفاع عن أراضى المصريين، ورفع الحالة المعنوية للشعب، حتى يتسنى لهم معرفة جيشهم وقوته.
ووفق تصريحات عبد الخالق، فإن أحد أهداف الفيلم، كان عرض التفاصيل الشخصية لضابط الجيش والعمليات الحربية التي يقوم بها، والضغوط التى يتعرض لها خلال حياته، واستعراض قصص وبطولات القوات المسلحة على أرض سيناء.
واحتل "الممر" المركز الثاني في سباق أفلام العيد، بعد أن حقق إيرادات إجمالية بلغت مليونين و100 ألف جنيه (127 ألف دولار) حتى يوم الاثنين 10 حزيران/ يونيو الجاري وفقا لغرفة صناعة السينما.
تجميل الصورة
وحسب رأي الناقد الفني سامح المهدي لـ"عربي21" فإن استغلال الجيش للسينما ليس جديدا، خاصة بعد حرب أكتوبر 1973، حيث كانت السينما فرصة جيدة لتغيير الصورة السيئة التي رسمتها هزيمة 1967، وبالفعل فقد حققت هذه الأعمال هدفها مثل "الرصاصة ما زالت في جيبي" و"أبناء الصمت" و"العمر لحظة" و"بدور"، وجميعها كانت في الفترة من 1974 إلى 1980.
ويوضح المهدي أن فترة حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك لم تشهد إلا ثلاثة أفلام كبيرة فقط، وهي "إعدام ميت" و"حكايات الغريب"، ثم "الطريق إلى إيلات"، مع بعض المسلسلات التي كانت تتحدث عن بطولات المخابرات المصرية مثل رأفت الهجان ودموع في عيون وقحة والثعلب، وأخيرا الزئبق، ولذلك فإن عودة الأعمال السينمائية الحربية مرة أخرى بعد أكثر من 27 عاما، يشير لوجود أهداف محددة من استغلال بطولات الجيش المصري.
ويضيف المهدي: "كل المنتجين يبتعدون عن أفلام الحروب وخاصة بمصر لعدة اعتبارات، أهمها الرقابة التي تفرضها القوات المسلحة على القصة والسيناريو والتصوير، بل واختيار الشخصيات في كثير من الأحيان، بالإضافة للتكلفة المالية الضخمة التي تتطلبها مثل هذه الأعمال، لأنها في النهاية، تدخل ضمن فصيلة الأكشن".
ولا يستبعد الناقد الفني أن يكون الهدف من الفيلم، إعادة الصورة الذهنية الجيدة للجيش في نفوس المصريين، في ظل الحديث المتصاعد عن صفقة القرن، والتشكيك في العملية الحربية للجيش بسيناء، والحديث عن وجود انتهاكات ضد المواطنين هناك، بالإضافة لسيطرة الجيش على الأوضاع الاقتصادية خلال السنوات الماضية.
خطوة ذكية
ويتفق الباحث في العلوم السياسية أحمد الشافعي، مع الرأي السابق، مؤكدا أن الجيش لديه وحدة بحوث واستطلاعات للرأي العام، وبالتأكيد فإن هذه الوحدة رصدت تزايدا في الآراء السلبية تجاه الجيش، بعد الانقلاب الذي نفذه السيسي في تموز/ يوليو 2013، وبعد الاتهامات التي وجهتها المنظمات الحقوقية الدولية للجيش في سيناء، والأهم من ذلك أن هناك قناعة لدى المصريين، بأن الجيش تخاذل في موضوع تسليم تيران وصنافير للسعودية.
ويؤكد الشافعي لـ"عربي21"، أن السينما لها تأثير كبير في نفوس المصريين، بدليل حرصهم على مشاهدة أفلام السبعينيات عن حرب أكتوبر، واعتبارها تأريخا لهذه المرحلة، وبالفعل كان لهذه الأفلام وغيرها تأثير في تعظيم صورة الجيش في نفوس المصريين، وهي الصورة التي تشوهت وتغيرت منذ الانقلاب العسكري، الذي ورط الجيش في صراعات مع مختلف فئات الشعب المصري وليس معارضي السيسي فقط.
ويضيف الشافعي: "يجب قراءة توقيت عرض الفيلم، وربطه بالأحداث الجارية، ولا شك هي خطوة ذكية من الشؤون المعنوية، التي أرادت استغلال هذا العدد من نجوم السينما، في استعادة مكانتها لدى المصريين، والتأكيد على أن الجيش كما دافع عن الأرض في الماضي فإنه لا يمكن أن يفرط فيها في الحاضر".