هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
على وقع استمرار المعارك في أرياف حماة واللاذقية، تعيش الأقليات السورية في المناطق القريبة من خطوط الاشتباك حالة توتر وخوف شديد، في حين يعمل النظام على استنفار وجذب أبنائها إلى صفه، بحجة الدفاع عن قراهم، وخصوصا في أرياف حماة الشمالية.
وتستعرض "عربي21" في هذا التقرير المناطق القريبة من الجبهات من جانب النظام، التي تقطنها أقليات سورية.
ريف حماة
وبسيطرة المعارضة مؤخرا على بلدة تل ملح شمالي حماة، البلدة الواقعة على الطريق الواصل بين مدينتي محردة ذات الغالبية المسيحية، ومدينة السقيلبية المدينة التي يسكنها خليط ديموغرافي (مسيحي، مرشدي، علوي، سني) بأكثرية مسيحية، باتت المعارك أمام منعطف هام.
وفي محاولة منها، لطمأنة الأقليات السورية، ودفعها إلى العدول عن الوقوف إلى جانب النظام، تواصل المعارضة إرسال رسائل طمأنة إلى أهالي هذه المناطق، وآخرها البيان الصادر عن مسؤول العلاقات العامة في "جيش العزة" المقدم سامر الصالح.
اقرأ أيضا: هكذا قلبت معركة "الفتح المبين" معادلة حماة وحققت 3 أهداف
وجاء في البيان الذي نشره الصالح على حسابه الشخصي في "تويتر" قبل أيام: "أهلنا في مدينتي محردة والسقيلبية النظام سوف يبيعكم من أول لحظة يدخل فيها مقاتلونا نحن أهلكم وأنتم منا قوموا قومة رجل ضد هؤلاء المجرمين أبعدوا كافة القواعد العسكرية عنكم واطردوا كافة الشبيحة والمليشيات الطائفية دمتم بخير".
واعتبر القيادي في "الجيش الحر"، النقيب عبد السلام عبد الرزاق، أن النظام استطاع التلاعب بورقة الأقليات في سوريا ليوحي للعالم بأنه يواجه ثورة دينية ضد الأقليات.
وأضاف لـ"عربي21" أن النظام في خضم تقهقره على الجبهات بفعل تقدم المعارضة، يحاول التركيز على محردة إعلاميا كون غالبية سكانها من المسيحيين، مؤكدا أن "النظام جعل من المدينة مقرا لعملياته ومستودعا لأسلحته التي يقتل بها أطفال ونساء الشمال المحرر".
وتابع عبد الرزاق، بالتأكيد على "قيام النظام بتحويل دير العبادة بمحردة من مكان للسلام إلى مقر للشبيحة والقتل".
وقال إن "هدف الثوار إسقاط النظام، وقصف مواقعه ومقراته التي ينطلق منها لقتلنا"، محذرا من افتعال النظام لتفجيرات في هذه المناطق كما فعل في العديد من المناطق، وعلق بقوله: "هذه سياسته فالثورة هي شعب حر ضد النظام المجرم، وكل من يقاتل مع النظام بغض النظر عن عرقه ومعتقده هو عدو لنا، وجميع السوريين هم أهلنا والثوار يضحون بكل شيء لأجل حرية الجميع وإسقاط الطاغية".
وعلى المنوال ذاته، شدد الناشط الإعلامي محمود طلحة، الموجود في الشمال السوري، على عدم طائفية الثورة السورية، محملا جهات لم يسمها مسؤولية حرف الخطاب الثوري في بعض الأحيان.
وأضاف في حديثه لـ"عربي21" أن "النظام جيّش قسما من سكان منطقة محردة للقتال معه"، مشيرا في هذا السياق إلى دعوة الفصائل أهالي هذه المناطق إلى الابتعاد عن تأييد النظام.
روسيا تحشد الأقليات
وقال طلحة، إن المعارك هناك هي دفاعية من جانب المعارضة، ما يؤكد عدم وجود نوايا سيئة لدى المعارضة تجاه مناطق الأقليات، مضيفا أن "النظام هو من بدأ الحملة الأخيرة، وليس الجيش الحر، كما يروج النظام وروسيا بين سكان هذه المناطق".
وما يدلل على ذلك، الزيارات المتكررة التي أجرتها وفود روسية عسكرية ودينية إلى مدينتي محردة والسقيلبية، وذلك قبل فترة وجيزة من بدء التصعيد.
وكانت مصادر إخبارية، قد كشفت عن زيارة أجراها وفد روسي إلى جانب العقيد سهيل الحسن، أواخر شهر آذار/ مارس الماضي، إلى مدينتي محردة والسقيلبية، في ريف حماة الشمالي الغربي.
وطبقا للمصادر ذاتها، التقى الوفد الروسي الذي يضم مطران شمالي القوقاز وعضو المجمع المقدس الروسي المطران ثييو فيلكتوس، وضباطا روس، برجال الدين في المدينتين.
وأوضحت المصادر أن الزيارة للاطلاع على واقع المدينتين القريبتين من الجبهات، لبحث سبل تقديم المساعدة اللازمة للمدينتين والقوات المحلية.
تشكيلات محلية
وتنتشر في مدينتي محردة والسقيلبية، تشكيلات طائفية من بينها نسور الزوبعة، وقوات الغضب، إلى جانب مليشيات "الدفاع الوطني" التي تسيطر على قرار المنطقة، بفعل الدعم الواضح من النظام لها.
وتشارك هذه المليشيات في المعارك المحتدمة مع المعارضة، بدعم روسي، وتحت قيادة "قوات النمر".
وتحظى هذه القوات بدعم روسي، الأمر الذي يؤكده منح الأخيرة وسام "الشجاعة والإقدام في محاربة الإرهاب في سوريا" إلى قائد ميليشيا الدفاع الوطني في مدينة السقيلبية نابل العبدالله، العام الماضي.
وبحسب معلومات اطلعت عليها "عربي21"، تعد مدينتا السقيلبية ومحردة، من أبرز المواقع التي تخرج منها القذائف والصواريخ، إذ تركّز قوات النظام، على القصف من داخل المدينتين، رغم وجود عدد كبير من المدنيين المعرضين لخطر الرد من فصائل المعارضة.
جبهة الساحل
وبالانتقال إلى ريف اللاذقية الشمالي، أوضح الإعلامي في "شبكة الثورة السورية" مجدي أبو ريان، من ريف اللاذقية، أن النظام بطبيعته الأقلوية، استنفر طائفته العلوية القريبة من الجبهات مع المعارضة.
وأوضح لـ"عربي21" أن النظام بدأ بذلك في عام 2013، وذلك بعد أن تقدمت المعارضة في حينها إلى مناطق في عمق الساحل، في معركة "عائشة أم المؤمنين".
وإلى جانب الأقلية العلوية، نجح النظام في جذب الأقلية الأرمنية في منطقة كسب، وبذلك ضمن ولاء سكان هذه المناطق إلى جانبه، وفق أبو ريان.
وعن الجبهات المشتعلة حاليا، أكد أبو ريان أن النظام السوري يمتلك حاليا خطا دفاعيا على أساس طائفي ممتد من محور الكبينة شرقا إلى شاطئ البحر المتوسط غربا.
وبيّن أن "كل هذه القرى من الطائفة العلوية، وحتى القرى التركمانية في منطقة ربيعة أصبحت بعد سيطرة النظام عليها تحت الحكم والقيادة العلوية والتسيير الكامل"، وفق قوله.
وأضاف أن النظام تمكن من زرع فكرة الساحل "العلوي" البحت، وهي الفكرة التي ترفع من منسوب التجييش لأي استهداف للساحل لدى الطائفة العلوية.
وقال أبو ريان، إن النظام يتخذ من هذه القرى ثكنات عسكرية، مستفيدا من مخاوف الأقليات، واللعب على هذا الوتر.
أهمية خاصة لروسيا
وإلى جانب أهميته للنظام، يكتسي الساحل السوري أهمية خاصة لروسيا، التي تضع نصب عينيها إنهاء تواجد المعارضة في المنطقة لزيادة حماية قاعدة حميميم.
وخلال التصعيد الأخير، شنت قوات النظام هجمات متعددة للسيطرة على محور تلة كبينة في جبل الأكراد، بريف اللاذقية، لكن دون أن تستطيع إحراز تقدم في هذا المحور.
اقرأ أيضا: النظام يستميت بتل الكبانة باللاذقية.. هذه أهميتها الاستراتيجية
ووفق مصادر محلية، فإن آخر محاولة للهجوم سُجلت يوم أمس الثلاثاء، مبينة أن فصائل المعارضة استطاعت التصدي للهجوم الجديد لقوات النظام، التي تكبدت خسائر في الأرواح والعتاد.
واتهمت المصادر قوات النظام باستخدام الأسلحة المحرمة دوليا، مثل الكلور والفوسفور الحارق، وغيرها من الأسلحة.
وسبق للمحلل السوري، أحمد زريق، أن أوضح لـ"عربي21" أن "لتل الكبينة أهمية عسكرية استراتيجية تتمثل بأنها تعد من أعلى المناطق في الساحل السوري، وتشرف جبالها على مناطق هامة لا تزال خارج نفوذ النظام السوري".
وأوضح زريق أن في مقدمة هذه المناطق سهل الغاب في ريف حماة، ومدينة جسر الشغور وقراها في ريف إدلب، مضيفا أن سيطرة النظام على تل الكبانة تمكنه من رصد معظم قرى ريف اللاذقية الخارجة عن سيطرته.