هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تبدو قوى المعارضة السودانية لا سيما تلك المنضوية في إطار "إعلان الحرية والتغيير" أكثر تفرقا وتنافرا، بسبب الخلافات الناشبة بينها على المرحلة الانتقالية، والأدوات التي تنتهجها للضغط على المجلس العسكري، الذي يبدي تعنتا واضحا خلال المفاوضات على نسب التمثيل في "المجلس السيادي".
ومع غياب جسم جامع لقوى المعارضة، يلتقي في قواسم مشتركة، يبدو المجلس العسكري أكثر تماسكا وصلابة، ما يجعله أكثر إصرارا على مطالبه في المجلس السيادي المقترح، ومطمئنا إلى حصوله على نصيب الأسد فيه.
ولعل أبرز دلائل نشوب الخلافات، ما أعلنه حزب الأمة السوداني، ورفضه دعوات الإضراب العام الذي دعت له" قوى الحرية والتغيير السودانية" الثلاثاء، ردا على "تعثر الوصول إلى حل توافقي مع المجلس العسكري الانتقالي بشأن المجلس السيادي".
وفي بيان له على صفحته الرسمية في موقع فيسبوك، قرر مجلس التنسيق الأعلى للحزب برئاسة الصادق المهدي رفض الإضراب المعلن من قبل ما وصفه بـ"بعض جهات المعارضة".
وقال إن "سلاح الإضراب العام وارد في ظروف متفق عليها ويقرره إن لزم مجلس قيادي الحرية والتغيير المنتظر أن يقرر تكوينه اجتماع مكونات الحرية والتغيير الاثنين القادم".
المحلل السياسي السوداني، حسن رزق قال، إن عوامل التصدع في جبهة قوى "إعلان الحرية والتغيير" موجودة وتتعزز، مدفوعة بعداء قديم بين حزب الأمة، وقوى اليسار بشكل عام، والتي يمثلها الحزب الشيوعي، والناصريون، والبعثيون.
وبالرغم من أن عوامل مشتركة جمعت أطراف هذه القوى، يقول رزق لـ"عربي21" إن عوامل التصدع ربما تظهر بشكل جلي خلال الفترة القادمة، إذ إنه لا تجانس بينهم في الرؤى والأفكار، فحزب الأمة مرجعيته دينية، وباقي قوى "الإعلان" مرجعيتها علمانية.
ومجيبا على سؤالنا حول مساعي حزب الأمة ليكون بديلا عن قوى إعلان الحرية والتغيير، قال: "واضح أن هناك شيئا يحدث من وراء الكواليس، لأن المجلس العسكري قال غير مرة إن لديه حلولا أخرى، ولكن حال استفرد الحزب بالتفاوض مع العسكر فإن مخاطر كبيرة، ستعصف بمشروع المدنية في السودان بشكل عام".
اقرأ أيضا: "تجمع المهنيين" يحدد سقفا للتفاوض مع "العسكري".. ما هو؟
وفيما يتعلق بالإضراب قال رزق،: "هو حق مشروع في أي دولة، ولأي جهة، لكن هذا الاضراب ربما يكون له نتائج عسكية، فإذا نجح الاضراب ستدخل قوى إعلان الحرية والتغيير في صدام مباشر مع المجلس العسكري، وإذا فشل فستكون له نتائج ربما كارثية على الساحة، فالمجلس سيستقوى على هذا التجمع، ولذلك كان الأفضل أن يكون الاضراب باتفاق كافة القوى المدنية في الساحة".
ورأى رزق أنه على القوى المدنية كافة، الالتقاء والاتفاق على جملة من القواسم المشتركة فيما بينها بما يضمن وحدة الموقف والكلمة، للخروج من الأزمة الراهنة تمهيدا لإجراء انتخابات حرة ونزيهة.
ورأى أن عوامل اتفاق كل القوى "موجودة ومتاحة، إذا تنازلت عن بعض مطالبها، فكلها ترفض الحكم العسكري الديكتاتوري، وهذا يكفي للاتفاق فيما بينها".
وفيما يتعلق بمفاوضات المجلس السيادي قال: "المجلس العسكري لن يتنازل على رئاسة المجلس السيادي، ولن يتنازل عن سلطات سيادية فيه، وهذا واضح من زيارات المجلس خارج السودان وهي جزء من تصرفات سيادية، ولا يريد أن يتنازل عنها".
أستاذ الإعلام السوداني شرف محمد الحسن، قال إن قوى التغيير التي يجري التفاوض معها الآن لا تمثل كل الأطياف السودانية، رغم أنها هي من قادت الحراك الذي أفضى لسقوط النظام السابق.
وقال الحسن لـ"عربي21" : "نجد أن فكرة سيطرة قوى إعلان الحرية والتغيير على المجلس السيادي في الوقت الحالي قد لا يكون مقبولا من قبل الشعب السوداني دون أن تجرى انتخابات حرة ونزيهة تفرز قوة مدنية تتولى السلطة".
ورأى أن استمرار الوضع القائم الآن دون حسم ملفات الخلاف مع المجلس العسكري، ليس في صالح قوى الحرية والتغيير، ولا في صالح الثورة في السودان بشكل عام، "لأن زخم الاعتصام بدأ بالهبوط رويدا رويدا لأسباب عديدة أقلها الظرف المناخي، ولرغبة الشارع في عودة الحياة بشكل طبيعي دون تعطيل للمصالح، إضافة إلى الخشية من حدوث تشتت في القوى المعارضة في الشارع، مع ظهور قوى جديدة تنادي إلى نقل مكان الاعتصام من أمام مقر الجيش إلى مبنى القصر الجمهوري".
اقرأ أيضا: حزب "المهدي" يرفض دعوات الإضراب العام في السودان
السياسي السوداني والمرشح السابق للرئاسة محمود حجا قال، إن القوى المدنية منقسمة، ولا تمثل الأغلبية في الشارع السوداني، وقدرتهم السياسة ضعيفة، ما يجعل المجلس العسكري يتمسك بجزء من السلطة، لأنه يعلم جيدا نقاط الضعف عند خصومه.
وأضاف جحا في حديث لـ"عربي21"،: "تعنت المجلس العسكري في مطالبه مرده إلى شعوره بأن الذين يفاوضونه نيابة عن الشعب ليست لديهم القوة السياسية والإجماع الكافي من كل السودانيين"، مشيرا إلى أن أي اتفاق بين "قوى التغيير"، والمجلس العسكري لن يصمد، كونه لن يحظى بالاجماع المدني كله، خاصة وأن هناك قوى ترى أن ما يجري لا يمثلها ولا يعبر عن رؤيتها السياسية، ما يعني أن الاستقرار السياسي ما زال بعيدا.
وختم حديث بالقول: "من الأفضل أن يجتمع المدنيون على الحد الأدنى مما يجمعهم، ومن ثم يمكن أن يصلوا إلى اتفاق مع المجلس العسكري الانتقالي، خاصة مع رغبته المعلنة في تسليم السلطة للمدنيين".
ومنذ 6 نيسان/ أبريل الماضي، يعتصم آلاف السودانيين، أمام مقر قيادة الجيش بالخرطوم؛ للضغط على المجلس العسكري، لتسريع عملية تسليم السلطة إلى مدنيين، في ظل مخاوف من التفاف الجيش على مطالب التغيير، كما حدث في دول أخرى، بحسب محتجين.
وعزلت قيادة الجيش، في الحادي عشر من نيسان/ أبريل الماضي، عمر البشير، من الرئاسة، بعد ثلاثين عاما في الحكم؛ تحت وطأة احتجاجات شعبية بدأت أواخر العام الماضي؛ تنديدا بتردي الأوضاع الاقتصادية.