صانع ألعاب من النخبة، لاعب أنيق كرويا، يمتلك رؤية خاصة به في التعامل مع المتسطيل الأخضر، ويتحكم في الكرة ببراعة كما لو كانت جزءا من ساقه الطبيعية.
رغم حداثة مشواره التدريبي فقد أدار فريق "
ريال مدريد" كمجموعة بذكاء، جعل جميع اللاعبين يرغبون في المشاركة بفاعلية، ولم تأت النتائج التي حققها مع "الريال" مصادفة، فقد عرف كيف يتأقلم بشكل جيد مع مهمة التدريب لناد كبير وأدار غرفة ملابس "الملكي" بحنكة، بحسب اللاعب المشاغب سيرخيو راموس.
من جديد حصل على فرصة العودة للعب دور المنقذ لناديه السابق، ووضع نهاية لموسم مخيب "للريال" عانى فيه الأمرين وخرج منه خالي الوفاض من المسابقتين المحليتين (الدوري والكأس) والمسابقة القارية العريقة المحببة لديه.
زين الدين
زيدان، المولود في عام 1972 بفرنسا، لاعب من أصول جزائرية، هاجر والداه اللذان ينتميان إلى منطقة القبائل في شمال الجزائر إلى
فرنسا في عام 1953 قبل بدء حرب التحرير الجزائرية، واستقرا في الضاحية الشمالية من مارسيليا.
بداية مسيرة زيدان مع
كرة القدم كانت في مرحلة مبكرة جدا من حياته بعد أن انضم إلى ناشئي نادي "كان" الفرنسي والذي بدأ معه مسيرته الكروية الاحترافية في عام 1988 في مركز الوسط المهاجم، انتقل بعدها إلى نادي "بوردو" الفرنسي في عام 1992، وفي موسم 1996، انتقل إلى نادي "يوفنتوس" الإيطالي.
في "يوفنتوس" قدم زيدان نفسه كنجم كبير وأخذ مكانا متقدما له بين نجوم كرة القدم في العالم، وكان أحد أفضل اللاعبين لدى كارلو أنشيلوتي المدرب التكتيكي الشهير، وركزت إنجازات زيدان الكبيرة مع "يوفنتوس" الأضواء عليه من قبل إدارت الأندية الكبرى في أوروبا فانتقل في عام 2001 إلى نادي "ريال مدريد" الإسباني بصفقة هي الأكبر في تاريخ كرة القدم وقتها بمبلغ 75.6 مليون يورو لينضم إلى فريق متخم بالنجوم مثل روبيرتو كارلوس ولويس فيغو وفرانسيسكو بافون، تحت إدارة فيسنتي ديل بوسكي.
ويقول بعض الإعلاميين الرياضيين إن انضمام زيدان وحشد من النجوم إلى "ريال مدريد" كان الولادة الحقيقية للدوري الإسباني الذي بدأ يستحوذ على اهتمام الجماهير وتحديدا في العالم العربي، وبدأت شهرته تطغى على حساب الدوري الإيطالي الذي كان يسبقه في اهتمام المتابع العربي.
يعد زيدان من أهم وأكبر اللاعبين الذين ساهموا في إنجازات "ريال مدريد" منذ التحاقه بصفوفه، وتوج معه بأغلى الألقاب.
في المنجز الأخر الذي شكل شخصية زيدان الكروية كان المنتخب الفرنسي، ورغم أنه كان بإمكان زيدان أن يختار اللعب لأحد المنتخبين، منتخب فرنسا أو منتخب الجزائر، لكنه قرر أن يلعب لمنتخب فرنسا بسبب حالة بلاده آنذاك وما كانت تمر به ضمن ما عرف بـ"العشرية السوداء".
حقق زيدان مع منتخب فرنسا إنجازا تاريخيا بالفوز في كأس العالم في عام 1998 للمرة الأولى في تاريخه على حساب البرازيل، كما فازت فرنسا بعدها بعامين ببطولة أمم أوروبا، وبذلك أصبحت فرنسا أول منتخب أوروبي يفوز بكأس العالم وببطولة أمم أوروبا، وأصبح في المركز الأول في تصنيف "فيفا" العالمي.
ما عرفت بـ"نطحة زيدان" كانت من المحطات الشهيرة والمثيرة في مسيرته الكروية بعد أن قام في الشوط الثاني الإضافي من زمن المباراة النهائية في كأس العالم 2006 بين فرنسا وإيطاليا، بنطح المدافع الإيطالي ماركو ماتيراتزي، بعد أن تبادل اللاعبان قبل حصول الحادثة ببضعة ثوان بعض الكلمات المستفزة، وبدأت المشادة عندما سحب ماتيراتزي قميص زيدان، فرد عليه زيدان: "لا تقلق سأعطيك القميص بعد نهاية المباراة"، فرد عليه ماتيراتزي ردا وقحا، فتراجع زيدان، وسدد ضربة برأسه على صدر ماتيراتزي أوقعته أرضا، وخرج زيدان بالبطاقة الحمراء، وهي ليست البطاقة الحمراء الوحيدة في مسيرته الكروية فقد طرد عدة مرات بالبطاقة الحمراء.
واعترف ماتيراتزي لاحقا بأنه أهان زيدان، وبعد المباراة، قام الرئيس الفرنسي جاك شيراك بتكريم زيدان كبطل قومي، وقال بأن الهجوم على زيدان "غير منطقي"، وأن فعلته مبررة، وقام رئيس الجزائر عبد العزيز بوتفليقة بإرسال رسالة إلى زيدان يسانده فيها.
تلقى زيدان العديد من الجوائز الفردية كلاعب وتمتلئ خزانته بالكؤوس والمداليات والأوسمة والقمصان التي تمثل جميع مراحل حياته الكروية.
بعد اعتزاله كلاعب، وعلى نحو مفاجىء، انتقل زيدان إلى عالم التدريب، وتولى قيادة "الملكي" في عام 2016.
وفي موسمين ونصف مع "ريال مدريد"، فاز زيدان بدوري أبطال أوروبا بشكل غير مسبوق ثلاث مرات متتالية، ولقب الدوري الإسباني، وكأس السوبر الإسباني مرة واحدة وكأس السوبر الأوروبي، وكأس العالم للأندية مرتين لكل منهما.
وبعد أن حقق مع "الريال" كل الألقاب الممكنة قدم زيدان استقالته في عام 2018 وانزوى قليلا، لكن بعد النتائج السيئة للفريق عاد زيدان إلى النادي في أذار/ مارس الماضي بعد إقالة الأرجنتيني سانتياغو سولاري، الذي لم يمض على تعيينه مديرا للفريق أكثر من 5 أشهر خلفا للمدرب جولن لوبيتيغي الذي أقيل غداة خسارة مذلة أمام الغريم التقليدي "برشلونة" في كلاسيكو ذهاب الدوري.
وأبرم زيدان عقدا لمدة 3 سنوات حتى حزيران/يونيو 2022، بعد تسعة أشهر فقط من استقالته في نهاية الموسم الماضي.
لكنها عودة غير مستقرة حتى الآن وتبدو تحت اختبار التعاقدات الجديدة هذا الصيف فقد أكد زيدان أنه الشخص المسؤول عن تحديد شكل الفريق في الموسم القادم ومن سيلعب، مشيرا إلى إمكانية الرحيل عن النادي "إذا لم يكن الأمر كذلك" حسب تعبيره.
مضيفا: "من سيشارك في التشكيلة الأساسية ومن هم الذين سيتم الاستغناء عنهم، هذا سيكون من اختصاصي".
وكشف زيدان أن السر وراء استمراره بالعمل كمدرب كرة قدم يكمن في رضا والديه ودعواتهم المستمرة له بالتوفيق، واتباعه لتوجيهات الملك فيليب السادس.
يوضح: "قد يرى البعض أن ذلك يعني أنني لا أمسك بزمام الأمور، إلا أنني أطلب من والدتي أن تدعو لنا قبيل كل مباراة لنحقق الانتصارات، ومن المعروف أن دعاء الأم دائما مستجاب. فأُجري التبديلات بأريحية لثقتي باستجابة دعاء أُمي، حتى لو نفى البعض ضرورتها".
يؤكد زيدان "أنه استلهم فكرته من طريقة تعامل الملك الإسباني فيليب السادس مع شعبه" فهو يسمح لمواطنيه بأن يتصرفوا بحرية مطلقة كما يحلو لهم، لذا، قررت العمل وفق نظرة الملك الثاقبة داخل النادي وترك كل لاعب يلعب على هواه، وها نحن ننجح بفضل توجيهاته.
زيدان لاعب صنع أسطورته الكروية عبر سنوات طويلة مع "المستديرة"، وكان "ريال مدريد" هو أهم شيء حدث له، كشخص وكلاعب كرة قدم محترف.
ولا ينسى زيدان أهم أحساس شعر به في حياته الرياضية وهو "أن يتم الاعتراف بك من طرف أمة بأكملها هو أمر لا يوصف". بحسب قوله.