فيسبوك والخصوصية

في السنوات القليلة الماضية، عرفنا كثيراً عن النتائج غير المقصودة لمواقع التواصل الاجتماعي. فالمنابر التي كان يراد بها تقريبنا من بعضنا البعض جعلتنا أكثر غضباً وعزلة. والمنابر التي استهدفت جعل الحديث ديمقراطياً عززت الغوغائية. والمنابر التي تحتفي بالمجتمع هتكت خصوصيتنا بطريقة نادراً ما ندركها وتعمل كقنوات لخداع يختفي أمام مرأى من الجميع. وأعلنت «فيسبوك» حالياً أنها حظرت بشكل دائم لويس فرخان واليكس جونز وميلو يانوبولوس وعدداً آخر من الشخصيات الجديرة بالازدراء من الدخول إلى موقعها. فما الخطأ المحتمل هنا؟

الأمر لا يتعلق بمدى استحقاق هؤلاء الأشخاص لفرض الرقابة عليهم. إنهم يستحقون فرض الرقابة عليهم. أو يتعلق بأن صيغ الحديث الذي يتداولونه به بعض الخصائص الجيدة التي تشفع لهم. فليس في خطابهم ما يشفع لهم. ولا القضية أن «فيسبوك» لديها واجب أخلاقي لحماية حقوق حرية الحديث لفرخان أو جونز أو من على شاكلتهم. ليس الأمر كذلك أيضاً. فحرية الخطاب، لم ينص التعديل الأول على شيء أكثر من أن الكونجرس يجب ألا يسن قوانين تتجاوز هذا الحق. وشركة عامة مثل فيسبوك- تشبه جامعة خاصة أو صحيفة تملكها أسرة- لديها حرية واسعة لعرض أو منع تقديم ما ومنّ تريد. إنه منزل فيسبوك وقواعدها.

القضية أبسط بكثير من هذا وهي: هل تثق في مارك زوكربيرج وسادة وادي السليكون الشباب الآخرين في أن يكونوا رعاة صالحين لحرية الحديث الرقمي في العالم؟

وادي السيلكيون متحيز ثقافياً وسياسياً وربما برمجياً ضدهم. لكن حتى هذا لا يمنع المحافظين من نقل رسالتهم. ولا يمنع الجمهوريين بالتأكيد من الفوز بالانتخابات. المشكلة الأعمق هي التركيز الهائل للقوة الفنية والمالية والأدبية في أيدي أشخاص يفتقرون إلى التدريب والخبرة والحكمة والجدارة بالثقة.

وهذا واضح في الطريقة التي حاول بها قيادات «فيسبوك» معالجة فضائحهم الكثيرة على مدار العامين الماضيين. فقد سمحت ببحث من المعارضة على منتقديهم الأكثر بروزاً. وقللت دوماً من مدى التدخل الروسي في منصتهم. ووبخت موظفي الشركة الذين حاولوا التصدي لهذا التدخل. وباعت معلومات ملايين من مستخدميها إلى وسيط مشكوك فيه حتى يمكن استخدام البيانات في أغراض سياسية.

والآن تريد «فيسبوك» ترميم سمعتها عن طريق وعد مستخدميها بمزيد من الخصوصية من خلال الخدمات المشفرة، وأيضاً المزيد من الحماية ضد خطاب الكراهية على موقعها. و«فيسبوك» هنا تتخلص من عدد قليل من المتعصبين بشدة، ثم تلقي غطاء كثيفاً على جانب كبير مما تبقى منهم. ثم تبحث عن طريقة لتحقيق أرباح من النموذج الجديد.