نشرت صحيفة "الغارديان" تقريرا أعده كل من بيتر بيومنت وزينب محمد صالح، تحت عنوان "
السودان: ما هو مستقبل الإسلاميين في البلد؟".
ويتحدث الكاتبان في البداية عن الهجوم الذي تعرض له أفراد
المؤتمر الشعبي السوداني، الذي يمثل الحركة الإسلامية، حيث وصل أعضاؤه إلى قاعة للمؤتمرات في العاصمة الخرطوم، وتم استقبالهم بالسباب وهتافات "لا للإسلاميين"، وتراشق الطرفان الحجارة بعضهم على بعض، في المشاجرة التي اندلعت، ما أدى إلى جرح العشرات واعتقال مئة شخص.
وينقل التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، عن عضو المؤتمر قصي عبدالله (38 عاما)، قوله: "حدث ذلك بعد بدء الاجتماع بفترة قصيرة"، وأضاف أن "بعض المهاجمين جاء حاملا معه الوقود لحرق الأشخاص كلهم داخل القاعة، لكننا دافعنا عن أنفسنا ورمينا الحجارة، وأعتقد أن بعضهم كان يريد قتلنا، وعندما بحثنا في وسائل التواصل الاجتماعي وجدنا أنهم من المحتجين الذين قالوا إن الإسلاميين يعقدون مؤتمرا، واذهبوا إليهم وكان هذا تحريضا واضحا".
وتشير الصحيفة إلى أن الحادث لم يكن معزولا، ففي الفترة التي تبعت سقوط عمر
البشير، في 11 نيسان/ أبريل، أصبح دور الحركة الإسلامية، التي عمل بعض أفرادها معه، في مركز الضوء.
ويقول الكاتبان إن الإسلاميين، وصفوا أنفسهم ذات مرة بـ"الكيزان"، تشبيها بصورة الكوز الذي يستخدمه السودانيون لشرب الماء، إلا أن هذا الوصف تحول إلى مصطلح للإساءة استخدمه المهاجمون لاجتماع المؤتمر الشعبي، مشيرين إلى أن المصلين في يوم الجمعة الماضية في جامع أنس بن مالك، في امتداد ناصر في الخرطوم، طلبوا من أحد أعضاء الحزب، وهو ناجي عبدالله مغادرة المسجد، عندما هاجم المتظاهرين بعد صلاة الجمعة، وطُلب من إمام مسجد الكافوري، في شمال الخرطوم، المغادرة للسبب ذاته.
ويلفت التقرير إلى أنه في تحرك منفصل، فإن ثلاثة من الجنرالات الإسلاميين أعضاء المجلس العسكري الانتقالي أجبروا على الاستقالة منه، مشيرا إلى أنه في أعقاب الهجوم على اجتماع المؤتمر الشعبي، رفض طلب الداعية المحافظ عبد الحي يوسف، الذي دعم حزبه البشير لتنظيم مسيرة مؤيدة للشريعة.
وتورد الصحيفة نقلا عن المراقبين، قولهم إن هذه الأحداث دليل على تحد غير مسبوق لتأثير الإسلام السياسي في السودان، مشيرة إلى أنه وضع يثير قلق العديد من أفراد الأحزاب الإسلامية الخائفين من تركهم وحيدين في التفاوضات الجارية بين الجيش وائتلاف الحرية والتغيير، الذي يضم ممثلين عن المتظاهرين في الشارع.
وينقل الكاتبان عن الأمين العام للمؤتمر الشعبي علي الحاج، قوله: "نحن لسنا ملتزمين بأي اتفاق لسنا جزءا منه"، وأضاف في تصريحات له يوم الأحد: "لن نقبل أي اتفاق يستثني الأحزاب الأخرى (مثل حزبه)، وهذا موقف مبدئي".
ويجد التقرير أن هذا كله مهم في بلد تعاون فيه الجيش والأحزاب الإسلامية معا على حكم السكان، وفي بعض الحالات، كما هو شأن السودان المضطرب المتشرذم، كانت التحالفات تتمزق ويعاد تشكيلها، فكان البشير يناور لتقوية سلطته.
وتبين الصحيفة أن قصة مؤسس المؤتمر الشعبي حسن
الترابي، المحامي والعالم الإسلامي، نقطة في هذا السياق، فكان المهندس الأيديولوجي للجبهة القومية الإسلامية، التي تحولت لاحقا إلى حزب المؤتمر الوطني الذي ترأسه البشير، وقام الترابي أولا بتقنين قوانين الشريعة عندما كان نائبا عام 1983، ثم ساعد البشير على تولي السلطة في عام 1989، في تحالف مع الإسلاميين، وفي ذروة تأثير الترابي، حاول أن يجعل من السودان مركزا للإسلاميين، ودعا الجميع من زعيم حركة النهضة المعتدل راشد الغنوشي إلى زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، الذي عاش في السودان حتى عام 1996.
ويفيد الكاتبان بأنه بعد اختلاف الترابي مع البشير في نهاية التسعينيات من القرن الماضي، فإنه شكل حزبه الخاص، وهو المؤتمر الشعبي، وتصالح في السنوات الأخيرة قبل وفاته عام 2016 مع البشير، مشيرين إلى أن الحزب لم يعارض البشير في تظاهرات الشوارع عام 2013، وظل داعما له حتى سقوطه في الشهر الماضي.
وبحسب التقرير، فإن طريقة البشير في الحكم كانت محاولة جذب الأيديولوجية الإسلامية ودمجها في النظام العسكري، وفي الوقت ذاته الابتعاد قدر الإمكان عن الأحزاب الإسلامية، وتهميشها في وقت، والتعاون معها إن احتاج إليها.
وتنوه الصحيفة إلى أن المحلل السياسي حافظ إسماعيل هو من بين الذين يرون أن سقوط البشير يعد نكسة للأحزاب الإسلامية، مثل حزب الترابي المؤتمر الشعبي، وقال: "هذا تغير مهم"، مشيرا إلى أن الرابطة مع البشير أصبحت مسمومة، وأضاف: "قبل انقلاب عام 1989 كان الشعار هو (الإسلام هو الحل)، وبعد 30 عاما في السلطة، و30 من الفساد والقتل، لم يعودوا يملكون الموقف الأخلاقي العالي".
وتابع إسماعيل قائلا: "هذه الأحزاب لن ينتخبها أحد مرة أخرى، وكشفت الأحزاب الإسلامية عن نفسها، من خلال الطريقة التي تصرفت فيها، منذ سيطرتها بانقلاب عسكري، ولهذا أعتقد أن لا فرصة لها في أي عملية ديمقراطية، ولهذا السبب فلن يكون للإسلام السياسي مستقبل".
وينقل الكاتبان عن كاتبة العمود شمائل النور، قولها: "لا أعتقد أن مستقبلهم سيكون مضيئا، وهناك شعور قوي بالكراهية من السودانيين لهم، وهم ضد الإسلام السياسي بشكل عام"، وأضافت: "لقد دعموا النظام السابق خلال الحملة الشرسة ضد المتظاهرين في الأربعة أشهر الماضية، ولهذا لا أعتقد أن لهم مستقبلا سياسيا".
ويورد التقرير نقلا عن قصي عبد الله، من المؤتمر الشعبي، قوله إن هذا كلام غير مقنع، مشيرا إلى أن الأحداث الأخيرة تهدف إلى دق إسفين بين الأحزاب مثل حزبه والمحتجين الذين ساهموا بخروج البشير.
وتختم "الغارديان" تقريرها بالإشارة إلى قول عبد الله: "أعتقد أن هناك أشخاصا يريدون جر البلد لنزاع بين الإسلاميين واليساريين لهذا هاجمونا، وستظل الأحزاب الإسلامية في السودان لأنه بلد مسلم".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)