هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
لم يتوقع البعض ربما مواصلة الجماهير العربية تجميع حشودها من أجل التغيير، كانت العظات والتحذيرات من هول التغيير الذي ضرب ليبيا وسوريا واليمن ومصر، كافية للتلويح بالنتائج الوخيمة على تلك الدول والمجتمعات، ومحاولة التلويح بمخاطر التغيير والدعوة إلى نبذ التغيير، لا بل مقاومته بصياغات عديدة، ومنها الانقلاب ثم الانقلاب على إرادة الشعوب.
لا يعني هذا أن الخيارات الشعبية كانت واضحة لدى جمهور الثائرين، بل إن بعض الحالات الثورية كانت تائهة وكأنها تفاجأت بما حدث لها، أو ربما أنها لم تتوقع هشاشة المستبد وحكمه، ولكن اللافت أن الحالة الثورية بعد إنجازها إزالة النظم السياسية في غير مكان عربي، ظلت تطلب من العسكر إبداع النسخة الجديدة من الحكم أو مرحلة الانتقال الديمقراطي.
العسكر الذين تولوا مقاليد الحكم، والتوافق الحاكم في الحالة التونسية، مثلا، وما يحدث اليوم في الجزائر وما حدث في مصر والسودان إلى حد قريب، أبرزت تجاربهم دور الجيوش في حقبة ما بعد النظام المستبد، والانتقال أو الحليولة دون وقوع البلاد في أتون الفوضى والدمار.
كان المثقف العربي التغييري أكبر الخاسرين، وهذا لا يعني بأن رؤية المثقفين كان فيها نوع من النرجسية والمثالية، فالتغيير الثوري صعب بعد عقود من الاستبداد، والانتقال لحالة جديدة يحتاج إلى تطوير في أداوات التفكير والحكم ويحتاج إلى بناء مؤسسات، كما أنه يحتاج لتضحيات وخسائر أيضا.
التحدي الأكبر يكمن في معضلة بناء المؤسسات، وترسيخ التقاليد الديمقراطية، وتطوير المجتمع نحو المسار الديمقراطي دون خسائر كبيرة أو دون الدخول في صراعات جديدة.
وبعد أكثر من قرن على ولادة الدولة العربية القُطرية، تبدو محاولات إبداع نسخ جديدة من الحكم عصيّة، لكنها غير مستحيلة وتظل ممكنة، والمطلوب قبل كل شيء السعي بجدية نحو الدولة المدنية وحكم القانون والمساواة.
الربيع العربي بنسخته الأولى التي انطلقت 2010 حمل الكثير من الخسائر، لكنه بالمجمل برغم كل ما فيه من خسائر، إلا أنه أنهى النظم التي ظلت توصف بأنها مستبدة، وما زال النظام السوري الذي نجح بالحفاظ على بقائه في معادلة الحكم والإقليم، الذي تمكن من صياغة تحالفات إقليمية مهمة أبقت عليه، هذا إلى جانب خصائصه السلطوية والمؤسساتية التي أبقت عليه، برغم النزف الكبير بالدمار وتهجير المدنيين وحجم التدخلات الدولية.
لكن السؤال، هل الحالة السودانية والجزائرية المنضبطة والسلميّة ستكون نهاية هذا الزمن السياسي عربيا، المفتوح على سلطة المجال العام والتظاهر، أم إننا سنشهد شكلا جديدا من الاحتجاجات؟ الجواب لا نهاية قريبة لموجات الغضب الشعبية، بسبب اكتشاف الجماهير لسلطتها ورغبتها في إحداث المزيد من التغيير، ووقف الفساد وطلب العدالة، وهذا الخطاب جذاب للشباب الذي يشهد زمانهم على فشل حكومات عربية في تلبية مطلب العيش الكريم والعمل لهم. ما يعني أن الربيع العربي مفتوح على نسخة جديدة قد لا تكرر سابقتها.
عن صحيفة الدستور الأردنية