هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الكتاب: فلسفة الأخلاق في الشريعة الإسلامية: دراسة في علم قواعد الفقه
المؤلف: الدكتور محمد عبد المعز بطاوي
الناشر المعهد العالمي للفكر الإسلامي
الطبع: مركز معرفة الإنسان للدراسات والأبحاث والنشر والتوزيع
الطبعة الأولى: تشرين أول (أكتوبر) 2018 عمان الأردن
عدد الصفحات 213 من الحجم الكبير
يسعى هذا الكتاب إلى تأسيس علم الأخلاق الإسلامي من خارج النسق المعرفي الأخلاقي، فقد جرت العادة أن يتم تأسيس هذا العلم من أرضية علم التصوف أو علم السلوك أو من المواعظ والرقائق والحكم والآداب الإسلامية التي يزخر بها التراث الإسلامي أو ما يسمى بعلم الأثر، لكن هذه المحاولة غيرت الوجهة، منطلقة في ذلك من أحد العلوم المنهجية الإسلامية (علم أصول الفقه) وبالتحديد (القواعد الأصولية)، ومرتكزة بالأساس على خمس قواعد كلية، تختصر كليات الشريعة الإسلامية، إذ حاول المؤلف من خلالها اكتشاف المصادر التأسيسية لعلم الأخلاق الإسلامي ، ونسف الأطروحة الاستشراقية التي تزعم بأن علم الأخلاق الإسلامي ما هو في حقيقته إلا استنساخ للفلسفة اليونانية أو الفارسية التي عنيت أكثر من غيرها بتأسيس علم الأخلاق.
والمثير في هذه الدراسة أن الباحث حاول أن يزيد إلى الوظائف الاستدلالية للقواعد الخمسة الكلية في الشريعة الإسلامية (الأمور بمقاصدها، والضرر يزال، والمشقة تجلب التيسير، واليقين لا يزول بالشك، والعادة محكمة) وظيفة أخرى تتمثل في التأصيل لعلم الأخلاق الإسلامي، وبناء فلسفة الأخلاق في الإسلام، إذ يعتبر الباحث أن هذه القواعد الخمس الأساسية في الشريعة الإسلامية، تشكل في مجموعها نسقا متكاملا في الأخلاق، وضعه علماء الفقه، وعلماء مقاصد الشريعة، وأنه ينفرد بخواصه وميزاته عما سطرته مذاهب فلسفة الأخلاق عند الغربيين لاسيما منهم مذهب إيمانويل كانط.
في إمكان تأسيس فلسفة الأخلاق على قواعد الشريعة الخمسة
ينطلق الباحث في مقدمة كتابه من أوليات تقليدية حاول فيها تعريف علم الأخلاق ونشأته وتطوره، ثم يعرج على قضية مقارنة في السياقين الإسلامي والغربي، تعرض لعلاقة الأخلاق بالدين، وكيف تم تجريد الأخلاق عن الدين في التجربة الغربية، في الوقت الذي ارتبطت فيه الأخلاق بالدين في التجربة الحضارية الإسلامية، ثم يعرض لعلم القواعد، وهويته المنهجية ضمن علوم الشريعة، والموضوعات التي يشتغل عليها، والارتباط الوثيق الذي يجمعه بعلم مقاصد الشريعة، ثم يفصل في الأساس الأخلاقي المتين الذي يتأسس عليه، لينتهي من ذلك كله إلى أن قواعد الفقه أو قواعد التشريع تشكل في حقيقتها قواعد أخلاق. ويعلل ذلك بكون قواعد الفقه، تهدف إلى الحفاظ على الحياة ومقوماتها الضرورية والحاجية والتحسينية، وأن هذا الحفاظ، تبعا للنظرية المقاصدية، يتم من جانبين:
ـ جانب الوجود بفعل ما يقيم أركان الحياة الإنسانية ويثبت دعائمها.
ـ وجانب العدم بفعل ما يدرأ عنها الاختلال الواقع أو المتوقع وترك ما تنعدم به.
معيار الحكم الأخلاقي على الأفعال في الشريعة الإسلامية، هو أن يتوافق مقصد المكلف مع مقاصد الشارع في التكليف
ويعتبر المؤلف، بناء على هذا التعليل، أن قواعد التشريع أو قواعد الفقه تشكل نظرية متكاملة في الأخلاق. وهكذا يرى الباحث أن بإمكان علم أصول الفقه الذي ابتدأ في الأصل بوظيفة الاستدلال، وانتقل في طور لاحق مع الإمام الشاطبي إلى وظيفة بناء المقاصد، أن تتعدى قدرته المنهجية والتأسيسية هذا الفضاء، وتنطلق لما هو أرحب منه، مما يرتبط بتأسيس نظرية للأخلاق، تتمثل في موضوع علم القواعد، أي فعل المكلف، وما ينبغي أن يكون عليه السلوك الإسلامي، ومقاصد المكلف ومقاصد الشارع، مما له ارتباط بالمقاصد، ويعتبر أن النية والمصلحة هما قطبا المذهب الأخلاقي الإسلامي.
قواعد الشريعة الخمس ووظيفة التأسيس لعلم الأخلاق الإسلامي
تناول الباحث في الفصل الأول من كتابه الوظيفة التأسيسية لقاعدة "الأمور بمقاصدها"، محاولا التأسيس لمركزية النية في نظرية الأخلاق الإسلامية، وأن النية المرادة في جعل الفعل يمتلك مضمونا أخلاقيا هي نية التقرب والامتثال، كما يبين الارتباط بينها وبين الإخلاص، وأن معيار الحكم الأخلاقي على الأفعال في الشريعة الإسلامية، هو أن يتوافق مقصد المكلف مع مقاصد الشارع في التكليف، وأن ما يظهر الإخلاص هو هذا التوافق، وأنه يترتب عن عدم وجوده سوء النية والتحايل. وقد حرص الباحث أن يخوض مقارنات مهمة بين فلسفة الواجب عند إيمانويل كانط، وبين مفهوم النية، وما يرتبط بها من الإخلاص وموافقة قصد المكلف لقصد الشارع، ليخلص من هذه المقارنة إلى صورية مفهوم الواجب عند كانط، وأن المبدأ الإسلامي، يرجى منه تحقيق المصلحة للإنسان، في حين أن الواجب عند كانط مطلوب لذاته، لا لما يترتب عليه من مصالح.
المنفعة في الشريعة الإسلامية، موضوعية وعامة ومطلقة، بخلاف مفهومها عند النفعيين، فهي منفعة ذاتية وفردية.
بعد التأصيل لمركزية النية في نظرية الأخلاق الإسلامية بناء على قاعدة "الأمور بمقاصدها"، ينطلق الباحث في الفصل الثاني إلى استنطاق قاعدة "الضرر يزال"، واستقراء الجانب السلبي من المصلحة، أي المضرة. فبعد تعريجه على مفهوم المصلحة المعتبرة شرعا، وأنها القائمة على أسس موضوعية مرتبطة بحفظ الضروريات الخمس في الشريعة الإسلامية، وليس تلك التي تقوم على رغبات الناس وأهوائهم، ينطلق إلى التأسيس لركن أساسي في نظرية الأخلاق الإسلامية، يؤطر علاقة الفرد بالغير، ويرسم واقعية فلسفة الأخلاق في الإسلام، التي تراعي الجمع بين مصالح الفرد ومصالح المجموع، إذ يتناول الباحث في هذا السياق فلسفة العقاب في الشريعة الإسلامية، وعلاقتها بدفع المضار، مبينا أن العقوبة في الشريعة الإسلامية هي ذات وظيفة نفعية تهدف إلى صلاح المجتمع وتحصين سلامته، وأن العقوبة ليست مقصودة لذاتها، وإنما لما يترتب عنها من مصالح للإنسان والمجتمع.
ويدخل المؤلف في سياق مقارن متشعب بين نظرية المصلحة في الشريعة الإسلامية ونظرية المنفعة عند مذاهب النفعيين، مستخلصا من ذلك، أن المنفعة في الشريعة الإسلامية، موضوعية وعامة ومطلقة، بخلاف مفهومها عند النفعيين، فهي منفعة ذاتية وفردية.
ويتناول الباحث في الفصل الثالث" قاعدة المشقة تجلب التيسير"، ووظيفتها في استكمال حلقات بناء فلسفة أخلاق إسلامية، وأهمية وضعية الاستثناء في القانون الأخلاقي الإسلامي، والتي تتناسب مع طبيعة الإنسان وأحواله وقدراته، مبينا بهذا الخصوص وجود قوانين خاصة للأحوال الخاصة، مبينا في هذا السياق أن المشقة هي مناط التيسير، وأن الفعل متى ما خرج عن المعتاد احتاج إلى تشريع خاص يراعي هذا الوضع الخاص.
ويرصد الباحث حالات الاستثناء التي أقرتها الشريعة، مبينا أن الشارع اعتبرها أسبابا للتخفيف، ومظنة لوجود المشقة. ويدخل الباحث مرة أخرى في سياق مقارن بين قانون كانط الأخلاقي وبين القانون الأخلاقي في الشريعة، مبينا بهذا الخصوص مرونة القانون الأخلاقي الإسلامي، الذي يعترف بالاستثناء ويجعل له وضعا خاصا في الشريعة، وصرامة قانون كانط، الذي لا يقر أي ميل للظروف والأحوال، مبينا انقطاع صلته بواقع الإنسان.
ويتناول الباحث في الفصل الرابع الوظيفة التي تقوم بها قاعدة "اليقين لا يزال بالشك" في بناء فلسفة الأخلاق الإسلامية، مبينا بهذا الخصوص أثر اليقين والشك في بناء الأحكام الإسلامية، والحكم على أفعال المكلفين، فالشك ملغى في الشريعة، وأنها لا تقيم اعتبارا للمشكوك فيه، وأنها تستصحب اليقين، وتجعله أصلا استدلاليا أخلاقيا يجب البناء عليه، والعمل به، ما لم يوجد ما يدل على خلافه.
ويختم الباحث كتابه بالفصل الخامس الذي خصصه لدراسة أثر قاعدة "العادة محكمة" في بناء فلسفة الأخلاق في الإسلام، فيدرس فيه مقصد تحكيم العادة، وأن القصد من اعتبارها مصدرا تشريعيا يلتقي مع مقصد التيسير ورفع الحرج. ويستثمر الفرصة في هذا الفصل، لعرض مركزية العرف ومعياريته في بناء الأخلاق الاجتماعية، كما يعرض لعلاقة العرف بالنص، ويدخل في سياق مقارن مع مذاهب الوضعيين الاجتماعيين، الذين يعتبرون العادة والعرف مصدرا للأخلاق، مميزا في هذا السياق منطق الشريعة في تحكيم العادة عن منطقهم، ذلك أن تحكيم العادة لا يعني تبرير الواقع القائم، وإيجاد سند أخلاقي له، بقدر ما يعني قبول الوضع النافع، وإضفاء شرعية عليه ورفض الوضع الضار ومنع التطبيع معه.