نشرت صحيفة
"
لوموند" الفرنسية مقال رأي مشترك لكل من الرئيس التنفيذي لمجموعة
"فيرجن" ريتشارد برانسون، وأمير إمارة موناكو ألبير الثاني، دعا كلاهما
من خلاله إلى تبني معاهدة طموحة وملزمة قانونا تتضمن تدابير صارمة للحفاظ على
التنوع الحيوي لأعالي البحار.
وقال الكاتبان، في مقالهما الذي ترجمته "
عربي21"، إن أعالي
البحار تمتد تقريبا على نصف كوكبنا، كما تشكل جزءا هاما وأساسيا من النظام البيئي
العالمي الذي لم يخضع إلى حد الآن إلى أي إجراء حقيقي لحمايته. ولحسن الحظ، بدأ
هذا الوضع يحظى بأهمية من أجل تغييره. فمنذ يوم الاثنين 25 آذار/ مارس، اجتمعت
الوفود في مقر الأمم المتحدة في نيويورك لفتح مفاوضات بشأن نص المعاهدة المتعلقة
بالتنوع الحيوي لأعالي البحار.
وذكر الكاتبان أن هذه
المعاهدة ستكون بمثابة الفرصة الوحيدة لحماية آخر النظم البيئية البحرية الشاسعة
على سطح الأرض. وباعتبار أنها ستكون واحدة من أهم النصوص القانونية لحماية البيئة
على مستوى دولي منذ عقود، فإنه يمكن لهذه المعاهدة الدفع نحو تطبيق اتفاقية الأمم
المتحدة لقانون البحار في القرن الحادي والعشرين، عبر حماية التنوع الحيوي البحري
وكل المتطلبات اللازمة لحماية الحياة المائية على سطح كوكبنا.
ولم يخف كلا الكاتبين مخاوفهما من أن تتجمد هذه المفاوضات خصوصا مع فتح ملف
انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، واشتداد أزمة "السترات الصفراء"
في فرنسا، علاوة عن الوضع المتوتر في فنزويلا أو مشاكل التجارة الدولية.
وشدد الكاتبان على ضرورة انتهاز هذه الفرصة من أجل حماية
المحيطات، في ظل
ازدياد التهديدات المحدقة بالبيئة البحرية. وقد بلغ الوضع مستويات حرجة مع تضرر
التنوع الحيوي البحري والتغير
المناخي. وقد أكد العلماء أنه سُجل خلال سنة 2018
أعلى مستويات ارتفاع درجة حرارة المحيطات في العالم، وهو رقم قياسي من المنتظر أن
يقع تجاوزه قريبا.
ونوه الكاتبان بأن هذه
الأرقام تشكل خطورة نظرا لأن ارتفاع درجة حرارة المحيط سيخلف نتائج وخيمة تتمثل في
إحداث أعاصير أكثر قوة، وارتفاع مستوى سطح الماء، وإجبار الكائنات الحية على
الهجرة نحو المياه الباردة، وموت الشعاب المرجانية الثمينة. وتؤثر كل هذه التغيرات
على كيمياء البحار والمحيطات.
وبعد الاستقرار الذي
دام ملايين السنين، بدأ ثاني أكسيد الكربون الموجود في المحيطات يؤدي إلى تحمضها
بمعدل أعلى مئة مرة من أي معدل آخر سجل في تاريخ البشرية. ويمتد التلوث وبقايا
المواد البلاستيكية من قطب إلى قطب، كما أن ظاهرة الصيد الجائر تستمر في ظل غياب
رقابة حقيقية، ناهيك عن أن التعدين في المياه العميقة على وشك أن يدمر البيئة
البحرية.
وأورد الكاتبان أن
أعداد المخلوقات البحرية التي تعيش في المحيطات، على غرار أسماك التونة الزرقاء
التي تعيش في المحيط الهادئ والسَلاحِف جِلديّة الظَهْر، تراجعت بشكل كارثي. ومن
جهتها، لم ترد الحكومات الفعل لفترة طويلة جدًا على الرغم من أن حالة المحيطات
باتت أكثر من أي وقت مضى محور اهتمام المحادثات. كما أن التدابير المعتمدة لا ترقى
إلى وتيرة التغييرات الهائلة التي تطرأ على الحياة البحرية. وقد حان الوقت لأن
نبدي طموحا حقيقيا في تصحيح الوضع.
وأكد الكاتبان أن
الوقت قد حان لكي تتحد جميع البلدان وتضغط من أجل إبرام معاهدة قوية لحماية أعالي
البحار، ضمن إطار عالمي سيعمل على إنقاذ البيئة البحرية بما يتماشى مع التدابير
التي أقرتها اتفاقية باريس لسنة 2015 للمناخ. ويجب أن تكون هذه الاتفاقية ملزمة
قانونًا، وتقر تدابير صارمة للحفاظ على التنوع الحيوي في أعالي البحار وحمايته،
وتكون جاهزة للتوقيع مع بداية سنة 2020 كما هو مخطط له.
وأفاد الكاتبان بأن
سنة 2019 ستكون حاسمة على مستوى دفع العمل العالمي الذي سيدعم بدوره جهود حماية
التنوع الحيوي للمحيطات. وخلال هذه السنة، من المقرر أن يفتح هذا الملف على طاولة
قمة العشرين التي ستنعقد في اليابان، وقمة مجموعة الدول الصناعية السبع التي
ستنعقد في بياريتز بفرنسا. ولكن الكلمات الرنانة لا تكفي.
وفي الختام، أورد
الكاتبان أنه على امتداد عقود، انكب العلماء والناشطون على البحث من أجل إيجاد
حلول لحماية المحيط وجعلها على رأس قائمة جدول أعمال اللقاءات الدولية. وتعد حماية
الكنوز الثمينة للتنوع الحيوي البحري أمرًا ضروريًا إذا أردنا مكافحة ظاهرة التغير
المناخي.