هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تناولت صحيفة "الغارديان" البريطانية في افتتحايتها،وجهة نظرها حول الهجمات الإرهابية التي استهدفت مسجدين في مدينة كرايست تشيرش في نيوزيلندا.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن نيوزيلندا تشتهر ببراريها الخلابة لكنها آمنة في الوقت ذاته. ولكن يبدو أن الكثير من المعطيات تغيرت يوم الجمعة، بعد سقوط 50 مسلما أثناء أدائهم لصلاة الجماعة خلال هجوم إرهابي استهدف مسجدين يقعان وسط مدينة كرايست تشيرش، وقد تركت هاتان الحادثتان المأساويتان البلاد في حالة حداد وصدمة.
وذكرت الصحيفة أن المسلمين يشكلون أقل من واحد في المئة، من سكان نيوزيلندا، مشيرة إلى أنه من أبرز الشخصيات العامة المتبعة لهذه الديانة لاعب رغبي، وقد كان عدد الضحايا الذين سقطوا خلال هذه العملية الإرهابية مفزعا في بلد لم يشهد سوى 35 جريمة قتل سنة 2017. وبالتالي، يتعين على نيوزيلندا أن تتعامل بشكل جماعي مع هذه الصدمة، التي لن يقدر على تحمل وقعها عائلات الضحايا أو أقاربهم أو أصدقاؤهم.
عند كتابة هذا التقرير، كان من غير الواضح ما إذا كان لبرينتون تارانت، الأسترالي البالغ من العمر 28 سنة، والمشتبه به في كلا الهجومين، شركاء في الجريمة التي ارتكبها. وخلال السنة الماضية، وصف المجرم على موقع فيسبوك الأشخاص الذين التقى بهم أثناء السفرة التي أجراها إلى باكستان، والذين من المفترض أنهم جميعهم من المسلمين، بأنهم من "أكثر الشعوب صدقا وطيبة وترحابا في العالم".
اقرأ أيضا: رئيسة وزراء نيوزيلندا ترتدي الحجاب بعزاء ضحايا المجزرة (شاهد)
وأوردت الصحيفة أنه إذا كان تارانت هو الرجل ذاته الذي كان يرتدي زيا عسكريا وقدّم بثا مباشرا لعملية تنفيذه للهجمات، فذلك يعني أن الإنسانية التي أظهرها هذا الشخص تجاه الآخرين علنا قد استنزفت واستبدلت بالكراهية خلال شهور قليلة، والجدير بالذكر أن أحد الحسابات على تويتر يحمل اسم المجرم ذاته قد نشر روابط لبيان يتطرق لنظريات المؤامرة المنادية بسيادة البيض.
وأفادت الصحيفة بأن الكثير من المجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي التي كان لها زخم كبير ساعدت في نشأة وتطور وصمود اليمين المتطرف الذي كان يقبع في الماضي في الزوايا المظلمة للكثير من الكيانات الدولية. لكن اليوم، أضحى هذا اليمين ينفث سمومه على مرأى من الجميع. ومنذ نشر البيان ومقاطع الفيديو والصور المرتبطة بآخر الجرائم الوحشية التي ارتكبت على الصعيد العالمي، على شبكة الإنترنت، كان من المروع رؤية بعض الأشخاص يحتفلون بالهجوم.
وأشارت الصحيفة إلى أن الكثير من وسائل الإعلام في بريطانيا لم تكن تتوقع أن هناك قراء يملكون في قلوبهم هذا الكم الهائل من الحقد والكره للمسلمين، ومن هذا المنطلق، يجب على صناع الصحافة المسؤولة وضع حاجز بين واجبهم الأساسي الذي يتمثل في توصيل المعلومة، ومحاولات الفاشيين الرامية لقمع وجهات النظر المخالفة لهم وإثارة المخاوف، ناهيك عن زيادة التعصب.
وتظهر الكثير من الأبحاث أن وسائل الإعلام الأمريكية عمدت، في الفترة الممتدة بين عامي 2016 و2018، على تضخيم الرسائل التي تنادي بها مجموعات الكراهية. وفي أستراليا، اعتبرت الصحف الشعبية الهجمات التي استهدفت مزارعين من جنوب إفريقيا دليلا على "الإبادة الجماعية للبيض"، بينما اعتذر موقع "سكاي نيوز" الأسترالي عن إجراء مقابلة مع أحد النازيين الجدد.
اقرأ أيضا: إندبندنت: هجوم نيوزيلندا يكشف تنامي عنف اليمين عبر "النت"
وأكدت الصحيفة أن هذه الفظائع والأثر الذي تتركه منشورات وسائل الإعلام حول هذه الجرائم مصممة على توليد عمليات بحث عبر الميمات العنصرية واللغة المستخدمة فيها. ونتيجة لذلك، تشكلت الكثير من العلاقات العامة على ضوء حدوث عمليات القتل الجماعية.
"في الحقيقة، يعتبر تنامي خطاب الكراهية، الذي قبله البعض بسهولة، بمثابة ترخيص لارتكاب جرائم العنف، وإلا ما الذي يفسر هذا الارتفاع المطرد في خطاب الكراهية؟". بحسب الصحيفة.
وأفادت الصحيفة بأن السياسيين هم المسؤولون عن خلق البيئة الملائمة لتغذية ميولات هؤلاء المتطرفين، حيث يعتقد العنصريون البيض في الولايات المتحدة أن لديهم مؤيد زميل في البيت الأبيض. وحتى لو كانوا مخطئين، فإن دونالد ترامب لم يبذل الكثير من الجهد ليثبت لهم عكس ما يعتقدونه.
واستنادا إلى تصريحات ترامب العلنية حول كراهية الإسلام، لم يتمكن الكثيرون من مقاومة رغبتهم المتعطشة في إثارة ملف الإسلاموفوبيا في أعقاب جرائم القتل الأخيرة. وبالتالي، لا يمكن لترامب أن يخدع الجميع من خلال إظهاره التعاطف مع ضحايا هذه المجزرة.
وبينت الصحيفة أنه "منذ أحداث الحادي عشر من شهر أيلول/ سبتمبر، تفاقم عدد الجرائم التي ارتكبها العنصريون البيض مقارنة بأي فئة أخرى من المتطرفين المحليين. فقد وقع تجاهل خطر جرائم العنف التي يرتكبها المتطرفون اليمينيون لفترة طويلة".
في المقابل، كرّست الأجهزة الأمنية البريطانية اهتمامها بمثل هذه النزعات المتطرفة باعتبار أنها تمثل إحدى التهديدات الخطيرة في البلاد؛ خاصة خلال استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، عندما قتل النائب عن حزب العمال برصاص النازيين الجدد الذين صرخوا "بريطانيا أولًا".
اقرأ أيضا: الفضاء الإلكتروني يدين خطاب الكراهية المسبب لهجوم نيوزيلندا
وأوضحت الصحيفة أن رئيسة وزراء نيوزيلندا، جاسيندا أرديرن، أضحت مدركة تماما للتهديد الذي تشكله هجمات المساجد على مجتمع بلدها، ذلك أنها تُعرض القيم التي يعتز بها النيوزيلنديون، وتضامنهم وشعورهم بالانتماء والأمان للخطر. وفي هذا السياق، صرّحت أرديرن على خلفية هذا الهجوم الإرهابي بأن "العديد من الضحايا الذين ربما يكونون مهاجرين أو لاجئين هم ينتمون إليهم"، مؤكدة أن "الشخص الذي ارتكب هذه الجريمة قد اقترفها بحق كامل شعب نيوزيلندا".
وفي الختام، بينت الصحيفة أنه على الرغم من أن الإرهابيين يسعون إلى إثارة الانقسامات بين المجتمعات إلا أنه في مثل هذه المحن يجب عليها أن تدعم وتؤازر بعضها البعض.