هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
انظر إلى العالم الغربي... فما هي الدول التي تبدو سياستها أكثر
تخبطا؟ ربما كانت عيناك في الماضي تتجه غريزيا نحو أوروبا الشرقية، فالساسة في
أثينا ومدريد وروما يبذلون قصارى جهدهم بكل تأكيد! لكن إن أردت اختلالا وظيفيا،
فهناك واشنطن ولندن.
استمرت
المؤسسات الحكومية الأمريكية مغلقة لمدة طويلة العام الحالي، ودخل الرئيس دونالد ترامب
في خلاف مع الكونغرس حول ما إذا كانت هناك حالة طوارئ عامة في الحدود الجنوبية
للبلاد، فيما كانت الحكومة البريطانية تسير بخطى متعرجة للخروج من الاتحاد
الأوروبي «بريكست» كما يسير شخص مخمور على طريق مغطى بالجليد. فإن لم يتغير شيء،
فسوف تخرج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي في غضون أسابيع قليلة.
هل
هذه نهاية «الأنجلوسفير» وهو مصطلح يعني (الدول الناطقة بالإنجليزية)؟ لطالما أثنت
الولايات المتحدة وبريطانيا على مدار 4 عقود على مزايا الأسواق المفتوحة والعولمة
والحرية الشخصية. والآن قد خفتت الأصوات لتصبح همهمات أو باتت تغني لحنا مختلفا.
لكنها لم تصمت بعد، فالشراكة المتعثرة التي سادت كثيرا من مناطق العالم تعد أكثر
أهمية من الدول التي تتحدث الإنجليزية. إنك قد لا تحب الإنجليز الذين يلقون بالمواعظ،
لكنه على كل من تعنيه «الحرية وسيادة القانون» أن يدعو الله من أجل ذلك!
إن
«الأنجلوسفير»، هو شيء يتعلق بالولايات المتحدة وبريطانيا. هو أيضا تعريف مقصود به
أن يشمل شيئا أقوى وأكثر إنجليزية من مجرد «علاقة ذات طبيعة خاصة».
منذ
نصف قرن، كانت بريطانيا أقرب حلفاء الولايات المتحدة نظرا للعلاقات التاريخية
والعسكرية والشخصية القوية بينهما، وكذلك كان هناك النفور المشترك من الشيوعية ومن
الاتحاد السوفياتي. لكن العلاقة كانت إنجليكية إلى حد كبير. في السبعينات من القرن
الماضي، كانت بريطانيا بعيدة باتجاه اليسار وأقل نجاحا من الولايات المتحدة، ولم
تكن الولايات المتحدة التي تعرج تجاه فيتنام و«ووترغيت» أيضا بمصدر للإلهام.
لكن
كل ذلك تغيير في ثمانينات القرن الماضي في عهد رونالد ريغان ومارغريتش تاتشر، فقد
أرسل «الأنجلوسفير» برسالة وضعت العالم في حقيبة يد، بكلمات مثل «الخصخصة»، و«رفع
الضوابط» التي باتت شائعة في الغرب أولا، ثم في العالم النامي، وفي الدول الشيوعية
السابقة. وكما أشار الروائي فيكتور هوغو ذات مرة في روايته: «لا أحد بإمكانه أن
يوقف فكرة آن أوانها»، فقد قفزت العولمة إلى الأمام باستخدام التكنولوجيا والأيديولوجية،
وظهر جيل توني بلير، وبيل كلينتون، وبلير وجورج بوش، وديفيد كاميرون، وباراك
أوباما، ليقود مجموعة من الشباب مسيرة العالم ويرشدون الناس لما يجب عليهم فعله،
وإن كان بدرجات غرور متفاوتة.
مرة
أخرى، كانت الولايات المتحدة الشريك الأكبر والأكثر نفوذا، فاقتصاد بريطانيا أصغر
من اقتصاد كاليفورنيا، وميزانية دفاع بريطانيا الإجمالية أقل من نصف ميزانية
القوات البحرية الأمريكية. لكن حقيقة أن للولايات المتحدة شريكا يتحدث لغتها نفسها
(في كثير من المستويات) جعلت التحالف بينهما أعظم من مجموع أجزائه.
بريطانيا
أعطت «الأنجلوسفير» صوتا في الاتحاد الأوروبي، كذلك جلبت بريطانيا قوة ناعمة
كبيرة، وجاءت إلى الطاولة بإعلام عالمي غير معتاد، فها هي «أوكسبريدج» وبالطبع
لندن تنافس نيويورك في أسواق المال العالمية.
بالتدريج
أصبح «الأنجلوسفير»، مجرد افتراض بعد أن كرهت بعض الدول رسالتها، وأراد كثيرون
تعديلها وفق احتياجاتهم، أو ربما تأجيلها. ورغم ذلك، فإن ذلك الافتراض ولو في
الأماكن المعادية مثل بروكسل وبكين، كان يحظى بقبول، وإن كان على مضض، وهو ما جعل
الدول، «ولو كانت تبلي بلاء حسنا»، مجبرة على أن تكون أكثر إنجليزية. إذا نظرنا
إلى الخلف، فسنجد أن هذا الافتراض كان هشا أكثر مما يعتقد أي إنسان. فرغم أن
اعتداءات 11 سبتمبر (أيلول) ساهمت في اصطفاف العالم في البداية خلف «الأنجلوسفير»،
فإن فكرة أن بريطانيا والولايات المتحدة كانا على الجانب الصواب من التاريخ، باتت
محل جدل وشكّ كبيرين بسبب الحرب في العراق، وبسبب الرعب الذي شاهدناه في معتقل غوانتانامو،
ثم العجز الائتماني. الأكثر من ذلك أن الصين، في ظل استمرار صعودها، بدا أن هناك
صوتا منافسا يعلو ويجتذب حكومات في العالم النامي، وهو أن «الإجماع على بكين» جعل
العالم يقول إن النظام الشمولي حافز أفضل للرخاء من الفوضى.
لا
يزال هناك أمل أن تتعافى «الأنجلوسفير»، وإذا كان قد آن أوان التعافي، يجب أن يحدث
ذلك قريبا، لأن التاريخ لا ينتظر الدول الكسولة. والفكرة التي آن أوانها، قد يمر
وقتها إن لم تطبق وتستغل. وقد غيّر «الأنجلوفون» العالم لكثير من الأسباب، من ضمنها
أنها استغلت حالة الزخم. دعونا ندعو لها بالتعافي قريبا!
عن صحيفة الشرق الأوسط اللندنية