هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
يحتفل العالم في الثامن من آذار/ مارس من كل عام بيوم المرأة العالمي، حيث تتكثف فيه الدعوات، مطالبة بـ"إعطاء النساء كامل حقوقهن، وتهيئة الأجواء والمناخات لحياة خالية من العنف والتمييز ضد النساء"، وفق بيانات الحركات والجمعيات النسوية المختلفة.
ولئن كانت الحركات النسوية في العالم الغربي بدأت في مطلع القرن العشرين، باحتجاجاتها العارمة على عدم المساواة بين الرجل والمرأة، فإن "التيارات النسوية في العالم العربي بمجملها تعد حديثة النشأة نسبيا، ولم تبلغ حالة النضج بعد"، بحسب الكاتبة والناشطة المصرية هدى عويس.
الرجال والنساء شركاء
وقالت عويس في حديثها لـ"عربي21": "ومن الملاحظ أن غالب تلك التيارات تتطرف كثيرا في مواقفها من الدين، وتخلط ما بين الدين الحق وما بين القراءات والتأويلات الدينية المختلفة، وكذلك التقاليد والعادات المجتمعية، والسلوكيات الذكورية المستفحلة في مجتمعاتنا العربية"، مضيفة أن "اللبس والخلط غالبا ما يأتي من هذا الجانب".
وأشارت الكاتبة المصرية عويس إلى أن "التيارات النسوية العالمية تنطلق فعلا من رؤى لا دينية، وأنها ضد الرجل والنظام الأبوي والدين، لكن بالنسبة لمجتمعاتنا العربية والإسلامية، فقد اعتاد أهل الرأي والتنظير على عمل خلطات توافقيه عجيبة ما بين الاتجاهات الحداثية الغربية وما بين الدين والتقاليد".
وأضافت: "لكن تلك التوافقات للأسف تحمل بداخلها تناقضات شديدة، وغالبا ما تفشل في النهاية"، لافتة إلى أنها "مع الاتجاهات المعارضة لتلك التسميات والحركات؛ لأنها عنصرية في حقيقتها، وتزيد من عزلة المرأة وتصنيفها"، مؤكدة على أن "الرجال والنساء كلهم بشر وشركاء في الحياة والكفاح".
اقرأ أيضا: دراسة أمريكية مثيرة عن أثر حجاب المرأة على مصداقيتها بالمحكمة
وذكرت عويس أن "المرأة اليوم باتت تحتل مراكز ومواقع مرموقة في الحكومات والجامعات ومختلف مناحي الحياة، والنساء لسن ناقصات عقل، ولديهن أصواتهن المرتفعة للمطالبة بحقوقهن، متسائلة: "فلماذا يصنفن أنفسهن على أنهن أضعف من الرجال مثلا، أو أنهن مضطهدات في تعامل الرجال معهن؟".
"النسوية" معادية للشريعة
من جهته، وصف الباحث في الأديان المقارنة والمذاهب المعاصرة، الدكتور سامي عامري، التيارات النسوية العربية، بأنها "تبدأ بإنكار بعض الأعراف تحت عنوان مخالفتها لصحيح الدين، ثم تتمدد فتنكر ثوابت من الدين تحت اسم التأويل الديني، ثم تنتهي بالكشف عن وجهها بأنها تنطلق من رؤية لا دينية تحتكم إلى الأذواق والأهواء، وتسعى إلى إقصاء الرؤية الدينية كلية عن التأثير في الفضاء العام".
وردا على سؤال "عربي21" فيما إذا كان توصيفه السابق ينطبق على كل التيارات النسوية في العالم العربي على اختلاف جغرافيتها، أوضح عامري أن "ما ذكره هو الصفة العامة لذلك التيار في جميع البلاد، غير أنه مر بهذه الأطوار في بلاد المغرب العربي ومصر والعراق والشام بنسب متفاوتة، وهو في أطواره الأولى في بلاد الخليج".
وواصل حديثه بالقول: "واقع تطور مطالب التيار النسوي هو الذي رسم هذه الخارطة المرحلية، فقد كانت المطالب الأولى بعد ما يعرف بالاستقلال تتمسّح بالشرع في ظل بيئة معظمة لمحكمات الشرع، ثم بقيت مسحة الشرع الظاهرية، وتطورت المطالب إلى مطالب غير شرعية في حقيقتها مع بداية تغير البنية القانونية والثقافية، لينتهي الأمر بالدعوة إلى الانسلاخ من المنظومة الإسلامية ظاهرا وباطنا، وهو ما يظهر بفجاجة عند الفرنكفونيات في المغرب العربي"، على حد قوله.
وأشار الباحث في مقارنة الأديان والمذاهب المعاصرة إلى أن "التيار النسوي تيار علماني في تركيبته الصميمية، فطابع الأدلجة فيه ظاهر، ومرجعيته الفكرية الغربية معلومه، وأهدافه التغريبية معلنة، واللوبيات الغربية التي تدعمه معلنة، ولذلك فإنه يتبنى بشدة -في البلاد التي تجاوز فيها المرحلة الثانية- مطلب الدفاع عن السحاقيات، والأمهات العازبات".
النسوية الإسلامية
من جانبها، وبرؤية مغايرة، قالت الكاتبة والباحثة السورية، ديما مصطفى سكران: "الحركات النسوية العربية ليست تيارا واحد، بل تيارات متعددة، فمن غير الإنصاف إطلاق تلك الاتهامات عليها هكذا بالجملة".
وأضافت لـ"عربي21": "نعم هناك حركات نسوية تعلن عن نفسها بكل صراحة، وتسعى لإقصاء الرؤية الدينية عن التأثير في الفضاء العام دون مواربة، لكن معظم من يُطلق عليهن نسويات في وقتنا الحالي لم يخترن لأنفسهن هذه التسمية، بل تم وصمهن بها وصما، في محاولة لاحتواء احتجاجات نسائية تجاه مظاهر من المظلم الممارس على المرأة في المجتمع".
اقرأ أيضا: صحيفة فرنسية: لا تزال حقوق المرأة السعودية "مقموعة"
ولفتت سكران إلى أن "هذه الاحتجاجات في صفوف الإسلاميات أو الملتزمات مثلا، يتم وصمها بـ"النسوية الإسلامية" على سبيل الرفض والاستنكار لا على سبيل التوصيف، ومن الظلم جمع هؤلاء النساء مع الحركات النسوية المعادية صراحة للشريعة الإسلامية، ورميهن بأنهن يسعين لإقصاء الدين عن المجتمع، لتشابه في بعض الطروحات المحقة بين الاتجاهين رغم وجود اختلاف واسع وشاسع في التعاطي مع قضايا أخرى"، بحسب قولها.
ووصفت سكران تلك الاتهامات بأنها "محاولة غير موفقة للتعامل مع استعراض النساء لمظاهر من الظلم الواقع عليهن في المجتمع، من خلال تنميط هؤلاء النساء، ثم تعميم اتهامات غير صحيحة عليهن، ثم رفضهن الكلي ورفض طروحاتهن، دون محاولة للتعامل مع هذه الأطروحات بكثير من الهدوء والموضوعية والإنصاف، وبعيدا عن الشعور بالتهديد والاستفزاز".
وتابعت: "هذا الرفض المطلق والكلي، وهذه الشيطنة للأصوات النسائية التي تلفت النظر لبعض المظالم المتعلقة بالمرأة، ستزيد الاستقطاب بين الرجال والنساء، وستعرقل نقاشا صحيا في المجتمع كان ليؤدي إلى حل الكثير من الإشكالات العالقة، ما سيؤزم الأمور، وهذا ليس في مصلحة أي أحد".
وشددت في ختام حديثها على أنها "تؤمن بشكل لا يشوبه أدنى قدر من الارتياب أن أي حلول لقضايا النساء العالقة في المجتمع يجب أن تنبثق حصرا من المنظومة الإسلامية الدينية، وأن أي محاولة لاستيراد الحلول من خارج المنظومة ستبوء بالفشل، وستزيد الطين بلة".