هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
دعوت منذ سنوات ما بعد الانقلاب أن تقوم جماعة الإخوان المسلمين، ومن شاركوا في الشأن العام بعد ثورة 25 يناير، أن يكتب كل منهم شهادته على ما شارك فيه من أحداث، حتى نستطيع الاستفادة من تجاربنا، ونقد ذاتنا نقدا بناء مفيدا، وإلا فإن كل تجربة تمر دون كتابة دقيقة، ووقفة أمينة، ستظل محل سر، بلا تقدم، وبلا خبرة يستفيد منها الحاضر أو القادم.
الغنوشي أول المتكلمين
وهناك مواقف عشتها وكنت طرفا حاضرا فيها، ذكرت بعضا منها، ولم أذكر كثيرا منها، وما دعاني لكتابة شهادتي اليوم على تجربة دخول الإخوان المسلمين للترشح لرئاسة مصر، هو أنه شاع بين الناس - وبخاصة السياسيين والباحثين - أن من شجع الإخوان على هذه التجربة هو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وهو ما أبينه الآن من حيث الصحة أو عدمه.
في الحقيقة إن أول من تكلم بعدم الممانعة من ترشح الإخوان المسلمين للرئاسة، كان الشيخ راشد الغنوشي، ففي حوار خاص جمعني به والأستاذ الدكتور عصام البشير، سأله البشير: هل حقيقي أن الشيخ عبد الفتاح مورو سيترشح للرئاسة التونسية؟ فأجاب الغنوشي: لا، ثم تطرق الحديث من البشير بأنه ينصح بعدم ترشح الإسلاميين في تونس أو مصر للرئاسة، فتكلم الغنوشي بأنه ما المانع من ترشح الإخوان في مصر. كان كلام الغنوشي عن لماذا الرفض، أو المنع؟ ولا يوجد مانع عند الشعوب، وكذلك الغرب، ولا أعلم هل وقتها كان الغنوشي لديه معلومات عن ذلك، أم توقعات وتحليلات.
إن أول من تكلم بعدم الممانعة من ترشح الإخوان المسلمين للرئاسة، كان الشيخ راشد الغنوشي،
حوار مع أبي الفتوح
وفعلا ذهبت للقاء أبي الفتوح، ونقلت له كلام العريان، ودار الحوار حول الترشح، ونقلت له كلام الغنوشي، ويبدو أنه أعجبه، وقال لي: أنا قلت: قد أنتوي، وهذه أقل درجات التفكير. وبعدها قرر أبو الفتوح الترشح، وقد طلب مني وقتها استطلاع رأي الشيخ القرضاوي في الأمر، وكان شيخنا وقتها مع الرفض، ثم تردد رأيه بين الرفض والقبول، ثم لما أعلن أبو الفتوح الترشح أعلن القرضاوي تأييده.
غيَّر الإخوان رأيهم في الترشح، ورشحوا المهندس خيرت الشاطر، ثم بعدها قام المجلس العسكري باستبعاد الشاطر والشيخ حازم أبو إسماعيل، وترشح الدكتور محمد مرسي فك الله أسر الجميع. ولكن وجد المهتمون بشأن الثورة أن كثرة المرشحين قد يفتت الأصوات، وذلك سيكون لصالح نظام مبارك، لينجح مرشح لا ينتمي للثورة المصرية. فقرروا السعي لتوحيد الجميع خلف مرشح واحد.
دخول القرضاوي
فكر أحد الإخوان القدامى وهو أكاديمي ومفكر، في جمع عدد من العلماء والسياسيين، ليقوموا بدور توحيد القوى والجهود، وجعل الجميع يتنازل لشخص واحد، يتوافقون عليه، ودعي للحضور في القاهرة العلامة القرضاوي، وكان لا بد من مرافق له، طلب مني الإخوان أن أكون المرافق في هذه الرحلة، وطلب مني أنصار أبي الفتوح كذلك، فاستأذنت إخواني في مكتب الشيخ فهذا حقهم وحدهم، وبطيب نفس منهم وكرم خلق سمحوا، فقد كان الجميع يريد أن ننجح في هذا السعي، وتم الاتفاق على أن يسافر القرضاوي ومعه العبد الفقير يوم الخميس، لأن اللقاء سيعقد السبت قبل انتخابات الرئاسة المصرية بشهر.
حجزنا للسفر، ولكن يوم الخميس اتصل الديوان الأميري في قطر بالشيخ، وأخبروه أن رئيس وزراء تركيا - آنذاك - رجب طيب أردوغان في زيارة ويريد لقاءك في أمر مهم، كلمني الشيخ أن أسافر، وأسبقه بيوم، وأعد ما هو مطلوب مني، وسيلحق بي مساء الجمعة إن شاء الله. وفعلا سافرت الخميس ولحق بنا الشيخ مساء الجمعة، تركناه يستريح هذه الليلة، لأن اللقاء مساء السبت، وطلب مني الدكتور محمد البلتاجي والدكتور صلاح سلطان والدكتور صفوت حجازي فك الله أسرهم، أن نجلس سويا مع الشيخ في الصباح في بيته، قبل اللقاء، ورتبت ذلك. وحضر البلتاجي وسلطان وغاب حجازي للقائه بالشاطر ومرسي.
إقرأ أيضا: "عربي21" تحاور نجل مرسي حول "الساعات الأخيرة" واخر لقاء به
كانت الفكرة التي جاء بها البلتاجي وسلطان أن يشكل مجلس رئاسي، يتكون من أقوى المرشحين، ويترشح مرشح واحد فقط، في تفاصيل ليس هنا مجال تفصيلها، ولكن إذا ترك الإخوان الترشح يكون لهم نصيب معقول من هذا المجلس يعوض التنازل. ظل يسمعنا الشيخ وأثنى على الفكرة، ثم سألناه: ما أخبار لقائك بأردوغان؟
فقال القرضاوي: لقد قال لي أردوغان: ليتك تنصح إخوانك من الإخوان يا مولانا، ألا يترشحوا للرئاسة، وأن يتركوا أبا الفتوح، فهو في النهاية ابن مدرستهم، فإذا نجح كان نجاحه محسوبا لهم، ثم يتهيأوا لجولة تالية تكون أنسب لهم، ويكونوا قد تمرنوا على دولاب الدولة، الذي لم يتعاملوا معه إلا كمعارضة فقط. وإذا أخفق أبو الفتوح في التجربة فلن يحسب عليهم، فلهم نجاحه، وليس عليهم خسارته، واطلب منهم ألا يصلبوا رأسهم في ذلك، فالعقل والحكمة تقتضي ذلك.
قلنا للشيخ: وما رأيك في كلام أردوغان؟ قال: ليتهم يستجيبوا لذلك، وفكرة المجلس الرئاسي جيدة.
اتصل بنا صفوت حجازي بأن ننتظره لأمر مهم جدا، ورسالة من الشاطر ومرسي، وألا ننصرف قبل مجيئه، والاقتراحات التي يقبل بها الإخوان في التوفيق بين المرشحين، ومن يحكم بينهم وبين بقية المرشحين في ذلك. وهو ما أكمله في مقالي القادم إن شاء الله.
[email protected]