هز إعدام تسعة شباب عزل من شباب
مصر، ضمير كل إنسان حر يرفض الظلم وقتل النفس البريئة بناء على تهم ملفقة وقرارات جائرة؛ تصدر في نهاية محاكمات صورية يجريها قضاء الانقلابيين. وارتفع الصوت الأعلى من
تركيا لإدانة تلك
الإعدامات وصمْت المجتمع الدولي المخجل.
لا غرابة في تصدر تركيا المشهد في إدانة إعدامات مصر، لوقوف أنقرة منذ اللحظة الأولى إلى جانب الشعب المصري الثائر وحكومته المنتخبة؛ ضد الانقلاب العسكري الذي قام به الجيش المصري بقيادة عبد الفتاح السيسي، لإسقاط الرئيس الشرعي محمد مرسي. كما أن هناك جالية مصرية في تركيا ازداد عدد أفرادها بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة. ويمكن أن يضاف إلى ذلك أن للحركة الإسلامية المصرية بمختلف ألوانها مكانة خاصة لدى الإسلاميين الأتراك.
الإسلاميون في تركيا استفادوا كثيرا من تجربة الجماعات الإسلامية المصرية، على رأسها الإخوان المسلمون، ومؤلفات العلماء والكتاب والمفكرين المصريين، مثل حسن البنا وسيد قطب ومحمد قطب ومحمد الغزالي رحمهم الله، من خلال عملية الترجمة النشطة، بالإضافة إلى الطلاب الذين سافروا إلى أم الدنيا للدراسة في الأزهر الشريف. ولذلك، من الطبيعي للغاية أن يتفاعلوا مع معاناة إخوانهم المصريين ويشاركوهم في أحزانهم وأفراحهم.
تركيا أمام عتبة الانتخابات المحلية المقرر إجراؤها بعد حوالي شهر، والحملات الانتخابية محتدمة، والتنافس بين الأحزاب السياسية على أشده، إلا أن الرأي العام التركي لم يتجاهل إعدامات مصر، بل نشرت وسائل الإعلام التركية تقارير تسلط الضوء على تفاصيلها، كما تناقل الكثير من المواطنين عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبرامجه؛ مشاهد مؤثرة من محاكمات هؤلاء الشباب وكلماتهم.
عمداء كليات الإلهيات والعلوم الإسلامية في كافة الجامعات التركية أصدروا بيانا مشتركا لإدانة إعدامات مصر، ولفتوا فيه إلى قول الله عز وجل: "من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا"، كما دعوا الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لوقف تنفيذ الأحكام الجائرة في مصر، وطالبوا بفرض عقوبات سياسية واقتصادية على النظام الانقلابي، إن لم يتراجع عن إجراءاته الظالمة.
مستوى التفاعل الرسمي في تركيا مع إعدامات مصر لم يكن أقل من مستوى التفاعل الشعبي. وما زال رئيس الجمهورية التركي رجب طيب
أردوغان يدين في تصريحاته وكلماته إعدام الشباب التسعة، كما يستنكر صمت المجتمع الدولي، وتجاهل الاتحاد الأوروبي لما يجري في مصر من ظلم وقمع وانتهاكات جسيمة. وقال في برنامج تلفزيوني، تعليقا على إعدامات مصر، إن ما يجري جريمة ضد الإنسانية، مشيرا إلى أن الانقلابيين أعدموا 42 مصريا منذ إسقاط الرئيس المنتخب محمد مرسي، واستنكر صمت الدول الغربية أمام إعدام تسعة من الشباب العزل.
تركيا ألغت عقوبة الإعدام عام 2004 في إطار مساعيها لتحقيق معايير الاتحاد الأوروبي والانضمام إليه، إلا أن هناك مطالبة شعبية واسعة في البلاد بإعادة تطبيق عقوبة الإعدام، وزاد حجمها بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي قام بها ضباط موالون للكيان الموازي، التنظيم السري لجماعة كولن، في 15 تموز/ يوليو 2016.
رئيس المفوضية الأوروبية جان-كلود يانكر، وفي مقابلة نشرتها صحيفة بيلد الألمانية في 19 أيار/ مايو 2017، حذر من أن إعادة العمل بعقوبة الإعدام في تركيا ستؤدي إلى إنهاء مفاوضات انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي. كما يقول القادة الأوروبيون في تصريحاتهم حول عقوبة الإعدام إنها لا تتوافق مع الكرامة الإنسانية، ولا يمكن فيها الرجوع عن الأخطاء القضائية التي قد تكون مميتة. ومع ذلك، يلبون دعوة النظام الذي يطبق هذه العقوبة ضد المدنيين الأبرياء بكل وحشية، ولا ينبسون ببنت شفة لإدانة إعدام تسعة شباب ظلما وعدوانا، بل يصافحون رئيس ذاك النظام الانقلابي ويلتقطون معه صورا، دون أن يبالوا بضحايا الإعدامات ومشاعر الأسر.
تركيا منذ أيام تحزن على إعدامات مصر من جهة، وتسعى إلى فضح نفاق الدول الغربية من جهة أخرى، ليرى العالم بكل وضوح كيف يكيل الاتحاد الأوروبي بمكيالين في قضايا الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان، وكيف يلعب القادة الأوروبيون المجتمعون في شرم الشيخ أدوار القرود الثلاثة أمام إعدامات عبد الفتاح السيسي.