هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الكتاب: محددات السياسية الخارجية الإيرانية وأبعادها تجاه دول الخليج
في سياق مناقشات النووي الإيراني
المؤلف: عائشة آل السعد
الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات
الطبعة الأولى: تشرين ثاني (نوفمبر) 2018
عدد الصفحات 152
هذا الكتاب هو أشبه ما يكون بورقة استراتيجية تشتغل على حيثية محددة تدرس محددات السياسية الخارجية الإيرانية في علاقتها بدول الخليج وانعكاس الملف النووي عليها. ويكتسي أهميته من جهة محاولته الحفر في تاريخ الملف النووي الإيراني، وتطور السياسات الخارجية الإيرانية حيال دول الخليج منذ الثورة الإسلامية إلى عهد روحاني، ودراسة المحددات التي ترسم هذه السياسة الخارجية تجاه دول الخليج، وأثر الديناميات السياسية الداخلية في إيران، وتحولات السياسة الدولية تجاه إيران، وكذا الملف النوري، في تكييف الموقف الإيراني من دول الخليج.
وقد حاولت الباحثة عائشة آل السعد الجمع بين تحليل المعطيات، واستمزاج الرأي بشكل ميداني في العديد من القضايا التي تؤطر التوتر الإيراني الخليجي، كما حاولت حصر مختلف الأبعاد المتحكمة في تفسير تطور العلاقات الإيرانية-الخليجة، سواء من جهة إيران، أو من جهة دول مجلس التعاون الخليجي، أو من جهة السياق الدولي والإقليمي الحاكم.
السياسة الخارجية الإيرانية في المنطقة: طموح إقليمي قديم
أول ما يحاول الكتاب تأسيسه في ذهن القارئ أن الطموح الإيراني لتوسيع نفوذها الإقليمي في المنطقة، لا يرجع إلى الثورة الإيرانية ولا إلى قيادتها (قائد الثورة آية الله الخميني)، وإنما هو مرتبط بطبيعة الثقافة الفارسية القديمة، التي تنزع نحو فرض الهيبة والشرعية والفخر بالمجد الفارسي القديم، إذ أكد الكتاب من خلال تتبع عناصر السياسة الخارجية الإيرانية في عهد الشاه، بروز ملامح هذا التوجه، وتحوله إلى رهان جدي في المنطقة، إذ انطلق البرنامج النووي مبكرا في عهده، ودخلت إيران الشاه في عدد من الشراكات الأمريكية، ثم الأوروبية الفرنسية والألمانية، وتم بناء عدد من المفاعلات النووية، إلا أنها لم تكتمل، بل اضطرت إيران إلى توقيفها بسبب الموقف المتحفظ للثورة الإيرانية منها في البداية، وأن عملية مراجعة الموقف لم تتم إلا في وقت متأخر، بعد موت آية الله الخميني، وبعد شعور إيران بوجود تهديدات لمنظومة أمنها القومي، إذ اضطرت في البدء إلى أن تلجأ إلى السرية في اعتماد برنامجها النووي، دون أن تكشف عن نواياها من هذا الاتجاه، وما إذا كانت عسكرية أم لمجرد أهداف مدنية.
ويرصد الكتاب تطور الملف النووي الإيراني بعد انكشافه غربيا سنة 2002، واضطرار إيران إلى الإعلان عن نواياها السلمية في هذا البرنامج، والاحتجاج بأحقيتها في اعتماده، مع توظيفه في شكل مقايضة دبلوماسية مع المنتظم الدولي، للدخول في مفاوضات طويلة لفك العزلة الدولية ورفع الحصار الاقتصادي عنها.
إقرأ أيضا: بعد سريان عقوبات إيران.. دعم خليجي دون ضمانات أمريكية
كما رصد البحث بهذا الخصوص جانبا مهما من التباينات الداخلية بخصوص تدبير هذا الملف بين الإصلاحيين والمحافظين، وكيف تم إدارته في المرحلتين (حكم خاتمي وحكم نجاد)، وكيف أثمرت مفردات السياسة الخارجية الإيرانية دبلوماسية توظف هذا الملف، وتستثمره في رفع القيود الاقتصادية والتجارية عنها، وكيف نجحت في الأخير في سياستها وألجأت أمريكا للاتفاق النووي الذي أبرم في عهد الرئيس روحاني.
عقّد العلاقات الإيرانية وأدخلها منطقة التوتر
بنفس الطريقة التي تم فيها تتبع مسار الملف النووي الإيراني، وتطور عملية تدبيره، وأثر الديناميات السياسية الداخلية في إدارته، حاول الكتاب أيضا أن يرصد تطور العلاقات الإيرانية ـ الخليجية، وكيف مرت في مرحلة الثورة الإيرانية إلى التوتر على خلفية تخوف دول الخليج من استرايجية إيران لتصدير الثورة الإيرانية، وأيضا على خلفيات أمنية ترتبط بالخوف من تهديد إيران للأمن الخليجي، وكيف عملت دول الخليج على دعم نظام صدام حسين في مواجهته العسكرية مع إيران، وكيف تحول الموقف غداة الغزو العراقي لإيران، ودخلت العلاقات لمرحلة الانفتاح الحذر، وكيف لعبت التحولات الإقليمية في تبرير هذا التحول، إذ ركز الكتاب على الدور الذي قام به الإصلاحيون في هذا السياق، وبشكل خاص دور هاشمي رفسنجاني، ثم يعرج بعد ذلك على المخاوف التي أعلنتها دول الخليج، عند تبني إيران للبرنامج النووي، وكيف تحول هذا الملف إلى تهديد حقيقي للعلاقات الإيرانية الخليجية، بعد أن أصبح محددا أساسيا للسياسة الإيرانية، وأداة تفاوضية قوية بيد صناع القرار السياسي الإيراني يستعملونه لإقناع الاتحاد الأوروبي خاصة، وتوجيه رسالة إلى أمريكا عبرهم، بأن العدول عن الملف النووي يتطلب تلبية توقعات إيران الاقتصادية والسياسية، مما تسبب في فشل المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي، ونقل الملف إلى مجلس الأمن سنة 2006، لتأخذ العلاقات الخليجية مسارا جد متوتر مع وصول المحافظين الراديكاليين إلى السلطة (أحمدي نجاد) ما بين 2005 و 2013، بعد أن صدرت عنهم تصريحات ومواقف تصعيدية بشأن القدرات العسكرية الإيرانية. كما عرفت هذه المرحلة حربا إسرائيلية مع المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان (حزب الله المدعوم إيرانيا) سنة 2006، وتقوت المخاوف الأمريكية والإسرائيلية من الدور الإيراني في المنطقة وتهديدها لمنظومة الأمن الإسرائيلي، بل تهديديها للمصالح ألأمريكية الخاصة بتدفق النفط والغاز بالمنطقة.
عرفت فترة الرئيس أحمدي نجاد أصعب اللحظات، إذ دخلت فيها العلاقات الإيرانية الخليجية منطقة التوتر والتصعيد وترسخ الشكوك المتبادلة،
إقرأ أيضا: رغم انتقادها قطر.. تعرف على طبيعة علاقة الإمارات بإيران
وتدخل الدراسة في مقارنة بين تمثل كل طرف للتهديد الأمني الذي يشكله الآخر، فإيران لا ترى في الخليج ـ باستثناء السعودية، تهديدأ لأمنها وذلك بسبب محدودية ترابها الجغرافي ومحدداتها الديمغرافية، وأيضا قدراتها الدفاعية وإمكاناتها الاقتصادية، وأن ما كانت تعتبره تهديدا لأمنها القومي من جهة دول الخليج، أخذ شكله في دعم دول الخليج لنظام صدام، أو دعم الجماعات السنية المعارضة لحليف إيران في سوريا (معارضو نظام بشار الأسد)، وأن ما توليه الاعتبار الأول، هو التهديد الأمني الذي تمثله الحماية الأمريكية لدول الخليج، أما بالنسبة لدول الخليج، وبشكل خاص السعودية، فإن تقديرها للتهديد الأمني الذي تشكله إيران يرجع أولا، لنفوذها الإقليمي في المنطقة، وملفها النووي، وتوظيفها للأبعاد الإيديولوجية والطائفية والأقليات في زعزعة الاستقرار في المنطقة، وبلوغ استراتيجياتها أهدافا على الأرض في مناطق كانت تعدها السعودية داخلة ضمن دار منظومتها الأمنية مثل اليمن، بسبب لعبتها في خوض حروب بالوكالة في عدد من المناطق في الشرق الأوسط.
وتلاحظ الدراسة أن هناك مبالغة متبادلة من الطرفين في تقدير حجم التهديد الذي يشكله كل طرف للآخر. فمن جهة دول الخليج، فهي تدرك أن قدرات إيران العسكرية التلقيدية هي اقل بكثير من قدراتها وإمكاناتها، أما إيران، فمبالغتها في تقدير هذا التهديد يرجع بدرجة أولى إلى تأثير الدوائر المحافظة والراديكالية على صناع القرار السياسي، والتي تميل إلى استحضار الأدوار التي قامت بها دول الخليج في كبح الثورة ومنعها من الانتشار، وكذا دورها في تمويل نظام صدام لمواجهة إيران ومنع ثورتها من الامتداد خارج دائرتها القطرية.
وترى الدراسة أن ما يبرر هذه المبالغة هي اعتبارات سياسية أكثر منها عوامل موضوعية، فالسعودية تستثمر هذه المبالغة لتبرر دورها الإقليمي الريادي في المنطقة، ودول الخليج الأخرى تستعمل قليلا من المبررات التي تشجعها على هذه المبالغة، وتضطر للجوء إليها لتبرر موقعها كحليف استراتيجي للمملكة العربية السعودية. أما إيران، فإن حاجتها إلى تجاوز بعض الأوضاع الداخلية الحادة، بما في ذلك بعض الحركات الاجتماعية القوية، تدفعها إلى خلق تحد خارجي تستعين به في رص وتوحيد الجبهة الداخلية لمواجهة التحديات الخارجية.
ولعل هذا بالتحديد ما يفسر كيف لم يستطع الإصلاحيون في إيران، على مدى سنوات طويلة مع كل من هاشمي رفنسجاني، ثم محمد خاتمي، ثم أخيرا حسن روحاني، في أن يضمنوا ديمومة سياسة الانفتاح مع دول الخليج، وأن يقلصوا من مساحة التوتر في هذه العلاقة.
وتخلص الدراسة إلى أن العلاقة بين الطرفين بعد الربيع العربي، قد بلغت أوج التوتر، بسبب تداخل محددات عدة، ترجع بعضها إلى سياسة إيران في المنطقة، وبشكل خاص العراق وسوريا ولبنان واليمن، والتداعيات التي تركها الاتفاق النووي على دول الخليج، وترى أنه على الرغم من قرار الرئيس الأمريكي ترامب بوقف هذا الاتفاق، إلا أن مفعوله لا يزال مستمرا، كما أن مفردات السياسة الإيرانية، لم تتغير في اتجاه مراجعة طموحها الإقليمي، مما يرجح في تقدير الدراسة استمرار عدم الثقة بين الطرفين.
إقرأ أيضا: فقه الانتظار.. صراع تيارات شيعية إيرانية على "ولاية الفقيه"