هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
كما هو متوقع فشلت قمة سوتشي في التوصل إلى تفاهم حول منطقتي شرق الفرات وإدلب، ويبدو هذا من نافلة القول بسبب الهوة الكبيرة بين الجانبين الروسي والتركي، فلكل طرف مطالب لا يستطيع الطرف الآخر تلبيتها.
تباينات روسية ـ تركية
بالنسبة لتركيا، تريد إبقاء الوضع على ما هو عليه في منطقة إدلب، وترك مصير "هيئة تحرير الشام" للدبلوماسية التركية، أي رفض شن عملية عسكرية ضد المنطقة، وتريد أنقرة أيضا منطقة أمنية عميقة في الأراضي السورية تتجاوز الـ 20 كلم، وأن تكون تحت إدارتها.
وبالنسبة لروسيا، فهي تريد تنفيذ المنطقة الآمنة وفق منطوق "اتفاق أضنة"، مع ما يعنيه ذلك أولا من تحديد المدى الجغرافي التركي في الأراضي السورية بما لا يتجاوز خمسة كيلومترات، ويعني ثانيا أن يمر الاتفاق عبر دمشق، أي إجراء نوع من التطبيع السياسي بين أنقرة والنظام السوري وشرعنة وجود الأسد.
إقرأ أيضا: صحيفة روسية: هل تتجاهل موسكو الأسد من أجل أنقرة؟
لا تستطيع تركيا الاستجابة للمطالب الروسية، كما لا تستطيع روسيا بالمقابل الاستجابة للمطالب التركية، خصوصا فيما يتعلق بشرقي الفرات، المنطقة التي تحظى باهتمام كبير من قبل الطرفين في هذه المرحلة.
أما منطقة إدلب فهي أقل أهمية، لأنها لا تشكل تهديدا فعليا للنظام، ولم تقم روسيا بأي تحرك عندما شنت "هيئة تحرير الشام" عملية عسكرية قبل نحو شهرين وسيطرت من خلالها على ريف حلب الغربي وكامل الريف الجنوبي لإدلب.
ترفض تركيا أي عملية عسكرية من حيث المبدأ في منطقة إدلب، لأنها تضرب عرض الحائط كل الجهود التي تقوم بها لترتيب المشهد الداخلي للمحافظة سواء على الصعيد العسكري أو على الصعيد الإداري المدني، فشن النظام عملية عسكرية سيلغي الفوارق بين فصائل المعارضة والتنظيمات الإرهابية، ويجعلهما في خندق واحد لمواجهة النظام.
إقرأ أيضا: أردوغان: هناك من يعمل سرا وعلانية لاستمرار الصراع بسوريا
المقاربة التركية ـ توافق عليها روسيا ـ هي أن أي عملية عسكرية واسعة ضد المحافظة ستعيد الأمور إلى مربعها الأول وتنعكس سلبا على مروحة التفاهمات الروسية ـ التركية التي تشمل الصعيدين العسكري والسياسي، لأن نتائج هذه العملية ستلحق ضررا كبيرا بتركيا على عدة مستويات:
أولا، على مستوى اللجوء الإنساني، حيث ستحدث عملية نزوح كبيرة إما باتجاه الأراضي التركية أو باتجاه منطقة عفرين، وفي كلا الحالتين ترفض أنقرة ذلك، لما سيسببه ذلك من تعقيدات اقتصادية لها.
ثانيا، على مستوى إدارة وضبط تركيا لفصائل المعارضة، فمثل هذه العملية ستضع أنقرة في حرج أمام الفصائل، وربما تندفع فصائل المعارضة للخروج من عباءة التفاهمات التركية ـ الروسية، لأن أهم شروط انصياع المعارضة للمطالب التركية بعدم محاربة النظام، هي أن لا يقوم الأخير بالمقابل بشن هجوم عسكري على إدلب.
ثالثا، ستجد تركيا نفسها مضطرة إلى الوقوف إما بجانب "هيئة تحرير الشام" مع ما يعنيه ذلك من دعم صريح للمنظمات الإرهابية، أو الوقوف ضد الهيئة، وبالتالي خسارتها القدرة على ترتيب المشهد الداخلي للمحافظة، وخسارة ورقة جغرافية مهمة، لأن الهدف الفعلي للنظام من عملية عسكرية ليس القضاء على الهيئة، وإنما السيطرة على أكبر قدر ممكن من مساحات جغرافية.
الاحتمالات الممكنة
أمام هذا الوضع، ثمة سيناريوهان، الأول إبقاء حالة الستاتيكو في إدلب إلى حين التوصل إلى تفاهمات جديدة، والثاني شن عملية عسكرية.
والمعطيات السياسية والعسكرية تشير إلى أن المعركة قد تقع، بشرط أن لا تؤثر على جوهر اتفاق سوتشي، وجوهر الاتفاق ليس هو المنطقة الآمنة بحسب ما هو معلن من الاتفاق، وإنما هو القبول الروسي بإخضاع المحافظة للهيمنة التركية، وترك مصير الهيئة للأتراك وحدهم.
ومن هنا، فإن عملية عسكرية محدودة لن تؤثر على جوهر الاتفاق، وهو ما عبرت عنه موسكو قبل أيام، أنه إذا ما نفذت هذه العملية فإنها ستكون محدودة ودقيقة.
لروسيا مصلحة في شن العملية العسكرية، من أجل ابتزاز تركيا على صعيد ملف شرق الفرات، لإدراكها أهمية اللاعب التركي في الشمال السوري، فمن دون أنقرة قد يصعب على موسكو ضبط الجغرافية الاستراتيجية في الساحة الشمالية من سورية.
وللنظام السوري مصلحة في ذلك ليس من أجل الحصول على أراض جديدة فحسب، بل أيضا من أجل إبعاد الأضواء عن الأزمة الاقتصادية الخانقة في سورية التي بدأت ملامحها في الظهور منذ أسابيع، ومن شأن عملية عسكرية جديدة أن تبعد الأنظار قليلا عن الأزمة المعيشية.
وأغلب الظن، أن العملية العسكرية إن جرت فستكون في ريف حماة الشمالي وما تبقى من ريف اللاذقية الشمالي، وربما بعض مناطق ريف إدلب الجنوبي، من دون الوصول إلى عمق المحافظة عند بوابة سراقب.
كاتب وإعلامي سوري