هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "إندبندنت" مقالا لمراسلها ريتشاد هول، تحت عنوان "من دبلن إلى تنظيم الدولة"، يروي فيه قصة إيرلندي ذهب إلى "الخلافة" في سوريا والعراق "بالخطأ"، فيما ينظر إليه الآخرون على أنه إرهابي.
ويقول هول في مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، إنه استمع لقصة ألكسندر بيكمرزايف خلال الخمسة أعوام ونصف الماضية، وهي المدة التي قضاها مع أكثر المنظمات تطرفا في العالم.
ويشير الكاتب إلى أن المواطن الإيرلندي البالغ من العمر 45 عاما، وأصله من بيلاروسيا، حكى له قصة تحتوي على أخطاء وسوء حظ، قادته من بيته في دبلن إلى زاوية معزولة من شرق سوريا، حيث آخر معقل لتنظيم الدولة وهناك اعتقل.
ويلفت هول إلى أن "بيكمرزايف أكد أنه لم يكن قصده أبدا الانضمام للجماعة الجهادية، لكن الكثيرين قالوا القصة ذاتها عندما اعتقلوا، فهل يتوقع معاملة خاصة عن البقية؟".
وتنقل الصحيفة عن بيكمرزايف، قوله: "لدي هذه القصة وهذه حياتي كلها"، وأضاف في صوت مليء باليأس: "لو أيقظتني في الساعة الثالثة صباحا لقلت لك القصة ذاتها".
ويعلق الكاتب قائلا: "إن قصة بيكمرزايف هي واحدة من قصص مئات من الأجانب الذين انضموا إلى تنظيم الدولة، وتمثل تحديا لمن أسروه وللدول التي جاءوا منها، لأنه من الصعب إثبات ما فعلوه وهم في ظل الخلافة وإن قاموا بعمليات إرهابية بالنيابة عنها".
ويستدرك هول بأن "الشكوك التي تحوم حول المقاتلين الأجانب عالية، وهذا يفسر تردد الكثير من الدول في قبول إعادة تأهيلهم، وهناك خشية من كونهم خطرا على البلاد، ومن هنا فهم يعيشون حالة المجهول، فلا الجهة التي أسرتهم تريد بقاءهم، ولا دولهم التي يحملون هويتها ترغب بعودتهم، بالإضافة إلى أن مستقبلهم ومستقبل عائلاتهم غير واضح مع مرور كل يوم".
ويقول الكاتب إن حالة بيكمرزايف اليوم متناقضة عما كانت عليه وهو في دبلن، التي هاجر إليها من بيلاروسيا عام 1999، وحصل لاحقا على الجنسية الإيرلندية عام 2010، وعمل قبل سفره إلى سوريا حارسا على ناد ليلي اسمه "ليليز بروديللو".
ويورد هول أن بيكمرزايف يتذكر حياته في إيرلندا، قائلا إنها كانت "بسيطة.. حاولت العمل في أكثر من عمل حتى انتهيت في قطاع الأمن، وكان المال جيدا والساعات مريحة"، ووصف نفسه بالمسلم السيئ، فقد كان "مؤمنا كنه لم يمارس الشعائر".
ويجد الكاتب أنه "رغم أنه لا أحد يجادل في هذا الجزء من حياته، إلا أن ما حدث له لاحقا موضوع للتدقيق الشديد، سواء من الأكراد الذين يعتقلونه في قاعدة عسكرية في شمال سوريا، أو الشرطة الإيرلندية، فهو لا يتذكر اللحظة التي قرر فيها السفر إلى سوريا، لكنه يتذكر أنه شاهد تقارير إخبارية من البلد الذي انتهى إليه".
وينقل هول عن بيكمرزايف، قوله: "على التلفزيون تقارير عن المذابح التي ارتكبها بشراسة (بشار الأسد) وقتل الكثير من الناس"، ويقول إن الأسد "شخص شرير.. بدأت أفكر في السفر والمساعدة، ولم تكن لدي خبرة عسكرية ولم أخطط للقتال، وقلت لنفسي أستطيع تقديم خدمة في المجال الطبي".
وينوه الكاتب إلى أن بيكمرزايف اشترى في أيلول/ سبتمبر 2013 تذكرة إلى إسطنبول، ومنها إلى بلدة ريحانلي في جنوب تركيا، واجتاز الحدود إلى سوريا، التي لم يكن يعرف فيها أحدا، لكنه سأل عن مستشفى للعمل فيه، وانتهى به الأمر للعمل في بلدة اسمها حريتان في محافظة حلب.
ويتذكر بيكمرزايف قائلا: "جلبني البعض إلى هناك، وأوصلوني إلى المستشفى، وكان هناك بعض الأطباء الروس"، ويقول: "لم تكن لدي أي خبرة في الطب لكنني ساعدت وتعلمت بعض الأشياء، مثل التغيير عن الجراح وأي شيء كانوا يطلبونه مني، وفي البداية كانت الامور تتعلق بالبناء لانه كان يجب بناء المستشفى".
ويشير هول إلى أنه في الأشهر الأولى لبيكمرزايف في سوريا لم يكن تنظيم الدولة قد ظهر قوة سائدة هناك، ففي شمال سوريا كانت المعارضة المسلحة في مواجهة مع تنظيم جبهة النصرة، وتبنى كلا الفصيلين أيديولوجية متطرفة، واعتمدا على مئات من المقاتلين الأجانب.
ويورد الكاتب نقلا عن بيكمرزايف، قوله إنه لم يكن يبحث عن تنظيم الدولة، ولم تكن لديه النية للانضمام إليه عندما ترك إيرلندا، ويؤكد أن ما دفعه للسفر إلى سوريا هو مساعدة المسلمين هناك، مشيرا إلى أنه بدلا من البحث عن عمل من خلال جمعية خيرية معروفة في البلد، فإنه اختار منطقة أصبحت لاحقا تحت سيطرة جماعة متطرفة.
ويذكر هول أنه بعد وصول بيكمرزايف إلى سوريا بفترة قصيرة، فإنه أرسل لزوجته وابنه البالغ من العمر تسعة أشهر للانضمام إليه، وهو ما فعلته عام كانون الثاني/ يناير 2014، وقال: "لا أريد الحديث عن هذا، فقد كان خطأ غبيا، وطلبت منهما الحضور، وقلت إننا قد نقضي بعض الشهور هنا ثم نعود، وعندما وصلا بدأت المشكلات، وزادت الحرب خطورة".
ويلفت الكاتب إلى أنه منذ تلك اللحظة فإن بيكمرزايف أجبر على متابعة تنظيم الدولة، حيث ذهب خاصة بعد محاصرة الجيش السوري الحر لحريتان، بعد أسبوع من وصول زوجته، وهربت عائلته إلى الرقة إلى جانب مقاتلي تنظيم الدولة، وتبعهم بيكمرزايف.
وتنقل الصحيفة عن بيكمرزايف، قوله: "بعد فترة وجدت أن المنطقة تقع تحت سيطرة الدولة"، وعندما علم وجهة عائلته طلب من أمير محلي الإذن في الخروج، و"قال نعم، لكنهم جاءوا في اليوم التالي وصادروا جوازي، وعندها فهمت أنني لا أستطيع التحرك.. وبقيت دون عمل لمدة ستة أشهر، وبعدها جاءوا وقالوا يجب أن تعمل، فقلت لن أقاتل وطلبوا مني العمل سائقا لنقل الأجانب في المنطقة".
ويفيد هول بأن بيكمرزايف بدأ في آب/ أغسطس 2014 وظيفة لنقل المقاتلين الأجانب، ومعظمهم روس من قرية قريبة من الرقة، وقال: "لم أكن أحمل سلاحا، كنت مجرد سائق، وعندما كنت أذهب لمنطقة بعيدة كانوا يرسلون معي مرافقا مسلحا".
وينوه الكاتب إلى أنه عمل لمدة عام في هذه الوظيفة حتى بدأت مشكلاته النفسية تزداد سوءا، وهي التي كان يعاني منها قبل سفره إلى سوريا، وقال: "عانيت من الكآبة وتغير الشخصية والإجهاد والقلق"، وقال في مقابلة أخرى، إنه يعاني من مرض انفصام الشخصية.
وتورد الصحيفة نقلا عن بيكمرزايف، قوله: "لقد أعفوني من عملي ومنعت من العمل في أي وظيفة بسبب مشكلاتي.. كنت أذهب أسبوعيا للمستشفى، وكانوا يقرأون علي آيات قرآنية، ويعطونني ورقة بأنني أقوم بعمل وإلا كان مصيري السجن".
ويبين هول أن بيكمرزايف بقي على هذا الحال حتى سقوط الرقة والمناطق المحيطة بها، وأجبر تنظيم الدولة على الهروب إلى الجنوب، ويقول: "كانت الدولة تصغر ونحن نتحرك باستمرار".
ويفيد الكاتب بأنه في بداية عام 2018، حيث لم يبق في يد تنظيم الدولة سوى عدد من القرى الصغيرة قرب دير الزور على نهر الفرات، وصف بيكمرزايف الأوضاع في الأشهر الأخبرة بأنها معركة مستمرة للنجاة، ووصف الوضع قائلا إن "الإنسان مخلوق عجيب، وأستطيع التكيف مع كل شيء، فلو ذهبت إلى دكان وسقط صاروخ على بعد 200 متر منها يصبح الوضع طبيعيا، صحيح أن الوضع مخيف لكنه جزء من حياتك.. عندما تستيقظ وتجد أن خمسة أو ستة بيوت ذهبت تعلم أن الوقت قد حان للرحيل".
ويقول هول إن هذا ما حصل في كانون الأول/ ديسمبر العام الماضي، حيث حدثت فوضى، وبدأت العائلات بالرحيل والهروب من المناطق الباقية للجهاديين، مشيرا إلى أنه بمساعدة عائلة محلية استطاع بيكمرزايف الخروج مع عائلته وحوالي 40 شخصا آخر، ووصلوا إلى خطوط قوات سوريا الديمقراطية، حيث اعتقل مع أمريكيين وباكستاني يشبته بأنهم عناصر في التنظيم، ويقول: "عندما اكتشفوا أنني أجنبي بدأوا بالصراخ (داعش داعش داعش)، وحضروا بنادقهم لإطلاق النار".
وتنقل الصحيفة عن قوات سوريا الديمقراطية، قولها في بيان إن المجموعة هي جزء "من جماعة إرهابية كانت تحضر للهجوم على الهاربين من مناطق التنظيم".
ويعلق الكاتب قائلا إن "قصة بيكمرزايف هي محاولة لإبعاد نفسه عن جرائم التنظيم، لكن هناك أسئلة حول دوافعه، وما كان يعرفه عنه قبل وصوله إلى سوريا، وماذا فعل بعد وصوله، ويزعم أنه لم يكن يعرف عن تنظيم الدولة أي شيء، إلا أن الشرطة الإيرلندية تعده أكبر من كونه متعاطفا، بل تعتقد أنه ناشط في الحلقات الجهادية".
ويشير الكاتب إلى أنه بحسب "إيرش إندبندنت"، فإن الشرطة اعتبرته "شخصا يجب مراقبته"، ونقلت الصحيفة الإيرلندية عن رجل شرطة، قوله إن بيكمرزايف "كان يجتمع مع أشخاص يعدون من العناصر الرئيسية في تنظيم الدولة، وكانوا على قائمة الرقابة".
وتنقل الصحيفة عن "أيرش تايمز"، قولها إن بيكمرزايف تأثر بشخص مرتبط بتنظيم الدولة، وتم ترحيله لاحقا إلى الأردن، مشيرة إلى أن بيكمرزايف يعترف بأنه كان صديقا للرجل الذي تم ترحيله، ويقول: "كنت أقيم في بيته.. لو قالوا إنني كنت أدعمه ماليا، نعم دعمته؛ وذلك بسبب ما فعله الفرع الخاص له، فقد الغوا الدعم الاجتماعي، وكان رجلا مريضا لديه مشكلات في القلب والركبة، ولم يجروا له عملية".
ويجد هول أن رواية الشرطة الإيرلندية تناقض ما زعمه بيكمرزايف، وأنه جاء إلى سوريا دون معرفة بما يجري، وأنه جاء لأغراض إنسانية، ويقول: "لو نظرت للمهاجرين العاديين فستعلم أنهم كانوا صادقين.. لم يفكروا في السياسة بل بناء الدولة الإسلامية، وحاولوا جهدهم وقدموا حياتهم وكانوا ناسا جيدين".
وعندما تساءل الكاتب إن كان هؤلاء هم أنفسهم الذين ارتكبوا الجرائم في العراق وسوريا، فإن بيكمرزايف أجاب قائلا: "طبعا سمعت ذلك، وقد حاولت قدر الإمكان تجنب هذا الأمر.. قبل أشهر سمعت قصة عن امرأة أزيدية وقلت لنفسي ما هذا الهراء".
ويذكر هول أنه عندما سأله إن كان هذا لا يعني وجود أشخاص سيئين ارتكبوا المجازر واسترقوا النساء، فإنه رد قائلا: "أنا لا أتحدث عن المقاتلين في الميدان، الذين أعتقد أنهم كانوا مخلصين وأشخاصا صالحين، ولا أعتقد أنهم ارتكبوها، بل من قام بدلك هم الناس المحليون".
ويلفت الكاتب إلى أن بيكمرزايف يبرر عدم معرفته بالجانب السيئ لتنظيم الدولة، بأنه لم يحصل على فرصة، وقال: "هل تعرف كم هو عدد الأجانب الذين انتهوا في السجون السرية؟ ولو قتل التحالف 60% من المقاتلين الأجانب، فإن 30% قتلوا من (تنظيم الدولة)، وفي كل يوم تسمع عن شخص أخذ من الشارع وقتل".
ويختم هول مقاله بالإشارة إلى أن بيكمرزايف يريد من العالم معرفة أنه جاء إلى سوريا للمساعدة، وجلب عائلته لهذا الغرض، لكن الأحداث جرته معها حتى وقع في الأسر، وقال: "لم أحضر إلى الخلافة ولكن إلى سوريا".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)