هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
مازالت ردود الأفعال بين قضاة مصر ونظام الانقلاب العسكري برئاسة عبد الفتاح السيسي، تتصاعد على خلفية التعديلات الدستورية المرتقبة، التي تقضي على استقلالية القضاء المصري، من خلال تشكيل مجلس أعلى بين الهيئات القضائية يرأسه السيسي الذي يعد أيضا رئيسا للسلطة التنفيذية.
وأشار الخبراء الذين تحدثوا لـ "عربي21"، إلى أن ما صرح به وكيل مجلس النواب المصري أحمد حلمي الشريف، بأن التعديلات سوف تراعي استقلال ميزانية السلطة القضائية، إنما يمثل رشوة للقضاة لتمرير التعديلات، خاصة وأن الدساتير المصرية منذ إنشائها تحدثت عن الاستقلال المالي والإداري للقضاة.
وقال الشريف فى رسالة وجهها للقضاة قائلا: "قضاة مصر الأجلاء، نطمئنكم أنه سيتم مراعاة أن يكون للجهات القضائية موازنة مستقلة أثناء مناقشة التعديلات الدستورية"، وهي الرسالة التي تزامنت مع تضارب في موقف نادي قضاة مصر، الذي نشرت عدد من وسائل الإعلام تصريحات منسوبة له برفضه للتعديلات، إلا أنه وبعد أقل من ساعة نشر النادي تكذيبا لها.
من جانبه علق المستشار السابق حمدي المجدلاوي لـ "عربي21" على تصريحات وكيل البرلمان، بأنه نتيجة طبيعية لشكل العلاقة التي زرعتها أنظمة الحكم المصرية مع القضاة، وتحويلهم من سلطة مستقلة، تُقَيِم أداء السلطة التنفيذية، لسلطة تابعة، لا يعنيها إلا ما تحصل عليه من مكافآت وامتيازات مادية.
اقرأ أيضا: نظام السيسي يحظر تداول "تعديلات الدستور" إعلاميا لإشعار آخر
ويشير المجدلاوي إلى أن نظام مبارك كان يقدم مع كل استحقاق انتخابي رشوة مسبقة للقضاة كانت تتمثل في مد سن تقاعدهم الذي وصل لسبعين عاما، ولم يكن يهم القضاة وقتها إلا الحصول على مزيد من المميزات المالية، وخاصة المتعلقة بالموازنة الخاصة بهم، وهو ما يلعب عليه النظام الحالي، ويؤكده تصريح وكيل البرلمان بأن التعديلات سوف تضمن استقلالية الموازنة، بينما استقلال القضاء نفسه، لم يعد له محل من الإعراب.
رشاوى سابقة
وحسب المستشار السابق فإن السيسي كان قد استبق التعديلات الدستورية، برشوة أخرى عندما أصدر قرارا بتعيين 341 معاونًا للنيابة العامة، معظمهم من أبناء القضاة والمستشارين، وقبلها بشهور أصدر قرارا آخر بتعيين 400 آخرين، كان معظمهم من أبناء القضاة أيضا، وبالتالي فإن كل ما يقال عن اعتراض القضاة على التعديلات الدستورية ليس حقيقيا، إلا عند بعض القضاة الذين مازالوا ينظرون إلى الاستقلال بشكل أوسع من الموازنة المالية.
ويضيف المجدلاوي أن السيسي توسع خلال السنوات التي تلت الانقلاب العسكري في تموز/ يوليو 2013، في إحالة القضاة المعارضين للانقلاب للصلاحية، وبعضهم تم سجنه، وهذه الفئة كانت تشكل تيار الاستقلال الذي كان يدير المواجهة ضد نظام مبارك، وفي النهاية أصبح القضاة بدون صوت مسموع، وعاد نادي قضاة مصر لحظيرة الدولة مرة أخرى كما كان قبل عشرين عاما.
ويؤكد المجدلاوي أن تصريحات وكيل البرلمان حول استقلالية الموازنة، نزعت فتيل الأزمة بشكل مؤقت، ولكنها لن تنهيها، في ظل ما تعنيه التعديلات المقترحة، التي وضعت كل السلطة القضائية في حجر السلطة التنفيذية، رغم أن الدستور كان واضحا في الفصل بين السلطات الثلاث، سواء التنفيذية التي يمثلها رئيس الجمهورية باعتباره رئيس الحكومة الفعلي، والسلطة التشريعية التي يمثلها مجلس النواب، وأخيرا السلطة التشريعية التي تمثلها الهيئات القضائية المختلفة.
ووفقا للمجدلاوي فإن التعديلات المرتقبة، تقوم بأكبر مذبحة لاستقلال القضاء في التاريخ المصري، من خلال "دسترة" رئاسة رئيس الدولة، أو من ينوب عنه وهو وزير العدل، للمجلس الأعلي للهيئات القضائية، تحت مبررات مكشوفة مثل التنسيق والترتيب وحل الخلافات، موضحا أن الهيئات القضائية المختلفة لم تشهد أي خلاف أو تضارب بينها، وبالتالي فإن المبرر هو إطلاق يد رئيس الدولة في الشأن القضائي.
اقرأ أيضا: حزب الدستور المصري يرفض التعديلات المقترحة.. هكذا وصفها
دسترة التبعية
ويتفق الباحث القانوني والقضائي حامد الشيخ لـ "عربي21" مع أن تصريحات وكيل البرلمان، تعكس الأزمة الحقيقية التي يعيشها القضاء المصري، والذي تحول من سلطة مستقلة تضبط إيقاع السلطتين التنفيذية والتشريعية، لسلطة تابعة بشكل دستوري وتشريعي، وليس بشكل سياسي غير رسمي كما كان في الماضي.
ويوضح الشيخ أن حركات التعيينات التي أصدرها السيسي في النيابة العامة، خلال العامين الماضيين، احتل أبناء القضاة فيها ما لا يقل عن 40% من إجمالي المعينين، موضحا أن حركة النيابة العامة التي صدرت في حزيران/ يونيو 2016 على سبيل المثال كانت نسبة أبناء القضاة فيها 33%، حيث بلغ عددهم 155 وكيلا من إجمالي 471 تم تعيينهم في هذه الدفعة فقط.
ويشير الشيخ أن عموم القضاة فرحون بهذه التعديلات، لأنها تعني لهم صرف بدل الإشراف على الاستفتاء، ثم صرف بدل الإشراف على انتخابات مجلس الشيوخ المزمع تشكيله بعد التعديلات، ثم انتخابات مجلس النواب، وهي الاستحقاقات التي تمثل مكسبا كبيرا لعموم القضاة الذين لا يهمهم إلا المزايا التي يحصلون عليها، بينما الفئة الأقل التي تزعمت في الماضي تيار الاستقلال، فقد تم فصلها مبكرا بعد الانقلاب العسكري.