هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أصبح الحديث عن
الإلحاد مادة متداولة بكثرة في وسائل الإعلام العربية التقليدية، ومنصات التواصل
الاجتماعي المختلفة، إذ يتراوح الحديث عنها بين من يراها ظاهرة متفشية، ومن يراها
حالات فردية تكثر في بعض المناطق وتقل في مناطق أخرى.
ونظرا "لغياب
أرقام دقيقة أو دراسات علمية فإنه من الصعب الحكم على مدى انتشار الإلحاد في
العالم العربي أو التنبؤ باتجاهاته المستقبلية" بحسب الداعية الإسلامي المقيم
في الولايات المتحدة الأمريكية محمد الحايك.
ولفت الحايك في حديثه
لـ"عربي21" إلى أن "هامش الخطأ وعدم الدقة حتى لو وجدت تلك الأرقام
والإحصائيات يبقى موجودا بالنظر إلى التخوف والحرج من الإعلان عن الإلحاد في
مجتمعات غالبية أهلها مسلمون ومتدينون".
وأضاف: "هي موجة
إلحادية موجودة، كما سبقتها موجة إلحادية من قبل أيام المد الشيوعي في المنطقة ولا
يجوز التهوين من شأنها، كما لا يجوز المبالغة والتهويل منها"، مستدركا: "لكن هذه الموجة الحالية لها خصائصها وسماتها، ولها كذلك أسباب خاصة غير ما
يجمعها مع الظاهرة الإلحادية عموما".
وعن كيفية مواجهة
"هذه الموجة الجديدة للإلحاد في العالم العربي وتفكيك هذه الظاهرة" أكدّ
الحايك أنه "لا يمكن فصلها عن ظاهرة "الإلحاد الجديد" في العالم
والتي انطلقت شرارتها بقوة في أمريكا عقب أحداث 11 سبتمبر".
إقرأ أيضا: التبشير العقائدي بانتصار الإسلام؛ تخدير أم تحفيز؟
وتابع: "ربما كانت
أحد ارتداداتها تظهر في ربط الإرهاب بالظاهرة الدينية، وتقديم الإلحاد كحل، كما لا
يمكن فصلها عن المزاج الليبرالي المنتشر اليوم، يضاف إلى ذلك تغول منظومة
الاستبداد والقمع والفساد".
ودعا الحايك إلى
"ضرورة الارتقاء بالخطاب العقدي في تناول الظاهرة، ليكون قادرا على تفنيد
شبهات الإلحاد الجديد، والرد على مقولاته الحديثة، وهو ما ينبغي أن يكون الأساس في
التعامل مع هذه الظاهرة".
وفي سياق مقارب قال الباحث
الشرعي، الدكتور صهيب محمود السقار: "لم أطلع على إحصائيات ترصد الظاهرة
المذكورة، لكنني في الوقت نفسه لا أستطيع أن أنكر الحوارات العلمية التي كنت طرفا
فيها مع نفر من المتشككين أو المرتدين".
وأضاف
لـ"عربي21": "ربما يحتاج وصف هذه الحالات بالظاهرة غلى شروط علمية
لا أملكها، لكنها مقلقة جدا ولو كانت حالات فردية لم تبلغ الظاهرة، لأن خروج
المسلم عن دينه ليس بالأمر الهين عند أهل العلم".
وأرجع السقار انتشار
تلك الحالات إلى عدة أسباب منها "أنها امتداد طبيعي لجولات الصراع بين الحق
والباطل، وأحد حلقاتها إسقاط الخلافة، ثم مهاجمة حصن الأسرة، وعبر وسائل التواصل ا
لاجتماعي الحديثة استطاع الصراع أن يتسلل إلى معتقدات الأجيال الناشئة موظفا هشاشة
الخطاب الإعلامي الديني، واضطرابات طلاب العلم في الفتاوى، ومداهنة الطغاة
واستثمار أخطاء الجهاديين وجرائمهم" بحسب عبارته.
ولفت السقار إلى ما
عده "سببا جوهريا وراء ذلك، لا يريد كثير منا أن يقتنع به، ألا وهو ضعف
التأسيس الاعتقادي في المنهج السلفي في تلقين الاعتقاد، واعتماده على التحفيظ
ومحاربته علم الكلام الذي يختص بواجبين: أولهما: تأييد أدلة العقيدة بأدلة عقلية
كلامية، والثاني: دفع الشبهات".
وواصل حديثه بالقول: "ولما كان الفكر السلفي هو المالك لمصادر التمويل والجامعات والمطابع في هذا
العصر، فقد انتشر خطابه الظاهري الهش، وضعفت مناعة الاعتقاد فاستحكمت الشبهات
وأثرت فيمن أثرت فيه"، مضيفا: "ولا بد من إعادة الثقة إلى المناهج السنية
والدعوية التي حاربها الفكر السلفي".
من جهته أشار الباحث
الشرعي المتخصص في مقارنة الأديان والمذاهب الفكرية المعاصرة، الدكتور سامي عامري
إلى أن "عدم وجود إحصائيات جادة وعلمية حول عدد الملحدين في العالم العربي
نظرا لغياب المؤسسات العلمية القادرة على إنجاز هذا الأمر، ولحساسيته المجتمعية،
أحدث تضاربا شديدا بين النسب المعلنة والمنشورة".
وأردف عامري قائلا لـ"عربي21":
"وهناك محاولة لصناعة هالة حول هذه الظاهرة من خلال تضخيم حجم أعداد
الملاحدة، حتى يتحولوا إلى أقلية لها حق التمثيل الإعلامي والسياسي".
وتعليقا على مدى
انتشار حالات الإلحاد قال عامري: "الإلحاد ظاهرة عقدية في تنام في كل العالم
مع صعود تيار الإلحاد الجديد الذي بدأ يستنفد أغراضه قبل مضي أقل من عقدين على
ظهوره بعد ظهور تململ عند رموز الإلحاد في
الغرب، ومنهم عالم البيولوجيا ب.ز. مايرز في مقال له شديد عن هذا التيار الأسبوع
الماضي".
وعن أسباب زيادة حالات
الإلحاد في العالم العربي، قال الباحث عامري: "الظاهرة الإلحادية – إن صحت
التسمية – في العالم العربي نتاج طبيعي لسقوط رمزية مشاهير الدعوة، وكبرى الحركات
الإسلامية مع أحداث ما بعد الثورات؛ إذ توجهت الآلة الإعلامية في بلاد الثورات
لشيطنة كل رمزية إسلامية في هذه الخصومة السياسية ذات العمق العقدي".
إقرأ أيضا: ماذا وراء الحملات الإعلامية الضارية على شيخ الأزهر؟
ووصف عامري
"الإلحاد في العالم العربي بأنه ظاهرة مقلقة، لا لضخامة حجمها وإنما لتوافر
مقدماتها: كفتح أبواب الفضائيات للطاعنين في الدين، وهو ما يظهر بوضوح في الطعن
بالسنة وشرائع الإسلام" معتبرا "نموذج إسلام البحيري من أظهر من يعبر عن
ذلك"، على حد قوله.
وأضاف: "وكذلك
الترويج للشذوذات الفقهية على أنها الرؤية الإسلامية، وتصدر أهل الشريعة غير
المتخصصين في الفكر الغربي وفلسفاته والخطاب الاستشراقي ومقولاته لمناظرة الملاحدة،
أو التشريح العلمي للإلحاد"، مضيفا: "وأخطر مما سبق تقديم خطاب تعليمي
وإعلامي سطحي عن الإسلام، يغرق في الوعظ ويهمل البناء العقدي الواعي".
وأنهى عامري حديثه
بالقول: "إن سبيل معالجة هذه الظاهرة يتمثل بإعادة صياغة خطاب دعوي يعلي جانب
الخطاب العقلي البرهاني، ويناقش بجرأة أسئلة الشباب برد الأمر إلى أهل الاختصاص في
شتى العلوم المرتبطة بهذه الأسئلة، ودعم المراكز البحثية المهتمة بتقديم خطاب هادئ
وعميق، والعناية الجادة بجانب التربية حتى لا يكون الحفظ والتكرار هو غاية الشباب
المتدين".