#كلنا_مريم
عندما
استغاثت رهف القنُّون التي لا تعدو مسألتها عن حالة لفتاة فرت من أسرتها في مجتمع
شديد المحافظة تصل لدرجة الكبت، حتى إنها لم تعد تطيق الحياة فيها. فما إن فرت،
واكتُشف فرارها، وحاول أهلها استعادتها، ومضت ترسل استغاثاتها على شكل تغريدات انتشرت
على وسائل التواصل الاجتماعي انتشار النار في الهشيم، حتى هبَّ العالم أجمع يلبي
استغاثتها ويتضامن معها، ويقلق من أجل سلامتها، ولا يعرف النوم ليطمئن بأنها بلغت
ملجأها بخير وأمان. ولم يقف الحال إلى هنا، بل حضرت وزيرة كندية يفيض جدول أعمالها
من كثرة الأعمال والمشاغل، لتستقبلها بنفسها في المطار، وخُصص لرهف حرس خاص ليضمن
أمنها وسلامتها.
ولندع حكاية رهف جانبا، ونزيح نظرنا قليلا إلى الجنوب الشرقي من البحر المتوسط إلى
فلسطين المغتصبة تحديدا، لنشاهد كيف تُضرب الفلسطينيات في الشوارع، ويُنتزع عنهن
حجابهن، وكيف يُعتقلن، وتُقتحم بيوتهن في منتصف الليل، ويُعاث فيها الفساد.. وكيف
يُطلق الرصاص على الواحدة منهن من مسافة صفر، لا لشيء، إنما لأنها كانت ترتدي
نقابا رفضت خلعه أمام ثلة من جنود
الاحتلال في وسط الشارع، فهيأت لهم عقولهم
المريضة بأنها تنوي الاعتداء عليهم، وهم المُدربون على أعلى مستويات الفنون
العسكرية وفنون القتال والمدججون بالسلاح، بينما هي الضعيفة التي لا تحمل شيئا سوى حقيبتها.
ما هذا
السلاح الفتاك الذي حملته الفتاة الفلسطينية سماح مبارك، ابنة السادسة عشرة، ليعدمها
جنود الاحتلال على حاجز الزعيِّم بدم بارد؟ ما هذا الخطر العظيم الذي كانت تشكِّله
عليهم؟ وهل سماح مبارك هي الوحيدة التي اغتيلت على هذه الشاكلة؟ ماذا عن هديل
الهشلمون التي اغتيلت في قلب مدينة الخليل لأنها رفضت التفتيش الذي يريد جنود
الاحتلال إخضاعها له، فما إن همَّت بالرجوع من حيث أتت، حتى عاجلوا بالالتفاف
حولها، وإمطارها بوابل من الرصاص من مسافة صفر؟ وماذا عن الفتاة فاطمة حجيجي ابنة
قراوة بني حسان، التي اغتيلت في باب العمود في مدينة القدس، تحت مظلة التهمة ذاتها:
محاولة تنفيذ عملية طعن، وهي التي لا تحمل سلاحا؟ وماذا عن رشا العويصي التي كانت
تجتاز حاجز إلياهو المقام على أراضي قلقيلية، وهو الحاجز شديد التحصين الذي ينتشر
القناصة على كل شبر فيه، ولا يوجد هناك احتكاك مباشر بين الصهاينة والمارِّين من
الفلسطينيين؟ فكيف كانت رشا ستطعن الجنود كما يدَّعون؟ فهل يمكنها طعنهم من وراء
أسوار معدنية مرتفعة وشبابيك ذات واجهات زجاجية سميكة جدا ومزدوجة، تحبس حتى صوت
الجنود من أن يبلغ المارِّين، فيدفعهم ذلك لاستعمال مكبرات صوت لإلقاء أوامرهم عبرها؟
وعن أي
نساء فلسطين تريدونني أن أتحدث؟ هل أستطيع أن أمضي دون أن أذكر إسراء جعابيص،
المصابة بحروق شوهتها، واعتقلها الاحتلال وما زالت في الأسر دون طبيب يداوي جراحها
أو يد حانية تعطف عليها، ونفس رقيقة تواسيها؟ كيف صمت العالم أمام مأساة إسراء
جعابيص؟ أم إنه صمت كما يصمت أمام جميع قضايا الفئات المضطهدة التي لا تخص اليهود
ولا ترتبط بهم بصلة؟
أم تراني
سأتجاوز ذكر كثير من الفلسطينيات اللائي يعتقلن وهن حوامل ويضعن أجنتهن داخل
المعتقلات؟ أو هؤلاء اللاتي يُعتقلن بعد إصابتهن برصاص الاحتلال ويمضين فترة
اعتقالهن والشظايا الغائرة داخل أجسادهن، لا يهدأ ثورانها ولا تسكن آلامها؟
المصيبة
أننا لا نكاد نسمع أصواتا في العالم ترتفع متضامنة مع نساء فلسطين وفتياتها
وصارخة ضد الاحتلال، ومنددة بعنصريته وطغيانه، ومقاطعة له ورافضة للتطبيع معه.. فهل
من حكيم يجيبني على سؤالي؟ ألا يحق لأي بشري اعتُدي عليه أن يرد الاعتداء عن نفسه؟
ألا يحق له مقاومة المعتدين؟
ألا
يكفيكم صمتا مخجلا ومعيبا أيها البشر؟ نساء فلسطين يدافعن عن قضية الأمة
وكرامتها، ويدافعن عن فلسطين والمقدسات، ويرفضن التزحزح من أوطانهن مهما كان ثمن
البقاء غاليا، بل انغرسن في ثرى فلسطين عميقا مثلما تنغرس جذور زيتونة رومية.
وقبل أن
أمضي، أود تأكيد حقيقة بسيطة، وهي أن الشعوب الواقعة تحت الاحتلال قد لا
تستطيع هزيمة المحتلين، لانعدام إمكانياتها المادية، ولكن أي شعب يختار المقاومة
سبيلا له لن يهزم، ربما لا ينتصر، ولكن المحتل لن يستطيع البقاء في مكان يدرك
تماما أنه لا راحة له فيه لوجود المقاومة التي ترهقه وتنهك قواه، ولذا سيضطر
للخضوع للأمر الواقع.
ولذا نؤكد أنه في فلسطين ستبقى المقاومة، وستسمر
النساء في درب المقاومة لتستعيد حقها،
وتحرر أرضها. وما تطلبه نساء فلسطين من أحرار العالم، هو أن يقفوا معها ويدعموا
صمودها ويلبوا نداءها.