حسم الجدل وانتهى المخاض العسير لحكومة
العهد الثانية برئاسة سعد
الحريري بعد قرابة تسعة أشهر من المشاورات العقيمة
والأخذ والرد وعراقيل اللحظات الأخيرة التي أطاحت بمواعيد عدّة وضعها رئيس الحكومة
المكلف لإتمام التشكيلة وإعلانها.
وإذا كانت هذه الصفحة المريرة من
"المراوحة" طويت في سجل
لبنان، فإنّ الاعتذار الذي قدمه الحريري عن
التأخير يرتبط قبوله من اللبنانيين بسرعة معالجة الملفات المتعددة والمعقدة لا سيما "الحياتية" منها، وإلا فإنّ
كل الطبقة السياسية مسؤولة عن مآلات الأوضاع، كما عبر عن ذلك نشطاء المجتمع المدني
في لبنان وهم الذين خرجوا خلال الأشهر الماضية بتظاهرات عدّة في العاصمة ومناطق
أخرى رفضا للفراغ وللمطالبة بالتغيير ومحاربة الفساد.
ودعا الحريري في كلمته الأولى بعد أن
أشاح عن لقبه صفة المكلّف إلى "العمل"، متعهدا بكشف ومحاربة كل وزير لا
يؤدي دوره، كما قال، غير أنّ ما يبدو في الشكل تبدلا في سياسات الحريري
واستراتيجيته تقابله في المضمون تحديات صعبة تفرضها الخارطة المتشابكة من القوى
السياسية ذات البعد الطائفي التي اعتادت تقاسم الحصص بغض النظر عن تفعيل مبدأ
العمل أم غير ذلك.
وأشارت مصادر الحريري إلى أن الأخير
جاد في كشف كل المعرقلين، وقد أكد لكوادر التيار أنّ التغييرات التي لمسوها في
التيار نفسه ستستنسخ في عمله الحكومي.
ومن المتوقع أن تنكّب لجنة من الحكومة
على صياغة البيان الوزاري وتقديمه إلى مجلس النواب للحصول على الثقة في مهلة
ثلاثين يوما من تاريخ صدور مرسوم تشكيلها، بناء على الدستور اللبناني، على أن تعقد
الحكومة أولى جلستها يوم السبت.
ورجحت أوساط وزارية
لـ"
عربي21" أن يأتي البيان الوزاري شبيها إن لم يكن نسخة مطابقة للبيان
القديم تجنبا لافتعال أزمات ومشاكل جديدة، في وقت يأمل عون والحريري بالمضي قدما
نحو تلبية شروط مؤتمر سيدر الداعم للبنان الذي استضافته باريس في نيسان/ إبريل
الماضي.
ويبدو شكل الحكومة متكافئا بين القوى
الأساسية نظريا، إلا أنّ تيار رئيس الجمهورية "الوطني الحر" بات يمتلك
ثلث الحكومة (يتعارف عليه لبنانيا بـ"المعطل") القادر على إبطال أي قرار
حكومي وازن أو حتى الإطاحة بالحكومة في حال استقال ثلث الوزراء، وحظي تكتل لبنان
القوي الموالي لرئيس الجمهورية بـ11 وزيرا، في حين منح الحزب التقدمي الاشتراكي
بزعامة وليد جنبلاط وزيرين، ورضي حزب القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع على مضض
بحصة 4 وزراء مع منصب نائب رئيس الحكومة، وذهب مقعد لتيار المردة برئاسة سليمان
فرنجية، وتقاسم الثنائي الشيعي أمل و
حزب الله المقاعد الشيعية الـ 6 ونال الحريري
خمسة وزراء.
وحلت العقدة المتمثلة بـ"سنة 8
آذار" بالحديث عن تنازل رئيس الجمهورية عن مقعد وزاري لصالح حسن مراد نجل
الوزير السابق والنائب الحالي عبد الرحيم مراد، ويقول النائب السابق عن تيار
المستقبل نضال طعمه أن بلوغ التأليف هو بمثابة "انتصار للبنان في ظل المرحلة
الصعبة التي يمرّ بها"، موضحا في تصريحات لـ"
عربي21": "أنّ
الوصول متأخر أفضل من عدم تشكيل الحكومة ما يعني بلوغ البلد شفير الهاوية خصوصا من
الناحية الاقتصادية".
وتوقّع طعمة أن "تعمل هذه الحكومة
بجد وكفاءة لمواجهة الملفات الثقيلة"، مثنيا على "أغلبية الوزراء
الموجودين فيها لما يتمتعون به من قدرات مهنية ومهارة في القيادة والتطوير"،
غير أنه حذر من تلاشي التوقعات في حال "لم يحقق الوزراء الأهداف المنشودة من
اللبنانيين كافة".
واعتبر أنّ "الأطراف السياسية
أدركت في نهاية المطاف بأنّ الكل موجود على سفينة واحدة وبأن الغرق سيصيب الجميع
دون استثناء"، متابعا: "هذا ما يفسّر لغة التهدئة التي اتسمت بها الفترة
الماضية بما يدلّل على وعي القوى السياسية لخطورة ما قد يصاب به لبنان لو طال زمن
أزمة التشكيل أكثر".
وحول صعوبة الملفات الحياتية خصوصا ملف
الكهرباء الذي يتسبب بعجز كبير في الميزانية سنويا، قال: "التعويل على
التخطيط السليم والسرعة في اتخاذ التدابير التي تضمن وقف الهدر ومعالجة الأزمات
بما يخدم المواطن و خزينة الدولة في الوقت نفسه".
وعن حجم الانتقادات التي يتعرض لها
الحريري و مدى تأثيراتها على مساره كرئيس للحكومة، قال: "لا أعتقد أنّه
سيتأثر بما يشاع ويقال عنه، فهو دعا إلى العمل وسيحاسب الوزراء وفق أعمالهم"، مردفا: "الحريري
هو من مدرسة والده الرئيس الراحل ويدرك أنّ الردّ على الانتقادات لا يكون من خلال
المنابر وإنّما من خلال تحقيق الأهداف الموضوعة".