هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية تقريرا سلط الضوء على الآثار النفسية للتوقف عن استخدام فيسبوك، خاصة وأن المجتمع الحالي أصبح مدمنا على مواقع التواصل الاجتماعي، التي أصبح تصفحها يوميا العادة الرقمية الأكثر شيوعا في العالم.
وقالت الصحيفة، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن استخدام فيسبوك بات من بين العادات الرقمية الأكثر شيوعا في العالم التي يصعب الاستغناء عنها، رغم موجة الانتقادات التي طالت هذه المنصة على خلفية انتهاك خصوصية المستخدمين والانقسامات السياسية التي ساهم فيسبوك في تعميقها، إلى جانب تنامي المخاوف بشأن تأثير هذه العادة على صحة الأفراد العاطفية.
وذكرت أن نتائج التوقف عن تصفح فيسبوك من المتوقع أن تكون سريعة إلى حد ما، حيث سيتمكن الفرد من تخصيص مزيد من الوقت للعائلة والأصدقاء، وسيكون أقل اطلاعا على الميدان السياسي وبالتالي بعيدا عن الصراعات التي من شأنها أن تعكر مزاجه. وأجرى الباحثون في جامعتي ستانفورد ونيويورك دراسة لإيضاح الجدال المستمر حول تأثير فيسبوك على سلوك المستخدمين النشطين وتفكيرهم وحتى ميولات السياسية.
وأشارت إلى أن الدراسة تطرقت لمدى مساهمة هذا الموقع في التأثير على التجارب اليومية للأشخاص، لتكشفت نشرات الأخبار لاحقا عن تورط شركة فيسبوك في تسريب بيانات مستخدمي الموقع دون الحصول على موافقتهم. ويصر أحد علماء النفس على أن استخدام فيسبوك وغيره من مواقع التواصل الاجتماعي يرتبط بصفة مباشرة بأمراض الاضطراب العقلي، خاصة لدى المراهقين.
اقرأ أيضا: هذه تأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي على صحتك العقلية
كما شبه أخصائيون آخرون في هذا المجال تصفح فيسبوك بانتظام بالإدمان على المخدرات، كما نشروا صورا بالرنين المغناطيسي توضح ما يبدو عليه دماغ الشخص المدمن على استخدام فيسبوك.
ونوهت الصحيفة إلى أن الأستاذ في علم الاقتصاد بجامعة نيويورك، هانت ألكوت، شارك إلى جانب الباحث بجامعة ستانفورد ماثيو جينتكو، إعلانات على صفحات فيسبوك بهدف حشد مستخدمين تتجاوز أعمارهم 18 سنة ويتصفحون فيسبوك لمدة لا تقل عن 15 دقيقة يوميا. وتوصل الباحثان إلى أن معدل الاستخدام اليومي للموقع لدى بعض الأفراد قدر بساعة، وتراوح بين ساعتين وثلاث ساعات بالنسبة لمستخدمين آخرين.
وأوردت أن بعض المشاركين صرحوا بأنهم لم يدركوا فوائد هذه المنصة الاجتماعية إلا بعد أن تخلّوا عن استخدامها. وقالت المشاركة كوني جريفز، البالغة من العمر 56 سنة وهي مساعدة رعاية صحية محترفة في مدينة تكساس: "ما افتقدته فعلا هو اتصالاتي وعلاقتي بالأشخاص، ولكنني افتقدت أيضا بث الأحداث عن طريق خدمة البث المباشر "فيسبوك لايف" ومتابعة السياسة، لاسيما وأنني أواكب هذه الأحداث مع أشخاص مهتمين بالمواضيع ذاتها. كما أدركت أيضا أنني أحب مواكبة كل الأخبار والحصول على جميع المعلومات من مكان واحد فحسب".
وحين انقضى شهر على هذه الدراسة، ملأ الأشخاص الذين امتنعوا عن استخدام فيسبوك والمراقبون استطلاعات مكثفة لتقييم التغيرات التي طرأت على حالتهم الذهنية ووعيهم السياسي وميولهم الحزبية وأنشطتهم اليومية منذ بداية هذه التجربة.
وأشارت الصحيفة إلى أن المشاركين الذين امتنعوا عن استخدام هذا الموقع قالوا إنهم نجحوا في التمتع بهامش من الحرية لمدة ساعة في اليوم، وأكثر من ضعفي ذلك بالنسبة للأشخاص الذين يستخدمونه بشكل مفرط. كما بيّن المشاركون أنهم أمضوا فترة أطول مع الأصدقاء والعائلة أو في مشاهدة التلفزيون حين لم يكونوا في وضع اتصال بشبكة الإنترنت.
اقرأ أيضا: خبير أمريكي: لهذه الأسباب قد ينتهي العصر الذهبي لفيسبوك
وأوضحت أن المشاركين في هذه الدراسة لم يستخدموا بديلا آخر عن فيسبوك، ولم يلجأوا إلى بدائل رقمية أخرى على غرار تويتر أو سناب شات أو تصفح المواقع على الإنترنت. وفي اختبارات المعرفة السياسية، أظهرت النتائج أن المعلومات التي كانت بحوزة المشاركين قبل تعطيل حساباتهم قد تراجعت قليلا مقارنة بما كانت عليه في السابق.
ونقلت عن أستاذ العلوم السياسية وعلوم المعلومات والكومبيوتر في جامعة نورث إيسترن الأمريكية، ديفيد لازر، أن "النتائج المتعلقة بالمعرفة السياسية أظهرت أن فيسبوك يعتبر مصدرا هاما للأخبار السياسية التي يوليها الناس اهتماما خاصا". وحذر لازر من "الاستهانة بهذه النتائج، التي يمكن تأويلها في كلا الاتجاهين. ويبدو أن المحادثات والمعلومات على فيسبوك كانت تزاحم استهلاك الأخبار على المواقع الأخرى".
ونوهت إلى أن النتائج المتعلقة بمقاييس الاستقطاب السياسي كانت مختلطة على الرغم من أن معيار "الاستقطاب بشأن القضايا" شهد تراجعا بين الممتنعين عن استخدام فيسبوك من خمسة بالمائة إلى حدود 10 بالمائة، في حين حافظت مجموعة المراقبة على معدلها العادي.
وقد أكد الدكتور جنتزكوف أنه "من الصعب معرفة ما يجب فعله إزاء هذا الأمر. ومن المحتمل أن يؤدي الاطلاع على الكثير من الأخبار السياسية المنشورة على موقع فيسبوك إلى استقطاب الأفراد. ولكن عدم تصفحهم للموقع لا يعني بالضرورة أنهم يقضون ذلك الوقت الإضافي في قراءة صحيفة نيويورك تايمز". وقد يؤدي الحد من الاطلاع على الأخبار السياسية إلى انخفاض الميل نحو التحزّب، على الرغم من أن العلاقة بين هاتين المسألتين لا تزال غير واضحة إلى الآن.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذه الدراسة أفضت إلى نتيجة ملفتة للنظر، حيث تبين أن إلغاء تنشيط الحساب الشخصي على فيسبوك بشكل مؤقت له تأثير إيجابي بسيط على الحالة المزاجية للأشخاص ومدى رضاهم عن الحياة؛ وهو ما يتعارض مع الافتراض الشائع بأن الاستخدام الدائم لمواقع التواصل الاجتماعي يسبب اضطرابات نفسية حقيقية.
في المقابل، لم تستطع الأبحاث السابقة أن تتوصل بشكل قاطع إلى معرفة ما إذا كانت المشاكل المتعلقة بالمزاج ناتجة عن الاستخدام المفرط للمنصات الاجتماعية، أم أن الأشخاص المزاجين يميلون إلى الاستخدام المكثف لهذه المواقع.
اقرأ أيضا: دراسة جديدة: هكذا يفاقم "فيسبوك" مشاكلنا النفسية
وأوضحت الصحيفة أن الاستخدام المكثف لموقع فيسبوك يسبب تقلبات مزاجية، لذلك كان الباحثون يتوقعون أن تشهد الحالة المزاجية للأشخاص الذين يستخدمون هذا الموقع بشكل مكثّف تحسنا كبيرا مقارنة بالمستخدمين المعتدلين. لكن هذا الأمر لم يحدث، مما يشير إلى أن الفئة الأولى من المستخدمين كانوا متقلبي المزاج قبل أن ينغمسوا بعمق في استخدام فيسبوك.
وقالت الصحيفة إن جان ماري توينجي، وهي طبيبة نفسية أمريكية ومؤلفة كتاب "أي جين"، أوضحت أنه "من حيث الفئات العمرية، تقارن هذه الدراسات بين التفاح والبرتقال. لماذا يكون أطفال اليوم المتصلين بشبكة الإنترنت بشكل كبير أقل تمردا وأكثر تسامحا، وأقل سعادة. ومن الواضح أن ديناميكيات وسائل التواصل الاجتماعي والرفاهية تختلف بين المراهقين وأولئك الذين تجاوزوا سن الثلاثين".
وقد أثبت علماء النفس أن المنصات الاجتماعية تسبب الإدمان. وقد قدمت التجربة الجديدة الكثير من الأدلة التي تدعم هذه النظرية. فبعد انتهاء هذه التجربة، كشف الأشخاص الذين أحجموا عن استخدام هذا الموقع لمدة شهر أنهم يعتزمون الحد من استخدامه في المستقبل، وقاموا بذلك بالفعل على الأقل لفترة من الزمن.
وفي الختام، قالت الصحيفة إن ما يقارب 10 بالمائة من المشاركين يمتنعون عن استخدام فيسبوك بعد مضي أسبوع على انتهاء التجربة مقارنة بثلاثة بالمائة من مجموعة المراقبة الذين آثروا إيقاف تشغيل حساباتهم على هذا الموقع عن طواعية، بينما امتنع خمسة بالمائة عن استخدامه حتى بعد مرور شهرين مقارنة بنسبة 1 بالمائة ضمن مجموعة المراقبة.