يبحث
اليمنيون عن إجابات حقيقية عن مصلحة الحكومة الشرعية، من إطلاق بعض مسؤوليها تصريحات تنفي وجود
سجون سرية في المناطق الخاضعة لحكومته، أو أماكن تعذيب، تديرها القوات
الإماراتية، أكدت وجودها منظمة العفو الدولية وعدة منظمات حقوقية، والتأكيد على أن كل مراكز الاحتجاز تقع إشراف القضاء والنيابة العامة في البلاد.
جاء ذلك، في كلمة ألقاها نائب وزير الداخلية في حكومة هادي، على ناصر لخشع أمام مجلس حقوق الإنسان، في الأيام القليلة الماضية، فجرت غضبا واسعا في أوساط يمنية، وسط اتهامات للحكومة بمحاولة تبييض جرائم الإمارات التي ارتكبتها بحق مئات المعتقلين والمخفيين قسريا في سجون تابعة لها في محافظات جنوب البلاد.
تصريحات لخشع، ناقضت وفقا لمعلقين يمنيين، الرسالة التي وجهتها حكومته في وقت سابق من العام الماضي، الى مجلس الأمن تعقيبا على تقرير فريق الخبراء الدوليين، أشارت فيه الى وجود مراكز احتجاز وسجون سرية خارج نطاق سلطتها الأمنية والقضائية، وقالت إنها طالبت التحالف العربي الذي تقوده السعودية، بتسليمها وتشكيل لجنة من النيابة العامة والقضاء؛ للفصل والبت في كافة القضايا.
"لم تعد خافية"
وتعليقا على هذا الموضوع، استغرب رئيس تجمع القوى المدنية بجنوب اليمن، عبدالكريم السعدي، تصريحات اللواء لخشع، وقال : لا أدري ما الذي أراد إيصاله من خلال هذا التصريح.
وتابع في حديث خاص لـ"
عربي21" : عادة يلجأ رجال الدولة إلى إطلاق تصريحات وبيانات تطمين للمجتمعات، ولكن هذا يحدث أثناء الأحداث العارضة التي تصيب تلك المجتمعات حين يكون الأمن هو القاعدة وتلك الأحداث هي الإستثناء.
واستدرك قائلا: "ما تعيشه المحافظات الجنوبية من فوضى وغياب القانون وتوالي الأحداث المؤسفة هي القاعدة وعكسها هو الاستثناء ذاته". على حد قوله
وأكد السعدي أن أغلب المنظمات الدولية أجمعت على أن هناك سجونا سرية في محافظات جنوب البلاد، خارجه عن سيطرة وزارة الداخلية وأجهزتها، وبمسميات مختلفة موجودة في تلك المحافظات.
ووفقا لرئيس تجمع القوى المدنية الجنوبية، فإن اللافت، أن هناك شهادات لمعتقلين سابقين، تم الالتقاء بهم، وسردوا جميعا كل ما تعرضوا له في تلك السجون وكشفوا عن اسماء معتقلين قضوا تحت التعذيب، فضلا عن وجود ألاف الأسر التي تبحث عن أبنائها المخفيين، ولا يعرف لهم طريق.
وأشار إلى أن السجون السرية، لم تعد خافية على أحد، بل باتت ظاهرة، وموثقة بمقابلات وتصريحات لقيادات في المقاومة الجنوبية، ورؤساء وقيادات الفرق المسلحة، وقيادات مكونات وليدة العهد على الساحة في الجنوب.
وأبدى السياسي السعدي، صدمته من تصريحات لخشع، التي خرج بها.
وأردف قائلا: نحن أمام حالة غريبة، لا أظن أن الحكومة توافق عليها.
كما استبعد أن تكون وزارة الداخلية، وكذا رئيس الوزراء، تتوافق مع حديث اللواء لخشع، الذي يناقض الواقع وحقيقة معطياته. مطالبا بموقف رسمي مما أدلى به المسؤول الأمني، وتصحيح ما ورد فيه.
"غباء وتبرير"
من جهتها، اعتبرت رئيس مؤسسة دفاع للحقوق والحريات، هدى الصراري أن تصريحات نائب وزير الداخلية بشأن السجون السرية وأماكن الاحتجاز "غير مفهومة".
لكنها وصفتها بأنها لا تعدو عن كونها تبريرا للانتهاكات التي تقوم بها أجهزة أطر عملها خارج نطاق القانون.
وقالت في حديث خاص لـ"
عربي21"إن تصريح لخشع يحمل على عاتقه كل المسؤولية فيما حدث ويحدث للمخفيين اللذين تطالب بهم أسرهم في كل وقفة اسبوعية أمام عتبات وزارة الداخلية والأمن.
كما حملت الصراري المسؤولية ايضا، الحكومة الشرعية، عن الاعتقالات والإخفاء القسري، التي طالت العشرات من أبناء مدينة عدن، دون أي مسوغ قانوني. مؤكدة أن الاشتباه هو حق للسلطات الأمنية ولها ان تشتبه بكل مواطني عدن، لكن بالمقابل عليها اتخاذ كل الاجراءات القانونية الصحيحة في أسلوب القبض وإعلام ذوي المعتقل عن مكانه، والسماح لأسرته وذويه بزيارته وتوكيل محام له واخضاعه للتحقيق واحالته للقضاء حتى تأخذ العدالة مجراها.
وأشارت رئيسة مؤسسة دفاع للحقوق والحريات إلى أنه في حقيقة الأمر ما يحدث غير قانوني ولا انساني. داعية نائب وزير الداخلية لتحمل كافة المسؤولية أمام الرأي العام المحلي والدولي على خلفية نفيه التهمة عن المنتهكين.
وأوضحت أنه من الغباء أو الكرم المبالغ إن صح التعبير، أن تتحمل حكومة هادي وزر ما اقترفته أجهزة لا تخضع لإدارتها، ارتكبت انتهاكات لا إنسانية من اخفاء وتعذيب وقتل.
كما لفتت إلى أن مثل هذه التصريحات، محاولة لتبييض جرائم، وعدم مسؤولية ولامبالاة في آن واحد، بحق الضحايا وذويهم.
"محاولة يائسة"
من جانبه، وصف الكاتب والمحلل السياسي ، عبدالرقيب الهدياني تصريحات اللواء لخشع بأنها حمقاء و"وقحة" و"فجة"، لن تمنع العقاب والادانة والملاحقة للمجرمين المدانين بهذه الانتهاكات.
وقال في حديث لـ"
عربي21" إن محاولة لتبييض جرائم الإمارات، لكننا أمام قضايا وانتهاكات جسيمة، لا يمكن أن يسقطها تصريح مسؤول حكومي، حتى وإن كان رئيس البلد ذاته.
وتابع متسائلا: "منذ متى كانت الجهات الرسمية تسقط الانتهاكات الموثقة بالشواهد والقرائن، كالتي ارتكبتها الإمارات في المحافظات المحررة؟".
وحسب الهدياني فإن تصريحات كهذا، تضع الحكومة في طائلة المساءلة القانونية أمام الشعب والمعنيين بحقوق الانسان في العالم. مؤكدا أن الضامن لهذه الحقوق المنتهكة، الشعب والعالم، فقد تم توثيقها من قبل مجلس حقوق الانسان .
وحول مصلحة الحكومة من نفي وجود سجون تديرها الامارات، رد السياسي اليمني بالقول إنها محاولة يائسة لإرضاء ابوظبي، وتبييض سجل جرائمها، على حساب حقوق الاهالي والاسر المتضررة من تلك الانتهاكات من اخفاء قسري والموت تحت التعذيب.
"ارتهان وأذى"
وفي السياق ذاته، يرى الكاتب والمحلل السياسي، ياسين التميمي، أن تصريحات نائب وزير الداخلية لخشع، التي نفى فيها وجود سجون سرية أو تعذيب في عدن والمحافظات الجنوبية، تعكس حالة الارتهان الكامل من قبل كبار المسؤولين في السلطة الشرعية للأجندة الإماراتية والسعودية وطموحاتهما في الاستحواذ على قرار اليمن السياسي وموقعه الجغرافي وموارده.
وأضاف في حديث لـ"
عربي21" أن لخشع وجه صفعة قوية للرئيس هادي قبل أي طرف أخر، ولكنه، ألحق الأذى النفسي والمعنوي بذوي الضحايا الذين قضوا في تلك السجون أو المخفيين فيها دون أن يعلم أهاليهم عنهم شيئا.
وأكد التميمي أن نائب وزير الداخلية "لخشع"، الذي ابقاه الرئيس هادي، في منصبه، على الرغم من وجود الميسري على رأس الوزارة، وكلاهما من محافظة أبين، حيث مسقط رأس هادي نفسه، يبرهن على ضعف قبضة الأول، بطريقة توحي بفقدانه السيطرة حتى على المؤسسات التابعة للسلطة الشرعية في عدن .
كما أشار السياسي اليمني إلى أن تصريحات لخشع، تزامنت مع اعتقال الشيخ، إبراهيم العدني، إثر خطبة له، الجمعة الماضية، دافع فيها عن سلطة هادي ووصف القوات المنضوية في إطار مايسمى "الحزام الأمني" و"النخب" ـ شكلتها وسلحتها الإمارات ـ بأنها ميليشيات.
وأوضح أن المسؤولين في السلطة الشرعية، يتناوبون على "تأمين الغطاء للممارسات القمعية والأعمال القذرة التي تنفذها الإمارات عبر أدواتها في عدن والمحافظات الجنوبية. لافتا إلى أنهم أيضا دأبوا في التقليل من شأن التقارير الدولية الموثوقة التي تكشف بوضوح حجم الانتهاكات التي يتعرض لها اليمنيون على يد القوات الإماراتية وأذرعها.
ودعا التميمي إلى إقالة لخشع من منصبه، معتبرا ذلك بأنه أقل ردود الفعل على تصريحاته، إن كان فعلا، أن هادي لايزال يقود مشروعا وطنيا لاستعادة الدولة تأسيسا على مخرجات الحوار الوطني الشامل.
ويعد سجن "بئر أحمد" واحدا من 5 سجون سرية في مدينة عدن، حيث وقعت فيه انتهاكات فظيعة في شهر آذار/ مارس الماضي، بعد إعلان السجناء الاضراب عن الطعام احتجاجا على اعتقالهم وعدم توجيه أي تهم لهم، وفقا لـ"مجلس جنيف للحقوق والعدالة".
ويوجد سجن ثان، كما تشير تقارير عدة أبرزها تحقيق وكالة "أسوشييتد برس" الأمريكية، في قاعدة البريقة، حيث مقر القوات الإماراتية، شرقي عدن، حيث يقبع فيه عشرات المعتقلين والمخفيين قسريا.
فضلا عن؛ سجن ثالث في منزل شلال شايع، مدير أمن عدن المتحالف بشكل وثيق مع الإمارات، بينما السجن الرابع في ملهى ليلي تحول إلى سجن يعرف بـ"وضاح".
وتتهم تقارير حقوقية دولية القوات الإماراتية وحلفاءها المحليين بالتورط في حفلات تعذيب وحشية يتعرض لها المعتقلون في سجونها المتعددة، حيث تقوم قوات الأمن فيها بالتعذيب والانتهاكات الجنسية؛ لكسر إرادة المعتقلين، ومنها سجن الريان، سيئ الصيت، في مدينة المكلا، عاصمة محافظة حضرموت (شرق البلاد).
وكانت وكالة "اسوشتيد برس" قد كشفت، في حزيران/يونيو 2018، تفاصيل صادمة عن سجون إماراتية جنوبي اليمن، من بينها "العنف الجنسي" الذي اعتبره التقرير الوسيلة الرئيسية لممارسة الوحشية على المعتقلين وانتزاع اعترافات منهم.