للمرة الرابعة خلال أقل من عامين، يكرر اللواء المتقاعد ومجرم الحرب خليفة
حفتر؛ إعلانه عن إطلاق عملية عسكرية لما يسميه تحرير
الجنوب الليبي من فلول من يصفهم بـ"المرتزقة والعصابات الإجرامية والإرهابيين"؛ الذين قال إنهم متعاونون مع دول أجنبية لتغيير الطبيعة السكانية في مناطق الجنوب ومدنه المختلفة؛ التي تمتد على مساحات شاسعة وأراض صحراوية قاحلة.
عين حفتر هذه المرة على حقول النفط ومنابعه في مناطق ومدن جنوب البلاد، فهدفه - كما يقول - تأمين حقول النفط والغاز، وتوفير الحماية لشركات النفط، وفتحُ الطرق الرئيسية في تلك المناطق وتزويدها بالخدمات الضرورية ومكافحةُ الهجرة غير النظامية، وملاحقةُ مسلحي المعارضة التشادية الذين استعان بهم هو نفسه في حروبه السابقة في مدينتي بنغازي ودرنة ومنطقة الهلال النفطي في شمال
ليبيا.
لكن الهدف الحقيقي وغير المعلن لحفتر من وراء اجتياح الجنوب الليبي؛ هو إنهاءُ أي وجود هناك لحكومة الوفاق الوطني المدعومة دوليا، والتي يمكن تحميلها المسؤولية في تفاقم أزمة الجنوب؛ بتغافلها أو تباطؤها في تعيين حاكم عسكري لتلك المنطقة ودعمه ماليا، رغم المناشدات المتكررة من قُوى سياسية وقبلية مختلفة من الجنوب.
وعلاوة على ذلك، فإن حفتر يريد تهيئة الأجواء في الجنوب
لحلفائه الإقليميين في فرنسا والإمارات الذين يسعون إلى توسيع نفوذهم في ليبيا وإيجاد مواطئ قدم لهم في الجنوب، بعد أن مكنهم حفتر من ذلك في الشرق الليبي، وخصوصا فرنسا التي ترى لنفسها حقا تاريخيا في الجنوب الليبي الذي يتاخم دولا أفريقية؛ لأنظمتها ولاءات لفرنسا التي استعمرت هذه الدول في سنوات غابرة.
للإمارات دور بارز في خطة حفتر للسيطرة على الجنوب الليبي، عبر الدعم بالأموال والعتاد والسيارات المسلحة، واستمالة القبائل القاطنة لتلك المنطقة بالأموال. فمنذ أسابيع عدة، زار الإمارات وفد قبلي من الجنوب، وتشاور مع أطراف إماراتية حول إمكانية تقديم الدعم القبلي لتحركات
المليشيات الموالية لحفتر في تلك المنطقة.
وبالفعل، فمنذ أيام عدة وصلت إلى قاعدة تمنهنت في ضواحي مدينة سبها بالجنوب؛ آليات ومعدات حربية من معسكرات تابعة لحفتر في شرق البلاد، ولم يصل معها مسلحون من الشرق، فحفتر يريد هذه المرة الاعتماد على مسلحين مليشياويين موالين له؛ ينتمون إلى قبائل من الجنوب، تمثل أطيافه السكانية ومناطقه المختلفة. لكنّ الآراء منقسمة بين هذه القبائل حول جدوى هذه العملية وإمكانِ نجاحها، فعملية إطباق السيطرة الكاملة على الجنوب الليبي (الذي يمكن وصف تركيبته السكانية بأنها معقدة بعض الشيء، ومتخمة بالتناقضات العرقية والصراعات القبلية التاريخية) أمر صعب؛ يُجبر من يريد السيطرة عليه على ضرورة الدخول في تفاهمات مع مختلف القوى المحلية والقبلية التي لبعضها ارتباطات إقليمية بدول الجوار الأفريقي لليبيا. وهذه المكونات السكانية لم تسلم هي نفسها من الانقسام السياسي الذي تعيشه ليبيا منذ أكثر من خمس سنوات.
سطوة قبائل التبو التي لديها امتدادات قوية في تشاد؛ لن تجعل مهمة حفتر ميسورة، إلى جانب أن سيطرة حفتر على الجنوب (إن حدثت بالفعل) لن تكون إلا مؤقتة، وسيوظّفها في الترويج لنفسه بصفته رقما صعبا لا يمكن تجاوزه في أي تسوية سياسية قادمة، وسيؤيده في ذلك داعموه الإقليميون، وعلى رأسهم الإمارات.
دق طبول الحرب في الجنوب الليبي سيعمق جراحَه ويزيد من إنهاك ساكنيه، فتراجع الأوضاع المعيشية للمدنيين، وتجدّدُ الانتهاكات وارتفاع وتيرتها في تلك المنطقة، والنقص الحاد للبنزين والمحروقات.. حمل ذلك عائلاتٍ بأكملها على النزوح نحو مدن الشمال، بحثا عن أمن واستقرار.
رغبة حفتر، ومن ورائه الإمارات ومصر، في إشعال مزيد من الحروب في ليبيا تتصادم بقوة مع جهود المجتمع الدولي؛ الذي زار مبعوثه
غسان سلامة مدينة سبها الأيام الماضية وأجرى مشاورات هناك مع قادة سياسيين وقبليين، قال بعدها إن هناك صعابا كبيرة وظروفا حَرِجة يعانيها أهالي الجنوب الليبي، ودعا حكومة الوفاق والمجتمع الدولي إلى التحرك بسرعة وحزم لدعم الجنوب، واحتواء الأوضاع المتأزمة في مدنه ومناطقه المختلفة.